أمينة بن خضرا، وزيرة البيئة في المغرب، ألقت هذه الكلمة خلال مؤتمر كانكون حول تغير المناخ في كانون الأول (ديسمبر) 2010.
تؤكد المملكة المغربية عزمها الراسخ على دعم المسلسل التفاوضي المتعدد الأطراف الرامي الى اقرار نظام دولي جديد للمناخ، في إطار الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية والمواثيق المنبثقة عنها وبالخصوص بروتوكول كيوتو.
فبعد كوبنهاغن، كان من الضروري إعادة الثقة بين كل الأطراف. وحتى يتسنى لنا تحقيق نتيجة منصفة وعادلة، علينا جميعاً أن نتحلى بالإرادة اللازمة للعمل الجماعي الهادف الى تعزيز تنفيذ مقتضيات الاتفاقية الأممية للتغيرات المناخية. ومن هذا المنطلق، نحن مدعوون أكثر من أي وقت مضى لبناء أسس متينة لتعزيز التعاون الدولي الكفيل برفع التحدي الذي تفرضه التغيرات المناخية على جميع الدول وخاصة منها الدول النامية.
وفي هذا الإطار وجب علينا أن نعمل بشكل جماعي أو انفرادي وبالطموح اللازم والواقعي، آخذين بعين الاعتبار مسؤولياتنا المشتركة والمتفاوتة وكذلك قدرات كل واحد منا على حدة. كما يجب أن نعمل لكي نترجم هذه الثقة إلى قرارات متوازنة تتمخض عن مؤتمر الأطراف. ويجب استخلاص هذا التوازن من خلال تقييم تطلعات الأطراف والمجموعات المتفاوضة حول التغيرات المناخية.
ففي أفق الإعداد للمستقبل، يجب على الدول المتقدمة أن تتصدر الواجهة في مكافحة التغيرات المناخية وتدعم الدول النامية من خلال وسائل مالية مرتقبة قادرة وكافية لتمكينها من الإعداد لما بعد سنة 2012. وفي هذا الصدد لا يمكن أن نتجاهل الطابع الاستعجالي للعمل من أجل وضع منحى انبعاثات غازات الدفيئة في الاتجاه الذي سيسمح بتحقيق هدف الحد من ارتفاع حرارة المناخ الى مستوى يمكننا من تفادي نتائج وخيمة على الانسانية.
إن المغرب المتميز بمساهمته الضئيلة في انبعاثات غازات الدفيئة على المستوى العالمي وبهشاشة بيئته حيال الآثار السلبية للتغيرات المناخية، انخرط بشكل إرادي وقوي في مكافحة الاحترار المناخي عبر إعداد برامج للتكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية في إطار مقاربة مندمجة وتشاركية ومسؤولة.
وقد تعززت هذه الإرادة السياسية بالدفعة القوية لجلالة الملك محمد السادس من خلال دعوته الى اعتماد بلادنا الميثاق الوطني للبيئة من أجل التنمية المستدامة. وقد أعد هذا المشروع المجتمعي في إطار مسلسل تشاوري واسع يهم كل الفاعلين والفرقاء المعنيين في المجتمع المغربي. كما جاء ليعزز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أعطيت انطلاقتها سنة 2005، من أجل مكافحة الفقر وتحسين ظروف عيش السكان وتحقيق أهداف الألفية للتنمية، وذلك من منطلق منظور شمولي ومندمج للتنمية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
إن المغرب، بحكم موقعه الجغرافي وعدم انتظام ظروفه المناخية في الزمان والمكان، يعتبر من بين الدول الأكثر هشاشة حيال التغيرات المناخية. وتتجلى هذه الهشاشة في الظواهر القصوى كتعاقب فترات الجفاف الحاد أو الفيضانات المدمرة. وخير دليل على ذلك الفيضانات التي شهدتها بلادنا مؤخراً والتي أدت الى خسائر بشرية ومادية جسيمة، حيث عرفت مدينة الدار البيضاء ثلث التساقطات السنوية خلال 24 ساعة.
ولمواجهة هذه الإشكالية اعتمد المغرب العديد من برامج التكيف وطور استراتيجيات قطاعية في ميادين تدبير المياه والغابات والفلاحة.
في ما يتعلق بالتكيف، يسعى المغرب بشكل فعال للتخفيف من هشاشته حيال التغيرات المناخية واعتماد سياسة توقعية للتكيف، من خلال توعية وتعبئة السكان والفاعلين الاقتصاديين لمواجهة هذه الهشاشة. كما تم وضع نظام للرصد والإنذار المبكر بهدف التخفيف من الآثار السلبية لهذه الظواهر على مجاله السوسيو ـ الاقتصادي.
إلا أنه رغم كل هذه الجهود لا بد من الاشارة الى هشاشة من نوع آخر يعرفها المغرب وجيرانه، تتمثل في زحف الصحراء وما يشكله التصحر من خطر ما فتئ يتفاقم مع التغيرات المناخية. وفي هذا الصدد، أود التنويه بالشراكة القائمة بين افريقيا والاتحاد الأوروبي وبالتعاون «جنوب ـ جنوب» في مجال التغيرات المناخية كأرضية لمحاربة التصحر، خصوصاً في إطار مبادرة "الجدار الأخضر الكبير للصحراء".
