عندما يتم إدراج موقع على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، فإن ذلك يشير إلى التقدير العالمي الذي يحظى به المكان وضرورة الحفاظ عليه وحمايته. مع ذلك، أظهرت دراسة جديدة أن العديد من مواقع التراث العالمي تتعرض لضرر واسع من البشر وتتراجع قيمتها بشكل كبير.
وفق الدراسة، التي نشرت في دورية "بيولوجيكال كونسرفيجين"، فإن التعديات المتزايدة وخسارة الغابات أدّت إلى تدهور أكثر من 100 موقع تراث عالمي طبيعي. ومنذ سنة 1993 تعرض نحو 63 في المئة من مواقع التراث العالمي الطبيعية بشكل أو بأخر لضغوط بشرية متزايدة، لاسيما المواقع التي تشتمل على غابات أو تلك التي تقع في القارة الآسيوية.
مواقع التراث العالمي هي معالم جرى ترشيحها واعتمادها دولياً ضمن برنامج خاص تديره اليونسكو، وفقاً لاتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، التي جرى إعلانها في سنة 1972 وصادقت عليها 193 دولة. ويوجد على قائمة مواقع التراث العالمي حالياً 1073 معلماً استثنائياً، من بينها 832 موقعاً يتمتع بقيمة ثقافية عالمية و206 مواقع ذات قيمة طبيعية عالمية و35 موقعاً تجمع هاتين الميزتين.
إن التهديدات الكبيرة التي تتعرض لها بعض هذه المواقع لا تظهر بشكل صريح في القائمة الرسمية للمواقع المعرضة للخطر، التي تضم حالياً 54 موقعاً فقط تتوزع بين 38 موقع تراث ثقافي و16 موقع تراث طبيعي.
وتلعب الضغوط السياسية واصطفافات الدول دوراً في استبعاد مواقع مهددة بشكل جدي من هذه القائمة، وهذا ما يفسر أن أغلب المواقع الطبيعية المعرضة للخطر رسمياً تقع في أفريقيا، في حين أن "الحيد المرجاني العظيم" الذي يتداعى بشكل مرعب لا يزال خارج هذا التصنيف بفضل التحالفات التي تقيمها الحكومة الأوسترالية.
في العالم العربي يوجد 82 موقع تراث عالمي تشمل 74 موقعاً ثقافياً و5 مواقع طبيعية و3 مواقع مختلطة، وفي القائمة المعرضة للخطر نجد 22 موقعاً عربياً جميعها ذات قيمة ثقافية تتواجد في أماكن النزاعات. وعلى الرغم من محدودية مواقع التراث العالمي الطبيعي في الدول العربية إلا أنها كانت المنطقة الوحيدة التي شهدت تجريد معلم طبيعي من اللقب العالمي.
في سنة 1994، تمت الموافقة على إدراج محمية المها العربية في سلطنة عمان ضمن قائمة مواقع التراث العالمي الطبيعي. وفي حين كان الموقع يضم نحو 450 رأساً من أبقار المها في سنة 1996 إلا أن العدد تراجع إلى 65 رأساً مع قيام الحكومة العمانية بتقليص مساحة المحمية إلى 10 في المئة فقط لاستغلال باقي الأرض في أعمال التنقيب عن النفط والغاز، وهذا ما تسبب في القضاء على موطن المها العربية وأنواع أخرى مهددة بالانقراض كالغزال العربي والحبارى. وفي سنة 2007 أزالت اليونسكو المحمية العمانية من قائمة مواقع التراث العالمي الطبيعي، وكانت المرة الوحيدة التي يحذف فيها موقع طبيعي من القائمة الدولية.
المواقع الطبيعية المدرجة حالياً على قائمة الخطر تتوزع بين 13 دولة، ومن الملاحظ أن الكونغو الديموقراطية تحظى بحصة الأسد عبر خمسة مواقع مهددة من أصل 16 موقعا عالميا نتيجة النزاعات الداخلية، في حين تتشارك ساحل العاج وغينيا محمية جبل نيمبا المدرجة على هذه القائمة. ونستعرض في الصور التالية معلومات عن بعض هذه المواقع.
