الرصاص والزئبق والكروم والزرنيخ والمبيدات والنويدات المشعة هي ستة تهديدات كبرى للصحة، سلط الضوء عليها تقرير «أسوأ مشاكل التلوث في العالم» الذي صدر مؤخراً عن معهد بلاكسميث للأبحاث البيئية في نيويورك ومنظمة «غرين كروس» البيئية في سويسرا. وحذرت المنظمتان من أن التلوث السام يسبب أخطاراً صحية لأكثر من مئة مليون شخص حول العالم، خصوصاً الأطفال.

يصنف التقرير هذه الملوثات السامة وفق عدد الأشخاص المعرضين لخطرها، ويصف طبيعتها الفيزيائية، والصناعات التي تتسبب في تصريفها، وسبل التعرض البشري لها، وتأثيراتها الصحية المعروفة. وقد استقيت البيانات التي تم تحليلها من نحو 1000 تقييم للأخطار أجراها محققون ميدانيون في مواقع ملوثة في 40 بلداً خلال السنتين الماضيتين.

تشمل الأضرار الصحية الناتجة من السموم الستة الرئيسية حالات العجز الجسدية والعقلية، واختلال وظائف الأعضاء، والاضطرابات العصبية، ومشاكل نمو الأجنّة والأطفال، وأمراض السرطان، والموت. وقد تضعف هذه الملوثات جهاز المناعة وتجعل المرء أكثر عرضة للأمراض. وأحياناً يكون التعرض الأولي لتلوث سام سبباً غير معتبر لأمراض لاحقة، مثل الالتهابات التنفسية والسلّ والاضطرابات المعديّة المعوية ومشاكل صحية لدى الأمهات.

يشتمل التقرير أيضاً على أمثلة لقصص نجاح تتعلق بأعمال تنظيف المواقع الملوثة وتخفيف التأثيرات الصحية الناتجة من التسربات السامة.

ولا ينشأ التلوث دائماً من شركات دولية كبرى تسيء إدارة نفاياتها، وإنما أيضاً من صناعات صغيرة محلية وعمليات تعدين. لكن تجدر الاشارة الى أن الصناعات المحلية كثيراً ما تدعمها شركات دولية تتعاقد معها على تصريف إنتاجها. وقد تم حظر استخدام كثير من المواد السامة في بعض البلدان، ويعمل المجتمع الدولي على حظر مواد أخرى عالمياً، لكن الكثير منها يبقى في الطبيعة بعد أن يتسرب إليها. والمطلوب تثقيف الجمهور وزيادة وعيه بشأن هذه الأخطار وجعل السكان المحليين يفهمون تأثيرات السموم.

هنا أهم خصائص الملوثات الستة السامة وتأثيراتها.

1. الرصاص

هو معدن ثقيل موجود طبيعياً في التربة والصخور، وهو من السموم العصبية القوية. وكثيراً ما ينطلق أثناء صهر المعادن وعمليات التعدين.

كان الرصاص حتى وقت قـريب يضاف الى البنزين لزيادة رقم الأوكتـان، وقد انخفضت هذه الممارسة في معظم البلدان. ويستخدم اليوم عالميـاً نحو ستة ملايين طن من الرصاص، يذهب 75 في المئة منها الى صنع بطاريات السيارات.

قد يتواجد الرصاص في الهواء والماء والتربة والغذاء، ويمكن أن يدخل الجسم البشري عن طريق الاستنشاق أو البلع أو مسّ الجلد. ومن تأثيراته الصحية اضطرابات عصبية وانخفاض حاصل الذكاء (IQ) وفقر الدم وآلام العضلات والمفاصل وضعف الذاكرة والتركيز وارتفاع ضغط الدم والصداع المزمن وحتى ضعف الخصوبة. وتكون تأثيرات الرصاص أكثر حدة لدى الأطفال، والتسمم به بتركيزات عالية قد يسبب الموت.

ويتعرض ما بين 18 و22 مليون شخص لتأثيرات الرصاص السمية.

2. الزئبق

الزئبق النقي معدن أبيض فضي يكون سائلاً في درجة حرارة الغرفة، وكثيراً ما يشاهد في ميازين الحرارة. وهو يستعمل في إنتاج غاز الكلور والصودا الكاوية والبطاريات والمفاتيح الكهربائية، وفي استخراج الذهب من المادة الخام. وقد يتعرض المرء للزئبق عن طريق الهواء أو الماء أو الغذاء أو التماس الجلدي.

ويعتبر الزئبق من السموم العصبية القوية، ويمكن أن يلحق تلفاً حاداً بالدماغ والكليتين. واستنشاقه قد يسبب تلفاً رئوياً ومعدياً ومعوياً، وحتى الموت نتيجة قصور تنفسي. ويتعرض ما بين 15 و19 مليون شخص حول العالم لتأثيراته السمية.

