القاهرة: "البيئة والتنمية"
تواجِه مصر تحديات متعاظمة تهدد أمنها المائي والغذائي، تبدأ بندرة الموارد المتاحة، ولا تنتهي بالخطر الذي قد يشكله "سد النهضة" في إثيوبيا على إمدادات مياه نهر النيل. الدكتور إسماعيل عبد الجليل، الرئيس السابق لمركز بحوث الصحراء والمكتب الزراعي في سفارة مصر في واشنطن، أشار في حوار خاص بـ"الشرق الأوسط" أجراه مراسلو "البيئة والتنمية" إلى أن الحلول موجودة، لكن التحدي الأكبر يبقى الاستعداد لآثار تغيُّر المناخ على موارد المياه والجفاف.
- كيف تصِف الوضع المائي في مصر حالياً وما درجة الخطر؟
• تمثّل الندرة المائية أهم التحديات التي تواجه طموحات التنمية، حيث تقع مصر تحت خط الفقر المائي، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد من المياه 500 متر مكعب في السنة، وهو سينخفض بحلول 2050 إلى أقل من 300 متر مكعب. ويستند هذا فقط إلى معدّل الزيادة السكانية الحالي، الذي يصل إلى نحو 2 في المائة سنوياً، من دون حساب آثار التغيُّرات المناخية، التي ستزيد الوضع سوءاً. يستهلك قطاع الزراعة نحو 73 في المائة من حصّة مصر المائية، بينما تستهلك قطاعات مياه الشرب والصناعة والملاحة وباقي الانشطة نحو 27 في المائة، رغم تواضع القيمة المضافة لقطاع الزراعة في الناتج القومي، بنسبة لا تتجاوز 11.3 في المائة. وهو ما يستدعي تغيير السياسات الزراعية، خصوصاً لناحية الالتزام بالمساحات المتفق عليها بين وزارتي الزراعة والري، لتفادي تجاوز المقرر المائي المتاح. حالياً يفضّل مزارعو الأرز، مثلاً، دفع غرامة المخالفة على الالتزام بخطة وزارة الري تقييد المساحات وتشجيع الأصناف الأعلى جدوى اقتصادياً. ويُتوقع أن يتكرر الأمر مع القمح هذه السنة.
- ما هي تقديرات العجز المائي في مصر؟
• تُظهر المعلومات المتوفرة عجزاً مائياً يقدّر بأكثر من 30 مليار متر مكعب سنوياً، وهذا يمثّل الفجوة المائية بين جملة الموارد المائية المتاحة، وهي نحو 59.65 مليار متر مكعب سنوياً، وجملة الاحتياجات المائية الحالية لجميع القطاعات، التي تتجاوز 80.3 مليار متر مكعب سنوياً. ويُتوقع تزايد العجز المائي مع الزيادة السكانية المضطردة والتوسع في المشروعات التنموية، مع ارتفاع مستوى المعيشة وتزايد الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. ويترافق هذا مع تناقص كبير في نصيب الفرد من الأراضي الزراعية، بسبب التعديات والزحف العمراني وتآكل الأراضي الزراعية بمعدل 25-30 الف فدان سنوياً، مما يزيد الضغط على الأمن الغذائي.
- ماذا عن الفجوة الغذائية وما مضاعفاتها على المياه؟
• الفجوة الغذائية تتزايد، وهي تُقدّر اليوم بأكثر من 60 في المائة من الاحتياجات التي يتم استيرادها، بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً، ويُتوقع ارتفاعها مع محدودية الأرض والمياه. ومع وصول عدد السكان إلى أكثر من 178 مليون نسمة بحلول 2050، سترتفع الاحتياجات المائية لكل القطاعات المستخدِمة للمياه العذبة إلى نحو 100 مليار متر مكعب، بزيادة نحو 20 في المائة عن اليوم. وسيكون هذا ضرورياً لاستيفاء احتياجات ري مساحة 10 ملايين فدان حينذاك بنحو 69.5 مليار متر مكعب سنوياً، بدلاً من المساحة الزراعية الحالية التي تصل إلى 8.6 ملايين فدان. لكن الضغط لن يقتصر على الزراعة، إذ إن احتياجات مياه الشرب ستصل إلى 15 مليار متر مكعب والصناعة إلى 10 مليارات سنوياً. لكن التوقعات المستقبلية ترتبط بالسيناريوهات المحتملة للتغيُّرات المناخية وتأثيراتها السلبية على زيادة معدلات الجفاف وتناقُص معدلات الأمطار والإيراد الطبيعي لنهر النيل. كما تتوقف أيضاً على مشروعات السدود والتوسع الزراعي الأفقي لدول حوض النيل على النهر وروافده.
- أين مكامن الخطأ؟
• يتم في غالب الأحيان تقدير عائد الانتاجية بالمساحة، بينما يجب التقدير بكمية المياه المستهلكة خلال موسم الزراعة حتى الحصاد. كما يجب الاهتمام بتقليل كمية فاقد المياه في مواسير مياه الشرب الرئيسية، التي تصل إلى 30 في المائة. وقد بدأ تطبيق إجراءات لإدارة المياه الزراعية، منها إدخال نظام بطاقة إلكترونية مسبقة الدفع لتشغيل مضخّات الري فى مناطق الاستصلاح الجديدة، لتفادي مشكلة الاستهلاك غير الرشيد للمياه. وفي ما خصّ مياه الشرب، بدأ العمل على توفيرها بالتحلية محلياً من آبار متوسطة الملوحة، لتفادي تكاليف توصيلها عبر مسافات طويلة.
- هل من خطة طريق لمواجهة التحديات المائية المستقبلية؟
• الإصلاح يبدأ من تبنّي سياسات جديدة وفاعلة تستهدف الحدّ من الهدر وتعزيز الكفاءة وترشيد الاستخدامات وتعظيم الاستفادة من الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية، إلى جانب البحث عن مصادر مائية جديدة، مثل التحلية والمياه الجوفية. ويجب أن تقتصر تحلية مياه البحر على خدمة المدن الساحلية، بينما تتم تحلية المياه الجوفية قليلة الملوحة واستخدامها بالقرب من مصادرها. ويُتوقع أن ترتفع مواردنا المائية من تحلية مياه البحر من 1.3 مليون متر مكعب يومياً عام 2020 إلى 20 مليون متر مكعب يومياً سنة 2050. بينما تقدّر المياه الجوفية العميقة بنحو 2.5 مليار متر مكعب والمياه الجوفية الضحلة بنحو 6.91 مليار متر مكعب. وقد تصل مياه الأمطار والسيول إلى 1.30 مليار متر مكعب في السنة. كما يمكن توفير الموارد المائية غير التقليدية من مياه الصرف الصحي الناتجة عن الاستخدامات المنزلية والصناعية. وبينما قُدّرت كمية مياه الصرف المتاحة عام 2020 بنحو 12 مليار متر مكعب، فهي ستصل إلى 16 مليار متر مكعب سنة 2050. وتُعتبر مياه الصرف الصحي مورداً متزايداً بتزايد عدد السكان، ويمكن استخدامها في ري الغابات الشجرية. وهذه كلها تضاف إلى حصّة مياه النيل البالغة 55.50 مليار متر مكعب. الحلول ليست مستعصية، لكنها تتطلّب مواجهة التحديات بقرارات مدروسة وتنفيذها سريعاً.
|