محمية الحاجز المرجاني، بيليز
تشكل المنطقة الساحلية من بيليز نظاماً طبيعياً استثنائياً في أميركا الوسطى، وهو يضم أكبر حاجز مرجاني في نصف الكرة الشمالي، بالإضافة إلى جزر مرجانية متجاورة ومئات الجزر الرملية المنخفضة وغابات المانغروف والبحيرات المرجانية الشاطئية ومصبات الأنهار. وتمثل هذه الموائل ملاذاً آمناً لأجناس مهددة بالانقراض كالسلاحف البحرية وخراف البحر والتمساح الأميركي.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 2009 بسبب بيع وإيجار الأملاك العامة لأغراض التنمية، مما تسبب في تدمير غابات المانغاروف والنظم البحرية.
منتزه مانوفو غوندا سانت فلوريس، جمهورية أفريقيا الوسطى
تعود أهمية هذا المنتزه إلى غناه بالثروة الطبيعية والحيوانية. فسهول السافانا التي تغلب على المنطقة تنتشر فيها أجناس غزيرة التنوع من الثدييات، كوحيد القرن الأسود والفيلة والفهود والكلاب البرية والغزلان صهباء الجبين والجواميس، بالإضافة إلى أصناف الطيور المائية المختلفة التي تجد في السهول الفيضية الشمالية موطناً لها.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 1997 بسبب رعي المواشي بشكل عشوائي والصيد الواسع الذي قضى على 80 في المئة من الحيوانات البرية.
محمية جبل نيمبا الطبيعية المتكاملة، ساحل العاج وغينيا
يقع جبل نيمبا على تخوم غينيا وليبيريا وساحل العاج، وهو يطل على مناطق السافانا المحيطة به في حين تغطي منحدراته غابة كثيفة من النجيليات التي تأوي حياة نباتية وحيوانية غنية، لاسيما الأنواع المستوطنة كالضفدع الولود والقردة التي تستخدم الحجارة كأدوات.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 1992 بسبب منح امتياز لتعدين خام الحديد في المنطقة، بالإضافة الى وصول عدد كبير من اللاجئين إلى القسم الغيني من المحمية.
محمية حيوانات الأوكابي، الكونغو الديموقراطية
تضم الكونغو الديموقراطية خمسة معالم على قائمة مواقع التراث العالمي الطبيعي المعرّض للخطر، من بينها محمية حيوانات الأوكابي، وهي حيوانات من فصيلة الزرافيات ذات قوائم مخططة. ويعتبر حوض نهر الكونغو الذي تشكل المحمية جزءاً منه أحد أكبر أنظمة تصريف المياه في أفريقيا. وتحوي المحمية أصنافاً مهددة من الطيور ونحو 5 آلاف أوكابي من أصل 30 ألف أوكابي تعيش في البراري. كما تحتضن المحمية شعوباً رحّلاً من أقزام مبوتي وصيادي إيف.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 1997 بسبب النزاع المسلح في البلاد الذي أدى إلى قتل الفيلة في المحمية، بالإضافة إلى وجود تقارير عن أعمال تعدين للذهب في الموقع.
محمية المحيط الحيوي لريو بلاتانو، هندوراس
تعد المحمية الواقعة في الحوض المنحدر لريو بلاتانو واحدة من بين الغابات الاستوائية القليلة المتبقية في أميركا الوسطى، وتتصف الثروة الحيوانية والنباتية في هذه المحمية بوفرتها وتنوعها. وقد حافظ أكثر من ألفي نسمة من السكان الأصليين على نمط حياتهم التقليدي في هذا الموقع الجبلي المنحدر حتى ساحل جزر الكاريبي.
المحمية أدرجت ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر مرتين، الأولى بين 1996 و2007 والثانية من 2011 حتى الآن. ومن الأخطار التي يتعرض لها الموقع: قطع الأشجار بصورة غير مشروعة، والاستيطان البشري العشوائي، وضعف الدولة في فرض سلطتها وغياب القانون وتراجع الوضع الامني.
الغابة الاستوائية المطيرة في سومطرة، إندونيسيا
تبلغ مساحة هذا الموقع 2.5 مليون هكتار وهو يضم ثلاثة منتزهات وطنية تحوي العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية، من بينها أجناس كثيرة معرضة للانقراض. وتأوي المساحة المحمية قرابة 10 آلاف جنس نباتي وأكثر من 200 جنس من الثدييات وحوالي 580 جنساً من الطيور. ومن بين أجناس الثدييات هناك 22 جنساً لا نجدها في أي مكان آخر في الأرخبيل الإندونيسي، من أشهرها الأورانج أوتاون وقردة توماس لانغور.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 2011 لأسباب عدة، منها إنشاء الطرق والزحف الزراعي وقطع الأشجار والصيد غير المشروع والضعف المؤسساتي.
