اهتمت المجلات الصادرة في مطلع سبتمبر (أيلول) بأحوال الطقس القاسية التي طالت العالم، وربطتها بتغيُّر المناخ. كما ربطت بين تغيُّر المناخ وأزمات المياه المتزايدة في كل مكان.
تغيير النظم البيئية في هاواي يضاعف مخاطر الحرائق
في سلسلة من المقالات، تناولت مجلة "ساينس" (Science) ظاهرة الحرائق الواسعة التي اجتاحت مدينة لاهينا التاريخية والغابات الجافة على جزيرة ماوي في ولاية هاواي الأميركية. واعتبر مقال افتتاحي أن الحريق الذي التهم لاهينا هو تذكير محزن وصارخ بالضغوط البيئية التي تتعرض لها جزر هاواي بسبب الإفراط في التنمية والسياحة.
ومع خروج ماوي من تحت الرماد، ترى المجلة وجود فرصة لتحسين إدارة الموائل عبر عمليات مستدامة وعادلة تحافظ على الجمال الطبيعي لهاواي، وتضمن اقتصاداً أخضر أقل تدميراً، يركّز على السياحة البيئية وعدم تهميش السكان الأصليين. وكانت حرائق ماوي في صيف هذه السنة أدّت إلى وفاة أكثر من 100 شخص، وخسائر اقتصادية تقدر بمليارات الدولارات. وألحقت الحرائق أضراراً بالغة بالبنية التحتية والمرافق السياحية في لاهينا، مما أدى إلى فقدان الكثير من الوظائف والإيرادات.
ويرى باحثون في اجتماع عدة عوامل الوصفة المثالية التي أدّت إلى حصول الكارثة، من بينها حالة الجفاف التي تعاني منها ماوي منذ عدة سنوات، والرياح العاصفة التي هبّت على الجزيرة وعزّزها "إعصار دورا" الذي اجتاح جنوب غرب أرخبيل هاواي.
كما يربط باحثون بين تغيُّر النظم البيئية وزيادة مخاطر حرائق الغابات في ماوي، لاسيما تحت وطأة الجفاف الناتج عن تغيُّر المناخ. ويشير دان روبينوف، عالِم الأحياء في جامعة هاواي، إلى دور الاستعمار الأوروبي لهاواي منذ قرنين في تسريع وتيرة إدخال الأنواع الغازية التي لم تتراجع أعدادها منذ ذلك الحين. وتشمل هذه الأنواع أعشاباً قادرة على التكيُّف مع الحرائق، فهي تنمو بسرعة، وتلعب دور الوقود في انتشار النار، وتعاوِد النمو سريعاً في أعقاب حرائق الغابات، مما يجعلها مزاحمةً للأنواع المحلية.
ويقول باحثون إن أحد الأسباب التي تزيد من انتشار هذه الأعشاب الأجنبية في ماوي هو استهلاك النباتات المحلية بشراهة من الماعز الوحشي والحيوانات البرية الأخرى. وتُشكّل الأنواع الغازية عائقاً أمام إعادة إنشاء الغابات المحلّية التي يعتقد العلماء أنها ضرورية لصحة البيئة وقدرتها على مقاومة الحرائق في ماوي.
فيضانات الصين تكشف ضعف التخطيط الحضري
حذّرت مجلة "بيجينغ ريفيو" (Beijing Review) من أن الصين تواجه "عصراً جديداً من التغيُّر المناخي"، حيث أصبحت الأحداث المناخية الكارثية أكثر تواتراً وشدّة. وأشار مقالها الافتتاحي إلى أن الفيضانات الأخيرة التي غمرت بكين ومدن أخرى في شمال الصين، والتي تسببت في أضرار واسعة النطاق ووفاة العشرات، هي مِثال على هذا الاتجاه.
ورغم الجهود التي تبذلها الصين لتعزيز بناء القدرات في مجال مراقبة الكوارث والإنذار المبكر والاستجابة لحالات الطوارئ، دعت المجلة إلى المضي قدماً في تعزيز القدرات على الاستجابة للصدمات المناخية. واقترحت، على سبيل المثال، بناء "مدن إسفنجية" مصممة لامتصاص مياه الأمطار والتعامل على نحو أفضل مع إدارة الفيضانات.
وخلصت المجلة إلى ضرورة أن تكون المجتمعات البشرية مستعدة لمواجهة الظواهر الجوية القاسية، علماً أن التكيُّف لا يمكن تحقيقه بواسطة دولة واحدة أو عدة بلدان بل يتطلب جهداً دولياً مشتركاً. وإذا فشلت الجهود في التعامل كجبهة واحدة مع تغيُّر المناخ والتكيُّف معه، فقد تتسبب الطبيعة بمزيد من الكوارث.
