Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
البيئة والتنمية بعد الانسحاب الأميركي هل اتفاقية باريس المناخية في خطر؟  
أيلول / سبتمبر 2017 / عدد 234
في مطلع شهر حزيران (يونيو) أعلن الرئيس الأميركي دونالد تراب قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس المناخية. وأعقب هذا في شهر آب (أغسطس) بدء الإجراءات الإدارية للانسحاب. وعلى الرغم من أن قرار ترامب جاء تنفيذاً لتعهداته التي أعلن عنها أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية، إلا أن العالم بدا مصدوماً من هذه الخطوة، خاصةً أن تحالفاً غير مسبوق تشكّل من كبرى شركات الوقود الأحفوري والمسؤولين في البيت الأبيض، كان يدعو للبقاء في تحالف باريس المناخي، الذي يضم جميع دول العالم باستثناء نيكاراغوا وسورية.
 
صحيح أن هذا الانسحاب لن يدخل حيز التنفيذ قبل 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أي اليوم الذي يلي مباشرةً الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، وصحيح أن ردود الفعل من قادة الدول كانت تصف هذا الفعل بالعار وتتوعد باستمرار خطط مواجهة التغير المناخي كأن شيئاً لم يحصل، إلا أن التداعيات الفعلية لم تظهر بعد.
 
عندما يتعلق الأمر بالاحتباس الحراري، فإن ترامب يتماهى في موقفه مع سياسة حزبه الجمهوري في رفض الإجماع العلمي الدولي حول دور النشاط البشري في حصول الاحترار العالمي، وما يمثله ذلك من تهديد خطير لمستقبل الشعوب قاطبةً. من المستحيل تقريباً إيجاد سياسي من الحزب الجمهوري يضع حياته المهنية على المحك بقول الحقيقة المزعجة لتغير المناخ. جون ماكين وليندسي غراهام حاولا ذلك، لكن سرعان ما اكتشفا أن طموحاتهما السياسية تتطلب منهما الانقلاب والسباحة مع التيار الجمهوري العريض، الذي يدعو إلى فك القيود عن الصناعة، تحت مظلة "الاقتصاد الحر".
 
ربما يكون ترامب هو الأسوأ، ولكن مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة سيكون بالتأكيد سياسياً مناهضاً لاتفاقية باريس المناخية، سواء أكان ترامب نفسه أو شخصا آخر يحظى بثقة الحزب بديلاً عنه. لا يوجد حزب مؤثر في السياسة الوطنية في أي بلد من العالم يرفض الإجماع العلمي حول التغير المناخي كما يفعل الحزب الجمهوري الأميركي حالياً. البعض يعلل هذا التطرف الحزبي باعتباره رد فعل على السياسات المناخية التي تبناها الرئيس السابق باراك أوباما، الذي ضرب عرض الحائط بآراء خصومه الجمهوريين.
 
إن تصريح ترامب خلال إعلانه الانسحاب باستعداد الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاقية باريس، أو أية اتفاقية بديلة عنها، ولكن وفق شروط مختلفة، لا يمكن تعليله سوى برغبة ترامب الجارفة في إهانة إرث أوباما حزبياً وشخصياً، ورد الصاع لقادة الدول الذين قللوا من شأنه خلال حملته الانتخابية. اتفاقية باريس لا تفرض التزامات مسبقة على الدول، والجهود لخفض الانبعاثات على المستوى الوطني تحدد بشكل طوعي من قبل الدول الأطراف، أي أن البيت الأبيض كان يستطيع ببساطة تغيير الشروط كما يشاء من دون الحاجة للانسحاب من الاتفاقية وطرح إمكانية العودة إليها من جديد. لذلك جاء هذا الانسحاب المسرحي بمثابة صفعة لخصوم الحزب الجمهوري ومعارضي دونالد ترامب.
 
إعلان ترامب كان مربكاً لكبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع الوقود الأحفوري، الذين رأوا أن بقاء الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية غير الملزمة سيعطيها فرصة لفرض نفوذها خلال مرحلة مراجعة الالتزامات الوطنية للدول الأطراف في سنة 2018. قطاع الوقود الأحفوري حقق الكثير من المكاسب في ظل إدارة ترامب، من خلال إلغاء "خطة الطاقة النظيفة" وتغييب وكالة حماية البيئة وغير ذلك من الإجراءات. حتى أن داريس وودس، الذي خلف ريكس تيلرسون على كرسي الإدارة التنفيذية لإكسون موبيل، كتب إلى ترامب قائلاً إن البلاد في وضع جيد للمنافسة في عالم منخفض الكربون، وأوصاه بالحفاظ على مقعد الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات لـ "ضمان تكافؤ الفرص". ولكن ترامب تجاهل توصيات قطاع الوقود الأحفوري، وكان ملكياً أكثر من الملك.
 