الغابات المطيرة في أتسينانانا، مدغشقر
يضم الموقع ست حدائق عامة وطنية موزعة على طول الجزء الشرقي من الجزيرة. ولهذه الغابات أهمية حيوية في الحفاظ على النظم الإيكولوجية الضرورية للتنوع البيولوجي الفريد في مدغشقر، والذي يعكس التاريخ الجيولوجي للجزيرة. تبلغ الأنواع المستوطنة في هذه الغابات نسبة تتراوح بين 80 و90 في المائة من مجمل الأنواع على صعيد المنطقة. كما أن الموقع يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة إلى الحيوانات البرية المقيمة فيه، لا سيما القردة. ونجد في الموقع أيضاً أنواعاً نادرة جداً ومهددة بالانقراض، بما فيها 72 نوعاً مصنفاً في القائمة الحمراء للاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 2010 بسبب قطع الأشجار وصيد حيوانات الليمور المهددة بالانقراض.
محميتا أيير وتينيري الطبيعيتان، النيجر
يعد هذا الموقع أكبر مساحة محمية في أفريقيا إذ يشغل 7.7 مليون هكتار. وهو يحتوي الكتلة الصخرية البركانية لجبل أيير، التي تعد جيباً منعزلاً ضمن صحراء تينيري التي تتميز بمجموعتها الخاصة من الحيوانات والنباتات إلى جانب مناظرها الطبيعية الاستثنائية.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 1992 بطلب من حكومة النيجر، وذلك بسبب الصراع العسكري والاضطرابات الأهلية.
منتزه نيوكولو كوبا الوطني، السنغال
يجمع المنتزه أراضي السافانا والغابات الممتدة على ضفتي نهر غامبيا، وهو موطن لعدد كبير من الحيوانات كظبي دربي والشمبانزي، بالإضافة إلى الأسود والفهود وأعداد كبيرة من الفيلة والطيور والزواحف والضفادع.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 2007 بسبب صيد الحيوانات ورعي المواشي.
إيست رينيل، جزر سليمان
تقع إيست رينيل في الثلث الجنوبي لجزيرة رينيل في أرخبيل جزر سليمان جنوب المحيط الهادئ. وتعد الجزيرة أكبر جزيرة مرجانية مرتفعة على صخور بركانية في العالم، إذ يبلغ طولها 86 كيلومتراً وعرضها 15 كيلومتراً. يحتوي الموقع أرضاً مساحتها نحو 37 ألف هكتار تغطيها الأشجار، وقطاعاً بحرياً يمتد حتى ثلاثة آلاف ميل بحري، وفيه عدة جزر جيرية وعرة.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 2013 بسبب قطع الأشجار.
محمية سيلوس للطرائد، تنزانيا
يعيش في هذا الملاذ الشاسع عدد كبير من الفيلة ووحيد القرن الأسود والفهد الصياد والزرافات وأفراس النهر والتماسيح. وتمتد المحمية على مساحة 50 ألف كيلومتر مربع بمنأى عن النشاطات البشرية، وتحوي نباتات متنوعة بدءاً بالأدغال الكثيفة وصولاً الى المروج المشجرة السالكة.
الموقع مدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر منذ سنة 2014 بسبب التراجع الكبير في أعداد الحيوانات، خاصة الفيلة ووحيد القرن، نتيجة الصيد.
منتزه إيفرغلايدس الوطني، الولايات المتحدة
يوصف هذا الموقع الموجود على الطرف الجنوبي لفلوريدا بأنه "نهر من الأعشاب يتدفق بانسياب من عمق الأرض إلى البحر". ونظراً لتنوّع موائله البحرية، أصبح هذا المنتزه ملاذاً للعديد من الحيوانات والزواحف والأصناف المهددة مثل خروف البحر.
الموقع أدرج ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر مرتين، الأولى بين 1993 و2007 والثانية من 2010 حتى الآن، وذلك بطلب من الحكومة الأميركية. ومن الأخطار التي يتعرض لها الموقع: حصول تغيرات في النظام الهيدرولوجي، والنمو الحضري والزراعي في المناطق المجاورة، وزيادة التلوث بالمغذيات من الأنشطة الزراعية في أعلى المصدر المائي.