وفي مقال منفصل، نقلت المجلة عن رئيس المركز الوطني الصيني للمناخ، تشاو تشينغ تشن، قوله إن هطولات الأمطار الغزيرة للغاية أصبحت أكثر تواتراً منذ بداية القرن. ورغم أن الكمية الإجمالية للهطولات المطرية في الصين لم تتغيّر بشكل ملحوظ، إلا أن حالات الهطول الغزيرة ارتفعت في مقابل تناقص حالات الهطول الخفيفة.
ويشير تشاو إلى أن شمال الصين هو جاف تاريخياً حيث لا تستطيع البنية التحتية التعامل مع هطولات الأمطار الغزيرة. وفي السنوات الأخيرة، حدثت زيادة في ميل الأعاصير إلى التحرك شمالاً، وارتفعت بالتالي فرص هطول أمطار غزيرة في الشمال. ولم يواكب التوسع الحضري السريع عملية تجديد وبناء أنظمة صرف فعّالة في التعامل مع الهطولات الغزيرة.
وينوّه لي شياو جيانغ، الرئيس السابق للأكاديمية الصينية للتخطيط والتصميم الحضري، إلى أن العديد من المدن أهملت الاستثمار في الوقاية من الكوارث والحدّ منها لصالح الشوارع الواسعة والساحات الكبيرة والمباني الشاهقة. وفي هذا السياق، قامت بعض المدن ببناء أحياء جديدة في المناطق المنخفضة، أو غيرها من المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، دون إيلاء اهتمام يذكر لمخاطر الكوارث في تخطيط التوسع.
أحوال الطقس الحالية ليست نهاية العالم
في عدد خصصته للأحوال الجوية المتطرِّفة، ناقشت "نيو ساينتست" (New Scientist) القلق المتزايد بين الناس حول قدرة العالم على مواجهة تغيُّر المناخ، وفيما إذا كان الكوكب قد تجاوز بالفعل نقطة اللاعودة. ويتوقع باحثون أن يكون عام 2024 أكثر دفئاً من السنة الحالية مع وصول ظاهرة النينيو إلى ذروتها، وهذا يعني أن مزيداً من الناس سيختبرون آثار تغيُّر المناخ بشكل مباشر، مما سيرفعه إلى أعلى قائمة اهتماماتهم.
وتجاوزت سنة 2023 مسألة إدراك معظم الناس لحقيقة تغيُّر المناخ إلى تفكيك الحاجز النفسي حول تأثيره المباشر عليهم. ففي هذه السنة، عانى أغلب البشر حول العالم من حرائق الغابات المدمّرة، أو درجات الحرارة القياسية، أو الفيضانات العنيفة. ويساعد تركيز انتباه الجمهور على هذه الظواهر الجوية القاسية في تحفيز المشاركة على نطاق واسع في مواجهة أزمة المناخ، وإقناع من هم في السلطة باتخاذ إجراءات صارمة لخفض الانبعاثات، ولكن هذا النهج ينطوي أيضاً على بعض المخاطر.
فمع تقلُّص ظاهرة النينيو ستعود أنماط الطقس إلى ما يُشبه الوضع "الطبيعي"، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع الاهتمام العام بالمسائل المناخية خلال منتصف عشرينيات القرن الحالي، في الوقت الذي يؤكد فيه العِلم على ضرورة مضاعفة جهود خفض الانبعاثات في هذه الفترة بالذات.
إن المبالغة في تفسير دور ظاهرة النينيو باعتبارها الوضع الطبيعي الجديد يقوّض سلامة علوم المناخ، ويمنح الذرائع لأولئك الذين يزعمون بعدم جدوى فعل شيء لمواجهة تغيُّر المناخ. والفكرة الخاطئة التي تعتبر أنه لا يوجد شيء يمكننا القيام به تمثّل تهديداً كبيراً يماثل إنكار تغيُّر المناخ.
حرب مياه على الحدود الأفغانية الإيرانية
لفتت مجلة "ساينس" (Science) الأنظار إلى التوتُرات المتصاعدة حالياً على الحدود الإيرانية الأفغانية بسبب المياه. وتتهم إيران قادة طالبان بإنتهاك اتفاق لتقاسم مياه نهر هلمند الذي يتدفّق من أفغانستان إلى إيران. وكانت اشتباكات بالقرب من النهر أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن إثنين من حرس الحدود الإيرانيين ومُقاتل من طالبان في أواخر مايو (أيار) الماضي.
ويتزامن النزاع بين البلدين، خلال الأعوام 1872 و1898 و1902 و1935، مع فترات الجفاف القاسية. وقد فرض الاحترار، إلى جانب التغيُّرات في هطول الأمطار والنمو السكاني وتوسع الزراعة، ضغوطاً متزايدة على إمدادات المياه في ولاية هلمند. وتُظهر بيانات الأقمار الاصطناعية أن مستويات المياه الجوفية انخفضت بمعدل 2.6 متر خلال الفترة بين 2003 و2021 ضمن حوض نهر هلمند، الذي يغطي نحو 40 في المائة من مساحة أفغانستان.
