مكافحــة التصحــر - مشروع صيني نجح اقتصادياً
تجربة فذة لمكافحة التصحر وزيادة الانتاج الزراعي وتحسين المستوى المعيشي والبيئي في إقليم منغوليا الداخلية
أشرف أمين (شي فونغ)
هل يمكن حقاً محاربة التصحر واستعادة اللون الأخضر على مساحات من الأراضي أكلها الرمل الأصفر؟ ذلك كان السؤال والتجربة التي عاشها 15 صحافياً من دول آسيا والشرق الأوسط على مدى ثلاثة أيام في مدينة شي فونغ في إقليم منغوليا الداخلية في الصين. وذلك بدعوة من أمانة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD).
بدا النقاش بين الصحافيين وخبراء الأمم المتحدة والخبراء الصينيين أمراً بالغ الأهمية، في ظل الأوضاع الإيكولوجية والسياسية التي يمر بها العالم ومحاولة البحث عن نماذج مضيئة لمحاربة التصحر. وقد أثبت الصينيون أن استعادة اللون الأخضر أمر ممكن وليس مستحيلاً.
طبقاً للإحصاءات الدولية لدى اتفاقية مكافحة التصحر، في كل دقيقة يضاف إلى سكان العالم 150 فرداً جديداً، ويموت بسبب الجوع 16 فرداً منهم 12 طفلاً، ويفقد 23 هكتاراً من الأراضي بسبب عوامل التصحر و10 هكتارات بسبب تدهور نوعية التربة و25 هكتاراً من الغابات والأشجار. وقد عددت واجاكي موانجي، مسؤولة الإعلام في الاتفاقية، تحديات يواجهها العالم خلال العقود المقبلة. فمن المتوقع أن يصل تعداد سكان الأرض الى 9 بلايين نسمة بحلول 2050، وأن يزيد الطلب على الغذاء بنسبة 50 في المئة بحلول 2030 مقارنة بما هو متوفر الآن، وأن يزيد الطلب على الطاقة بنسبة 45 في المئة، وعلى المياه بنسبة 35 في المئة.
ومن أجل تلبية الطلب المتزايد على الغذاء، يجب زراعة نحو 120 مليون هكتار إضافية من الأراضي، ما يعادل مساحة دولة مثل جنوب افريقيا. وفي الوقت الراهن، فإن 1,5 بليون نسمة يتسببون من خلال قطع الأشجار في تهديد الأمن المائي والغذائي العالمي بسبب السياسات المحلية الخاطئة، ما يضاعف المخاطر البيئية التي تهدد العالم.
لذلك كان من المهم التعرف على التجربة الصينية في محاربة التصحر، باعتبار أن آسيا تعد أكثر قارات العالم تأثراً بالظاهرة ولا سيما في منطقتها الوسطى.
سياسة غير مسبوقة
على مدى خمسة عقود، وضعت الصين برنامجاً وطنياً للحد من التصحر، خصوصاً في الإقليم الشمالي المقابل لوسط آسيا حيث تأثرت الأراضي بشكل كبير.
يقول كزو كينج، نائب مدير المكتب الوطني لمحاربة التصحر، إن هناك مشاريع عدة في شمال البلاد تحمل اسم «مشروع السور الأخضر» للحد من عوامل التصحر والتغيرات الإيكولوجية في المزارع والغابات. وذلك من خلال برامج التثقيف والتوعية للمزارعين، والمزج بين التقنيات الحديثة والتقليدية في الزراعة، والاستعانة بسلالات نباتية معدلة وراثياً تقاوم نقص المياه وظروف المناخ الصحراوي. وينفذ المشروع بالتعاون مع جامعة سيول وهيئة الغابات في كوريا الجنوبية والعديد من الدول. وأوضح كزو أن نتائج العمل الدؤوب بدأت تتضح في السنوات الأخيرة، حيث انخفضت معدلات التصحر وازدادت رقعة الأراضي الزراعية بنسبة 10 في المئة. ومن المتوقع تقلص الأراضي الصحراوية بشكل كبير في شمال الصين بحلول سنة 2020.