3. الكروم

معدن ثقيل في الطبيعة، يستعمل في الصناعة. قد يتسرب بفعل قوى طبيعية، لكن غالبية تسرباته البيئية هي من مصادر صناعية، خصوصاً عمليات دبغ الجلود وتصنيع المعادن ولحام الفولاذ الذي لا يصدأ وإنتاج الكرومات والصباغ. ويمكن أن يوجد الكروم في الهواء والماء والتربة، ويلوث المحاصيل الزراعية المروية بمياه أنهار تصب فيها تصريفاته. ومن سبل التعرض الشائعة البلع والاستنشاق والتماس الجلدي. أما تأثيراته الصحية الرئيسية فتشمل أضراراً تلحق بالجهاز المعدي المعوي والجهاز التنفسي وجهاز المناعـة، فضلاً عن مشاكل النمـو والتناسـل. ويعرف أن الكروم مسبب للسرطان لدى البشر، خصوصاً في الجهاز التنفسي. يتعرض لتأثيراته السمّية ما بين 13 و17 مليون نسمة.

4. الزرنيخ

عنصر في الطبيعة، يوصف بأنه معدن، مع أن له خصائص معدنية وغير معدنية. كثيراً ما يوجد الزرنيخ في صخور محتوية على معادن قيّمة أخرى مثل النحاس والرصاص. وعندما يُسخن هذا الخام في المصهر لاستخراج المعادن الأخرى، قد يتسرب الزرنيخ الى الهواء. وهو موجود أيضاً في الفحم الحجري، فينطلق من محطات الطاقة العاملة على الفحم. ويمكن أن يوجـد الزرنيخ في الهواء أو الماء أو التربة أو الغذاء، وهذه جميعاً سبل محتملة لتعرض بشري.

عُرف منذ زمن بعيد أن الزرنيخ سم، وكثيراً ما استخدم في الجرائم، كما في صنع المبيدات حتى وقت قريب، وجرعات عن طريق الفم قد تسبب الموت. أما الكميات المنخفضة فيمكن أن تسبب انخفاضاً في انتاج كريات الدم الحمراء والبيضاء. وكثيراً ما يترافق التسمم بالزرنيخ مع لطخات سوداء وبثور وقروح في الجلد، والتعرض له قد يسبب سرطان الكبد والمثانة والجلد والرئتين. وتلوث المياه الجوفية بالزرنيخ مشكلة كبرى في الهند وبنغلادش ونيبال. ويعاني من تأثيراته السمية ما بين 5 و9 ملايين شخص عالمياً.

6. المبيدات

تستخدم هذه المواد، الكيميائية غالباً، بقصد طرد أو إبادة حشرات وآفات أخرى لها أثر ضار على المحاصيل الزراعية أو نباتات الزينة. وتستعمل المبيدات أيضاً لمكافحة أمراض استوائية مثل الملاريا. ويمكن تصنيفها كمبيد حشرات أو أعشاب أو فطريات أو ديدان سلكية أو رخويات. وتجرف مياه الأمطار كل عام كمية لا يستهان بها من المبيدات الى أنهار أو بحيـرات أو مياه جوفية مجاورة. وكثير من المبيدات الشائعة تصنف كملوثات عضوية دائمة الأثر، لا تتحلل بسهولة بل تتراكم في أنسجة البشر والحيوانات. وتشير دراسات حول التعرض للمبيدات الى تأثيرات عصبية وتنفسية وتناسلية وجلدية، فضلاً عن سرطان البروستات والبنكرياس والكبد، وصولاً الى الموت. ويعاني من سميتها ما بين 5 و8 ملايين شخص حول العالم.

6. النويدات المشعة   (radionuclides)

هذه ذرات ذات نواة غير مستقرة، وتوجد طبيعياً في التربة والصخور نتيجة الانحلال الاشعاعي. يمكن أن تتسرب من خلال دورات طبيعية، لكن غالبية التسربات البيئية هي نتائج عمليات صناعية. ومن المصادر الشائعة تعدين اليورانيوم، ومكبات فضلات المناجم (خصوصاً في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى)، وإنتاج الأسلحة النووية واختبارها، والعمليات المتعلقة بانتاج الطاقة النووية، وصنع منتجات إشعاعية للاستعمال الطبي. وهي قد تنتقل بالهواء أو الماء.

عندما يضرب الاشعاع خلايا كائن حي، فقد يتلفها. واذا أثر بعدد كبير من الخلايا، فان الكائن قد يصاب في النهاية بالسرطان. أما الجرعات العالية من الاشعاع فقد تسبب الموت فوراً أو عاجلاً. ويعاني من تأثيرات النويدات المشعة ما بين 5 و8 ملايين شخص عالمياً.