شهِد النصف الأول من سنة 2023 مجموعة كبيرة من الكوارث المناخية، التي طالت بلداناً كثيرة في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي. وفي أكثر من مكان، سجّلت درجات الحرارة والعواصف المطرية أرقاماً قياسية، ونتجت عنها حرائق واسعة وفيضانات عنيفة وذوبانا للجليد. وكأن الصيف يسدل الستار على تسابق في عدد الضحايا بين كارثة الزلزال في المغرب والفيضانات في ليبيا، حيث يستمر العدُّ بالآلاف.
حرّ وفيضانات في العالم العربي
شهِدت بلدان الشرق الأوسط خلال صيف 2023 موجات حرّ شديدة وصلت إلى مستويات قياسية في بعض الدول، كما تسببت في اندلاع حرائق غابات واسعة النطاق في لبنان وسورية والمغرب. وفي الجزائر وتونس، سجّلت درجات الحرارة 48.7 درجة مئوية و49 درجة مئوية على التوالي في 23 يوليو (تموز).
وفي المغرب، بلغت الحرارة 50.4 درجة مئوية في 11 أغسطس (آب)، وهو رقم قياسي جديد. كما شهِدت البلاد حرائق طالت غابات وواحات بمساحة 5400 هكتار. وشهِد المغرب خلال الشهرين الأوّلين من هذا الصيف ما بين 5 و6 حرائق يومياً، حيث تغطي الغابات 12 في المائة من مساحة البلاد، بينما شهِدت سنة 2022 نحو 500 حريق، حوَّلت أكثر من 22 ألف هكتار إلى رماد. وفي اليمن، تسببت الفيضانات في نزوح 200 ألف شخص ووفاة العشرات.
وفي سبتمبر (أيلول)، شهِدت بلدان شمال أفريقيا هطولات مطرية مبكرة، كان أخطرها في ليبيا، حيث يُخشى وفاة ما يصل إلى عشرين ألف شخص نتيجة الفيضانات والسيول التي خلّفها إعصار دانيال في شرق البلاد. وكانت العاصفة المتوسطية العنيفة التي طالت مدناً ساحلية عدّة أدّت إلى انهيار سدود وجرف أحياء بأكملها، لاسيما في مدينة درنة التي أُعلنت منطقةً منكوبةً.
فيضانات واسعة في القارة الآسيوية
في 7 أغسطس (آب)، شهِدت العاصمة الصينية هطولات مطرية غزيرة قاربت 745 ملم، وهي الأعلى في يوم واحد منذ بدء رصد أحوال الطقس في 1883. ونتج عن هذه الهطولات فيضانات تسببت في مقتل 33 شخصاً و18 مفقوداً، وانهيار وتضرر أكثر من 200 ألف منزل. وفي الأسبوع التالي، وصلت الحرارة في مقاطعة شينجيانغ إلى 52.2 درجة مئوية، وهو رقم قياسي جديد في الصين.
وخلال النصف الأول من 2023، شهِدت القارة الآسيوية مجموعة من الأحوال المناخية التي أودت بحياة الكثيرين، أبرزها موجة البرد التي أصابت أفغانستان في 10 يناير (كنون الثاني) حيث وصلت الحرارة إلى 33 درجة تحت الصفر وأودت بحياة أكثر من 160 شخصاً، وكذلك إعصار موكا الذي اجتاح ميانمار في مايو (أيار) وتسبب بوفاة نحو 500 شخص وأضرار تقارب 1.5 مليار دولار.
كما أسفر إعصار بيبارجوي عن مقتل أكثر من 12 شخصاً في الهند خلال شهر يونيو (حزيران). وفي الشهر ذاته، عانت البلاد من موجة حرّ شديدة أدّت إلى انقطاع التيار الكهربائي عدة مرات ووفاة ما يقرب من 170 شخصاً. ومنذ يوليو (تموز)، تستمر الفيضانات غير المسبوقة في الهند في حصد الأرواح، حيث تسببت حتى الآن بوفاة أكثر من 100 شخص.
وفي يوليو (تموز) أيضاً، تسببت الفيضانات في كوريا الجنوبية بوفاة نحو 60 شخصاً، وإجبار أكثر من 10 آلاف شخص على ترك منازلهم إلى أماكن آمنة. كما أدّت الفيضانات في الشهر ذاته إلى جرف عدد من المنازل في مدينة كورومي جنوب اليابان.
خسائر ضخمة في الولايات المتحدة وكندا
تسببت الحرائق الناشطة في كندا منذ أبريل (نيسان) في ارتفاع معدلات التلوُّث الجوّي إلى أعلى مستوياتها، وأظلمت السماء فوق مونتريال ونيويورك في بداية يونيو (حزيران). وفي منتصف أغسطس (آب)، كان نحو 5738 حريقاً قد أتى على 13.7 مليون هكتار منذ بداية السنة، وهي منطقة تقارب مساحة اليونان.
وفي أرخبيل هاواي، تسببت حرائق 10 أغسطس (آب) في وفاة 110 أشخاص، وكادت تمحي بلدة لاهاينا التي يبلغ عدد سكانها 13 ألف نسمة في جزيرة ماوي. وكانت الظروف المناخية هي المسؤولة عن هذه الكارثة، حيث أدّى الجفاف إلى اندلاع النيران التي نشرتها رياح الإعصار "دورا".