كثيرون وجدوا في هذه الاندفاعة الترامبية خطوة جيدة في صالح المناخ العالمي. فبقاء الولايات المتحدة في قاعة مفاوضات تطبيق اتفاقية باريس سيجعلها تترصد على الدوام الخطط الطموحة من قبل البلدان الأخرى لمواجهة الاحتباس الحراري بشكل فعّال. ولكن هل العالم خارج البيت الأبيض سيفي بالتزاماته تجاه اتفاقية باريس ويعزز فرص نجاحها كما يظن المحللون؟
 
أشد المنتقدين لخطوة ترامب كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يعود التزامها بقضية المناخ إلى سنة 1995 عندما ترأست طاولة المفاوضات الدولية في مؤتمر الدول الأطراف COP1 في برلين، بصفتها وزيراً للبيئة الألمانية. إلا أن ذلك لن يجلب لها الدعم المطلق خلال الانتخابات الاتحادية الألمانية في شهر أيلول (سبتمبر). فالبعض في حزبها الديموقراطي المسيحي لا يشاطرها الحماس نفسه تجاه قضية المناخ. ومجموعة "دائرة برلين" اليمينية، التي سبق لها الضغط بنجاح ضد سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين التي تبنتها ميركل، وجدت في انسحاب ترامب مبرراً لرفض صفقة باريس باعتبارها غير واقعية، وهي تدعو لإلغاء أهداف ألمانيا الطموحة في تعزيز مكاسب الطاقة المتجددة. لكن تأثيرها لا يزال محدودا، ومن غير المتوقع ان تبدل ألمانيا التزاماتها.
 
الأحزاب اليمينية علا صوتها في دول أخرى أيضاً داعية للانسحاب من اتفاقية باريس، كما هي الحال في بريطانيا وأوستراليا. لكنها أيضا تبقى خارج دائرة القرار، مع استمرار التزام الأحزاب المحافظة الرئيسية بالاتفاقية. غير ان ردود الفعل المقلقة لم تقتصر على الأحزاب اليمينية الصغيرة، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشار إلى أنه لن يحكم على سلامة قرار ترامب، ولكنه حذّر من أن "عدم التعاون الكامل من بلد يسهم بشكل كبير في انبعاثات غازات الدفيئة كالولايات المتحدة سيعني أن التوافق على أي صفقة في هذا المجال لن يكون ممكناً". وحيث أن روسيا هي واحدة من بين خمسين دولة وقّعت على اتفاقية باريس ولم تصادق عليها بعد، فإن بوتين لا يبدو في عجلة من أمره لتكريس هذه الاتفاقية في القانون الروسي. كما ان الرئيس التركي اردوغان اعلن بلا مواربة انه سيستغل الانسحاب الاميركي لتحسين شروط تركيا قبل مصادقتها على لاتفاقية.
 
روسيا، كما الولايات المتحدة، دولة غنية بمواردها من الوقود الأحفوري وهي لا تبدي حماساً لاتفاقيات التغير المناخي. وهذا الأمر ينطبق على دول تتمتع باحتياطيات نفطية كبيرة مثل كندا وعدد من بلدان الشرق الأوسط، التي قد تجد في خطوة ترامب ذريعة لوضع التزاماتها تجاه تغير المناخ العالمي على الطريق البطيء. لكن اللافت ان أياً من هذه الدول لم يتجاوب مع أي من خطوات ترامب المناخية حتى الآن، وهذا ما ظهر جليا في قمة العشرين الاقتصادية، حيث غرد ترامب وحيدا خارج السرب.
 
في المقابل، نجد أن الصين الغنية بالفحم الحجري تأخذ خطوة متقدمة في قيادة العالم لإقلال الانبعاثات بمشاركة الاتحاد الأوروبي. وقد أكّد الطرفان على أن جهودهما المشتركة ستدفع باتجاه تنفيذ اتفاقية باريس وتسريع التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة من خلال التعاون بشأن قضايا مثل الاتجار بالانبعاثات والتكنولوجيات الخضراء. إن استهلاك الصين للفحم تراجع منذ سنة 2013، وإذا استمر هذا الأمر كما هو مرجح فإن الصين ربما تصل إلى ذروة انبعاثاتها الكربونية من قطاع الطاقة في وقت أبكر بكثير من سنة 2030، وفقاً لما هو محدد في اتفاقية باريس.
 
انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الولايات المتحدة كانت شهدت تراجعاً يصل إلى نحو 10 في المئة خلال السنوات العشر الماضية، وجهودها لتحقيق تراجع إضافي بمقدار 16 إلى 18 في المئة حتى سنة 2025، وفقاً لتعهدات إدارة أوباما، تبدو مهددة في ظل إدارة جديدة ترفع القيود عن قطاع الطاقة. لكن عدم الوثوق باستمرارية ترامب ونفوذه تمنع القطاع الخاص من المخاطرة باستثمارات بعيدة المدى مستمدة من تدابير ترامب. وفي حين انتظر البعض أن يكون التأثير الأكبر لإجراءات ترامب على الدول النامية، بسبب حجبه الأموال عن صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة، تبين ان هناك دولا مستعدة لسد ثغرة الالتزامات المالية الأميركية. لكن هذا لن يمنع بعض الدول النامية من التبطؤ في أهدافها المناخية المحددة وطنياً، واالمطالبة بالحصول مسبقا على ضمانات بالدعم المالي والتكنولوجي للالتزام بها.
 