ويقدِّر باحثون أن كمية مياه نهر هلمند التي تصل إلى إيران انخفضت بأكثر من النصف خلال العقدين الماضيين، ويرجع ذلك جزئياً إلى بناء سدود جديدة وتوسيع نطاق الري في أفغانستان. كما تناقصت سماكة الثلوج في جبال أفغانستان بشكل ملحوظ، لاسيما في جبال هندو كوش الوسطى حيث تنبع جميع الأنهار الرئيسية في البلاد، بما فيها نهر هلمند. وتسببت هذه العوامل في تفاقم التوترات القائمة منذ فترة طويلة بشأن معاهدة 1974، التي تحدد حصص البلدين في مياه نهر هلمند. وادعت إيران هذه السنة أنها تلقّت كمية لا تتجاوز 4 في المائة من حصتها الموعودة، فيما ألقت حركة طالبان باللوم على الجفاف في تناقص تدفُّق النهر. وقد ينعكس هذا النزاع المائي المحلي عالمياً، مع لجوء بعض المزارعين الأفغان إلى زراعة خشخاش الأفيون، الذي يُعتبر أكثر ربحية وتحملاً للجفاف، رغم الحظر المفروض على هذا المحصول.
تدمير النظم البيئية للأراضي الرطبة
ناقشت "ناشيونال جيوغرافيك" (National Geographic) مجموعة التهديدات التي تتعرض لها مستنقعات المياه العذبة في محمية النهر الأسود في ولاية نورث كارولاينا الأميركية. وتضم الأراضي الرطبة في هذه المنطقة أقدم الأشجار المعروفة شرق جبال روكي، لاسيما أشجار سرو المستنقعات التي يزيد عمر بعضها عن ألفي سنة.
ورغم أن أشجار سرو المستنقعات هي من بين الأشجار الأكثر مرونة على وجه الأرض في تحمُّل أسوأ الظروف الطبيعية، إلا أن أعدادها تتناقص بشكل كبير على طول الساحل من ديلاوير إلى تكساس، تاركة وراءها هياكل خشبية بيضاء. وكانت أشجار سرو المستنقعات تعرّضت خلال الثلث الأول من القرن العشرين لعمليات تحطيب واسعة قضت على نحو 90 في المائة من أعدادها. ولم يتبقَّ حالياً سوى واحد بالألف منها، بفعل الأنشطة البشرية وتغيُّر المناخ، خصوصاً الأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر الذي دفع المياه المالحة للاختلاط بمياه المستنقعات العذبة.
ويشير باحثون إلى أن ساحل خليج المكسيك والسهل الساحلي الأطلسي فقدا أكثر من 2000 كيلومتر مربع من الأراضي الساحلية الحرجية بين 1996 و2016، وتحوّلت رقعة الغابات المفقودة إلى مستنقعات وبِرَك ملحية. وتُذكّر المجلة بأن مستنقعات نورث كارولينا حملت لقب "أمازون أميركا الشمالية" قبل 120 عاماً، وذلك لاحتوائها على بِرَك ومستجمعات مياه عذبة ونظم طبيعية متنوّعة زادت مساحتها عن 160 ألف كيلو متر مربع، أي ما يقارب كامل مساحة تونس.
الجفاف في الغرب الأميركي
قدّمت "نيو ساينتست" (New Scientist) عرضاً موجزاً لظاهرة "اللسان البارد"، التي لا تتوافق مع النماذج المناخية الحالية. واللسان البارد هو منطقة من المحيط الهادئ تمتد من ساحل الإكوادور باتجاه الغرب آلاف الكيلومترات، وتنخفض حرارتها منذ ثلاثين عاماً، على عكس مياه جميع المحيطات التي تحترّ نتيجة تغيُّر المناخ.
ويبقى اللسان البارد لغزاً مناخياً لا يعرف العلماء على نحو مؤكد اتجاهه المستقبلي. ويمكن لهذه الظاهرة أن تلعب دوراً هاماً في تعديل حساسية الغلاف الجوي تجاه ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة. وقد تحدد ما إذا كانت كاليفورنيا ستواجه جفافاً دائماً أو ستعاني أستراليا من حرائق غابات أكثر فتكاً. وربما تؤثّر على شدة الرياح الموسمية في الهند واحتمالات المجاعة في القرن الأفريقي.
وعلى عكس تنبؤات النماذج المناخية، يعاني الغرب الأميركي منذ عقدين من جفاف شديد تسبب في انحسار البحيرات وهدد إمدادات المياه. ويربط باحثون هذا الجفاف بظاهرة اللسان البارد، ويحذّرون من أن يصبح الجفاف هو القاعدة في جنوب غرب الولايات المتحدة، في حال استمرار هذه الظاهرة.