وكانت مدينة فينيكس، عاصمة ولاية أريزونا، شهِدت موجة حرّ قياسية استمرت طيلة شهر يوليو (تموز) وتجاوزت فيها الحرارة 43.3 درجة مئوية. وتسببت هذه المحنة غير المسبوقة في دخول العديد من الأشخاص إلى المستشفيات. وخلال الفترة من مطلع 2023 إلى يوليو (تموز)، رصدت الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي 15 حدثاً مناخياً كارثياً في البلاد تسببت في وقوع 113 وفاة، وقاربت خسائرها 40 مليار دولار.
حرائق غير مسبوقة في القارة الأوروبية
تسببت موجة الحرّ الاستثنائية التي سيطرت على اليونان في الأسبوعين الأخيرين من يوليو (تموز) إلى مضاعفة أعداد حرائق الغابات، وتسجيل البلاد أكبر عملية إجلاء بسبب المناخ شملت 30 ألف شخص في جزيرة رودس وفي جزيرتي إيفيا وكورفو. واعتبرت المفوضية الأوروبية أن حرائق الغابات في شمال شرق اليونان أكبر ما تم تسجيله على الإطلاق في الاتحاد الأوروبي.
وما أن خمدت الحرائق، حتى اجتاحت الفيضانات مناطق واسعة في وسط وجنوب أوروبا خلال شهر أغسطس (آب). وعمل التيّار النفّاث في طبقات الجو العليا على تثبيت نظامين عاصفين في مكانهما، مما أدّى إلى هطول أمطار مستمرة فوق إسبانيا والبرتغال وسلوفينيا واليونان وتركيا. وفي الوقت ذاته، فرض ضغطاً مرتفعاً على فرنسا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ والمملكة المتحدة، مما تسبب في موجة حارّة في أواخر الصيف.
أعاصير مدمّرة في نصف الكرة الجنوبي
لم يكن النصف الشمالي من الكرة الأرضية هو الوحيد الذي عانى من ارتفاع الحرارة. ففي أغسطس (آب)، شهِدت البرازيل ارتفاعاً قياسياً في الحرارة بلغ 41.8 درجة مئوية في مدينة كويابا في منتصف الشتاء. وطالت موجة الحرّ جزءاً كبيراً من البلاد، مما دفع الآلاف من سكان ريو إلى الشواطئ.
وفي جنوب البلاد، شهِدت ولاية ريو غراندي في 6 سبتمبر (أيلول) أسوأ كوارثها المناخية، حيث تسبب إعصار بأمطار ورياح غزيرة أودت بحياة 27 شخصاً على الأقل. وكان ما لا يقل عن 40 شخصاً فقدوا حياتهم نتيجة فيضانات وانهيارات أرضية في ولاية ساو باولو خلال فبراير (شباط) الماضي. كما أدّت حرائق الغابات في جنوب وسط تشيلي خلال الشهر ذاته إلى مقتل 24 شخصاً وإصابة نحو ألفي شخص، وإحراق أكثر من 800 ألف فدان من الأراضي.
وخلال الفترة بين 4 فبراير (شباط) و15 مارس (آذار)، اجتاح الإعصار فريدي جنوب المحيط الهندي بفاعلية هي الأعلى واستمرارية هي الأطول لإعصار مداري. وهو أحدث فيضانات وأضراراً مادية وبشرية كبيرة في شرق أفريقيا، بحيث صُنِّف كثالث أخطر إعصار مداري في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، وتسبب في وفاة ما لا يقل عن 1434 شخصاً، معظمهم في مالاوي وبنسبة أقل في موزمبيق ومدغشقر وزيمبابوي وموريشيوس.
وفي فبراير (شباط) أيضاً، تسبب الإعصار المداري غابرييل في تدمير أجزاء من جزيرة نورث آيلاند في نيوزيلاندا، وقُدّرت أضرار هذا الإعصار بنحو 8.4 مليار دولار على الأقل، مما يجعله الإعصار الأعلى كلفة في نصف الكرة الجنوبي.
أرقام قياسية في المحيطات والقطب الجنوبي
سجّلت المحيطات في يوم 4 أغسطس (آب) درجة حرارة سطحية قاربت 21 درجة مئوية، وهو رقم قياسي عالمي يتم رصده لأول مرة. وكانت خدمة كوبرنيكوس لمراقبة المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي أعلنت في يونيو (حزيران) أن شمال المحيط الأطلسي كان دافئاً على نحو غير عادي. وفي سواحل فلوريدا، وصلت حرارة المياه إلى 38 درجة مئوية. كما سجّلت الحرارة السطحية في البحر المتوسط رقماً قياسياً بوصولها إلى 28.7 درجة مئوية في يوليو (تموز).
وفي مايو (أيار)، أدّت حرائق الغابات في جبال الأورال الروسية وسيبيريا إلى مقتل 21 شخصاً على الأقل، والتهمت 280 ألف فدان من الأراضي، ودمّرت مئات المنازل. ونتجت الحرائق عن موجة الحرّ التي يُرجّح ارتباطها بتغيُّر المناخ. وتُعزى درجة الدمار إلى نقص الموارد والعزلة التامة في مواقع هذه الحرائق.
وطيلة يوليو (تموز) 2023، بلغ متوسط مساحة الجليد البحري في القطب الجنوبي 13.5 مليون كيلومتر مربع، وهي أدنى مساحة تم رصدها في هذا الوقت من السنة منذ بدء التسجيل المستمر عبر الأقمار الاصطناعية في أواخر عام 1978. وقد وصف أحد خبراء وكالة ناسا الأميركية هذه المغطيات بأن "ما نشهده هذا العام هو منطقة مجهولة في سِجِّل الأقمار الاصطناعية".