تشهد المائدة المغربية ألواناً من الأطعمة لا تخلو من المواد الحافظة الكيميائية، بعدما تم الاستغناء الى حد كبير عن المآكل النباتية والطبيعية. لكن هناك ميولاً نحو «البلدي» الخالي من الأسمدة والمبيدات الكيميائية، خصوصاً مع تزايد الأمراض الناجمة عن التلوث الغذائي.
في هذا السياق، عرفت الزراعة البيولوجية نمواً مطرداً، لكن مثبطات تقنية ومالية وتنظيمية حالت دون التطور السريع. وتتوزع مئات المؤسسات التقليدية والعصرية في ربوع البلاد مدمجة بشكل أو بآخر في الزراعة العضوية، التي تمثل نحو 3200 هكتار من المساحات المزروعة وأكثر من 500 ألف هكتار من الموارد الطبيعية للغابات كأشجار الأركان والنباتات العطرية والطبية.
يقول المهندس عازم خالد، الباحث المختص في المعهد الوطني للبحث الزراعي، ان الانتاج الخضري العضوي عرف تطوراً تدريجياً في جهة الرباط، ويشهد تمركزاً رئيسياً في جهة أكادير التي تنتج أكثر من 92 في المئة من صادرات «البواكير»، وذلك لتميز المنطقة بمناخ فوق استوائي مناسب للانتاج المبكر خارج الموسم مقارنة مع جنوب اسبانيا. كما أن هناك بعض المناطق، مثل أزمور، مؤهلة للمنتجات الخضرية العضوية وخصوصاً البندورة (الطماطم) والفلفل والخيار والقرع والفاصوليا والذرة.
أما الحمضيات العضوية فهي متمركزة بنسبة 95 في المئة في جهة تانسيفت، ومرد هذا الى وفرة الموارد المائية. وتساهم جهة سوس ماسة بخمسة في المئة، لكنها تعاني من الآفات مثل ذبابة الفاكهة والقرمزيات آكلة أوراق الحمضيات. وهناك مجهود كبير ينتظر الزراعة البيولوجية للزيتون والخضر في جهة سايس.
ودخلت الجهة الشرقية خلال السنتين الماضيتين في إنتاج الخضر البيولوجية، اضافة الى الجني العشوائي للنباتات العطرية والذي يحتاج الى تنظيم صارم. وفي منطقة الداخلة في أقصى الجنوب عشرات الهكتارات من البيوت المغطاة لزراعة البندورة العضوية، نظراً لتوفر أشعة الشمس ومياه الآبار التي لا تحتاج الى ضخ. وهنا دعوة الى الانتباه لكلفة الانتاج والكلفة البيئية.
أوضحت المهندسة الزراعية رملي حفصة أن تغذية التربة تتم باستعمال الأسمدة العضوية والمنشطات الحيوية الطبيعية المستخرجة من الطحالب البحرية، كما يسمح بالأسمدة الورقية، مع وجوب موافقـة الهيئة المصادقة على شهادة الجودة. ويعتمـد أسلـوب تنـاوب الزراعات بهدف اراحة التربـة وتنويـع المنتجـات. وتستعمـل أدوية طبيعيـة مستخلصـة من نباتات ومعـادن حجرية، كما تعتمد المكافحة البيولوجية للأمراض والأعشاب الضارة باستخدام منتجات تجـارية مرخصـة مع إدخال مجموعة متنوعة من الحشرات النافعـة المستـوردة أو المنتجة محلياً، تباع في المغرب لدى شركات متخصصة في هذا المجال. وتشمل أنظمة الحماية البيولوجية أيضاً تهيئة المحيط الطبيعي ودورات المحاصيل وإقامة مصدات الرياح.
توجه معظم المنتجات البيولوجية من أجل التصدير، إذ ان السوق المحلية غير موجودة تقريباً. وتشكل الحمضيات ومحاصيل الخضر 95 في المئة من اجمالي الصادرات البيولوجية المتجهة نحو أوروبا. وقد تميزت السنة الزراعية 2008 ـ 2009 بارتفاع الصادرات، نظراً الى الظروف المؤاتية وجهود المؤسسات المعنية والعمل من أجل الموافقة على مشروع قانون بشأن تنظيم الانتاج البيولوجي المغربي. والهدف من مشروع القانون التوافق مع المعايير الدولية وتخفيض تكاليف إصدار الشهادات، فضلاً عن دعم الجهات الحكومية لتحفيز المزارعين على انتهاج هذا النمط من الانتاج وتسويقه. وقد تم اعتماد قانون صدر عام 2008 بشأن العلامات المميزة للأصل ونوعية المنتجات الزراعية والمواد الغذائية والأسماك، ويشمل أربعة أهداف رئيسية تتمثل في التنمية القروية المستدامة، وتعزيز جودة المنتجات، وتحسين حماية المستهلكين، وحماية التنوع البيولوجي. وسوف يتيح اعتماد المرسوم الجديد عرض أسعار المنتجات المحلية وتعزيز الجودة بالتعريف عن خصائص محددة في الأصل الجغرافي وخبرة السكان المحليين وظروف الانتاج والتحويل.