الأخبار الجيدة هي أن قواعد لعبة الطاقة العالمية بدأت في التغير. فحفز النمو الصناعي العالمي المرتبط تقليدياً بارتفاع أسعار النفط وما يرافقه من زيادة للطلب على الفحم الحجري، وبالتالي زيادة انبعاثات غازات الدفيئة، أصبح من الماضي. الارتفاع في أسعار الوقود الأحفوري سيقابله تحوّل أكبر نحو مصادر الطاقة المتجددة التي تثبت يوماً بعد يوم أنها منافس شرس من ناحية الجدوى الفنية والكلفة المالية. انخفاض أسعار الطاقة المتجددة وتقنيات كفاءة الطاقة جعلت من حصر توليد الكهرباء بالشكل التقليدي أمراً عفا عليه الزمن. والملاحظ عالمياً أن معظم القدرة الكهربائية المضافة اعتباراً من سنة 2015 كانت من مصادر الطاقة المتجددة في مقابل التراجع الكبير في الاعتماد على الفحم الحجري.
 
قطاع الأعمال الأميركي أدرك هذا التحول، حيث تم في العام الماضي توقيع نحو 40 في المئة من عقود طاقة الرياح من قبل شركات ومؤسسات كبرى إلى جانب زبائن يمثلون الجامعات والقطاع العسكري، وهذا يمثل زيادة كبيرة مقارنة بنسبتهم التي بلغت 5 في المئة فقط في 2013. كما تعتبر الشركات الكبرى مسؤولة أيضاً عن الزيادة غير المسبوقة في مشاريع الطاقة الشمسية الضخمة في 2016، إذا زادت حصتها بمقدار 10 في المئة. علماً أنه قبل سنتين فقط لم تبادر أيّ من الشركات الأميركية للإفادة من هذه المشاريع.
 
إدارة ترامب لم تتخذ أية خطوات لاستهداف الحوافز الضريبية الاتحادية التي تدعم مشاريع الطاقة المتجددة، وذلك بفضل التأييد الذي تحظى به هذه المشاريع من قبل الحزبين الرئيسيين في الكونغرس. وفي الوقت نفسه، تتابع الشركات الأميركية برامجها الخاصة بالطاقة النظيفة بشكل مستقل عن السياسة التي يتبعها البيت الأبيض، فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، تعاقدت الشركات على انتاج نحو 7 جيغاواط من الطاقة الكهربائية، وهي استطاعة تكفي لتشغيل أكثر من مليون منزل، ومن المتوقع أن ترتفع الكمية إلى 60 جيغاواط بحلول سنة 2025.
 
الاستقلال عن سياسة البيت الأبيض المناخية لا يقتصر فقط على الشركات، إذ أن نحو 1200 من قادة المجتمع الأميركي، بمن فيهم حكام تسع ولايات ورؤساء عشرات المدن والبلديات وإدارات مئات الجامعات والمؤسسات والشركات والصناعات، يمثلون 120 مليون أميركي و6 تريليونات دولار من الاقتصاد الوطني، أصدروا بياناً مشتركاً يعلنون فيه استمرارهم الالتزام باتفاقية باريس المناخية، واعتبروا أن إدارة ترامب تقوّض بانسحابها من الاتفاقية ركناً أساسياً في مكافحة تغير المناخ، وهم "يرون في اتفاقية باريس خطة لتوفير الوظائف وتحقيق الاستقرار والرخاء العالمي. وأن تسريع التحول إلى الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة هو فرصة، وليس عبئاً، لزيادة الوظائف وتشجيع الابتكار وتعزيز التجارة وضمان قدرة الولايات المتحدة التنافسية".
 
أفضل ما في خطوة ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس هي أنها تسقط الأقنعة عن وجوه الجميع، حكومات وصناعات ومؤسسات،بما تنطوي عليه من إعلان حرب صريح على مستقبل كوكب الأرض. فهل تندفع بعض الدول خلف الإدارة الأميركية في هذه الحرب أو تختبئ وراءها، أم تصطف إلى جانب الفريق الذي يؤمن بوجود بدائل خضراء مجدية؟ سؤال ينتظر جوابا يبدأ في قمة المناخ الثالثة والعشرين في بون نهاية هذه السنة، ويتبلور في العام القادم أثناء مراجعة الالتزامات الوطنية المناخية للدول المنضوية ضمن الاتفاقية.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.