خلال زيارة إلى مزارع تايبنجدي، أوضح المسؤولون المحليون أنهم عندما بدأوا مشروع محاربة التصحر وجدوا أنفسهم يتطرقون لعدة ملفات وقضايا في وقت واحد. فمحاربة التصحر تعني بالتبعية محاربة الفقر والحفاظ على التنوع البيولوجي. وتقول جيا جزياوجزيا، مديرة مكتب محاربة التصحر في إقليم منغوليا الداخلية، إن التصحر الذي ضرب الإقليم تسبب في هجرة العديد من المزارعين من قراهم، إضافة الى نفوق المواشي بسبب نقص المياه والغذاء. ونظراً لأن القوانين الصينية لا تسمح للمواطنين بامتلاك الأراضي، فقد طرحت الصين سياسة جديدة غير مسبوقة لتشجيع المزارعين على اقتحام الجبال الصحراوية المحيطة بالمزارع، من خلال عقد اتفاقات مقاولة معهم لتشجير الصحراء وتثبيت التربة في مقابل المال، إضافة الى منحهم حق امتلاك الأرض وتوريثها لأولادهم.
تلك السياسات الاقتصادية المنفتحة في دولة شيوعية كانت أحد الحلول المثلى التي دفعت آلاف المزارعين للتعامل مع مشكلة التصحر وتحسين ظروفهم المالية والاجتماعية. ومما يؤكد على ذلك أن الدخل السنوي للمزارع ارتفع من 300 يوان (50 دولاراً) عام 1990 الى 10 آلاف يوان (1700 دولار) عام 2010، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على المستوى التعليمي والصحي لأسر المزارعين ونوعية حياتهم. إضافة إلى ذلك، تحولت الصحراء الى مزارع لإنتاج الفواكه. أما على المستوى البيئي، فقد ساهمت زراعة الأشجار في إبطاء سرعة الرياح بنسب تتراوح بين 40 و54 في المئة، إضافة الى زيادة معدلات الرطوبة بنسبة 7 في المئة، مما ساهم في عودة التنوع البيولوجي الى المنطقة بعدما انخفض بفعل عوامل التصحر.
وطبقاً لمشروع مكافحة التصحر في منطقة وينجنيوت الشمالية الممتدة على مدى 400 ألف هكتار من الأراضي الصحراوية، تم تقسيم العمل الى مرحلتين. تطلبت المرحلة الأولى الخروج إلى المناطق الصحراوية المحيطة بالمزارع، وطرح مشاريع «تثبيت التربة» على المزارعين حيث يتولى كل مزارع زراعة أنواع من النباتات والشجيرات الصغيرة على هيئة مربعات.
وتضيف جيا جزياوجزيا أنه، على مستوى الصين، تعد مشاريع محاربة التصحر في إقليم منغوليا الداخلية الأنجح، نظراً للتوافق والعمل المشترك بين المزارعين والخبراء والتقنيين. وفي السنوات الأخيرة تم تكريم العديد من مزارعي شي فونغ على المستوى القومي، ومنهم تسين هوا الذي تحدث خلال ندوة الصحافيين والخبراء عن تجربته الشخصية على مدى عقدين، وتحوله من مزارع بسيط الى رمز الصين في التصدي للتصحر.
تحسين نوعية الحياة
يقول الدكتور منصور دياي، من اتفاقية مكافحة التصحر، ان قارة آسيا هي أكثر قارات العالم تضرراً من التصحر وتدهور الأراضي والغابات والجفاف. وذلك بسبب الجور على الأراضي الزراعية وزيادة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تقدر بمعدل 6000 طن إضافي كل دقيقة. لذلك فإن تجربة إقليم شي فونغ جديرة بالتقدير والتأمل، خصوصاً أنها تبعث الأمل في إمكانية محاربة التصحر وتحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية، والتصدي لقضايا أخرى مثل الفقر والمرض وخسارة التنوع البيولوجي ونقص المساحات الخضراء وتحقيق مقدار من الاكتفاء الغذائي للأجيال القادمة.
على رغم صعوبة نقل التجربة الصينية إلى دول أخرى نظراً لطبيعة النظام السياسي والاجتماعي للصين، إلا أنها تعد إحدى النقاط المضيئة محلياً ودولياً. فقد أثبتت أنه يمكن تحقيق ربح اقتصادي من المشاريع البيئية وتحسين نوعية الحياة لآلاف المزارعين. وهذا يتوافق مع ما تم طرحه في قمة ريو +20 من اتفاقات لمحاربة التصحر، ومنها خفض معدلات التصحر وتدهور الأراضي والغابات الى صفر بحلول سنة 2030 من خلال تشجيع المشاريع الوطنية وتبادل الخبرات التقنية بين الدول، إضافة الى أهداف التنمية المستدامة وأجندة 21 بشأن التصدي لقضايا البيئة ومنها قضية مكافحة التصحر.