وعلاقة بهذا الموضوع، أود التأكيد على أن الواحات التي تلعب دوراً كبيراً في مقاومة التصحر، والتي تعد إرثاً طبيعياً للبشرية جمعاء، تتعرض اليوم أكثر من أي وقت مضى لمخاطر متعددة تهدد بقاءها، كما هو الشأن بالنسبة لجل الدول العربية. ومن أجل تلافي ضياعها، فقد شكل هذا الموروث الطبيعي أحد أهم محاور المبادرة الاقليمية العربية لمواجهة التغيرات المناخية التي تم اعتمادها يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في الرباط، والتي ركزت على ضرورة توحيد الجهود من أجل جلب التمويلات وتعزيز القدرات ونقل التكنولوجيات. وبغية مواجهة هذه المخاطر، اعتمد المغرب استراتيجية لمكافحة زحف التصحر تبنى أساساً على غرس مليون نخلة مثمرة في واحات تافيلالت في أفق سنة 2015.
ومن حيث التخفيف، اعتمد المغرب سياسة إرادية تهدف الى الفصل بين التنمية الاقتصادية وانبعاث غازات الدفيئة. ولتحقيق ذلك، تم اعتماد عدة استراتيجيات انبثقت عنها مخططات عمل تهم مجالات كالطاقة والماء والنقل والصناعة والفلاحة والبناء والغابات والنفايات.
ولا بد في هذا الصدد من الوقوف عند الاستراتيجية الطاقية في المغرب المعتمدة عام 2008، والتي تهدف أساساً الى تنمية الطاقات المتجددة ورفع حصتها في الميزان الطاقي الوطني الى 12 في المئة في أفق سنة 2020.
ففي إطار هذه الاستراتيجية، تم اعتماد برنامج ضخم لتنمية الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء بقوة 2000 ميغاواط، حيث سيتم انشاء محطات كهربائية شمسية في خمسة مواقع تدخل جميعها وبالتدريج حيز الاستغلال في أفق 2019، ومن المنتظر أن يبدأ الاستغلال الفعلي لأول محطة سنة 2015.
كما تم اعتماد برنامج متكامل للطاقة الهوائية بهدف الرفع من إنتاجها من 280 ميغاواط حالياً الى 2000 ميغاواط بحلول سنة 2020. وهكذا سيتأتى لنا في هذا الأفق رفع نسبة مساهمة الطاقات المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية الى 42 في المئة، تحتل فيها بالتساوي كل من الطاقة الشمسية والريحية والكهرمائية 14 في المئة.
وهذا سيمكن سنوياً من اقتصاد 2,5 مليون طن مكافئ نفط وتلافي انبعاث 9,7 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون. وقد تم اختيار مدينة وارزازات كمدينة إيكوسياحية لاحتضان مركب صناعي للطاقة الشمسية بقدرة 500 ميغاواط على مساحة 2500 هكتار، مما سيأهلها لتكون أول مدينة مغربية تحظى بلقب وجهة محايدة لثاني أوكسيد الكربون في أفق 2015.
إلا أن هذه الجهود تبقى غير كافية مقارنة مع الإمكانات الهائلة التي تتطلبها مواجهة تحديات التغيرات المناخية. وعلى هذا الأساس، فإن المملكة المغربية تطالب المجموعة الدولية باعتبار هذه البرامج مساهمة من بلادنا في الجهود الدولية المبذولة للتقليص من انبعاث غازات الدفيئة. كما أننا نعتبر أن الدول المتقدمة، نظراً لمسؤوليتها التاريخية عن التغيرات المناخية، يجب أن تلعب دوراً رائداً في تقديم الدعم اللازم لتنفيذ مثل هذه البرامج، بالعمل على مساعدة الدول النامية في اعتماد التكنولوجيات النظيفة وانتشارها على نطاق واسع تماشياً مع مقتضيات الاتفاقية الإطار.
إننا اليوم واعون بأن مكافحة التغيرات المناخية لن تتأتى إلا عبر تعاون قوي مبني على نظرة مشتركة ومتشاور بشأنها، توحد جميع دول العالم في إطار نظام دولي شامل منصف وفعال من شأنه تأمين الحق في التنمية المستدامة لكل شعوب العالم.
إن الالتزامات التي تعهدت بها الدول التي أيدت اتفاق كوبنهاغن يجب أن تنعكس عبر تبني قرارات، تنص على ضرورة تخصيص دعم مالي إضافي قادر وكاف ومضمون لفائدة الدول النامية الأكثر هشاشة، وخاصة البلدان الافريقية، لتمكينها من مواجهة الآثار الوخيمة الناجمة عن تغير المناخ. وتعتبر هذه الالتزامات المالية نقطة الانطلاق التي ستبرهن حسن إرادة الدول المتقدمة إيجاد حلول ناجعة لإشكالية التغيرات المناخية، رغم أنها تظل غير كافية للاستجابة لحاجات البلدان النامية على المدى البعيد لتحقيق برامج التكيف والتخفيف، خصوصاً في مجال الاستثمارات الضرورية للتحويل الجذري لاقتصاداتنا نحو نماذج جديدة في الانتاج والاستهلاك المستدام في ما يخص انبعاث الكربون.
وعلاوة على ضرورة وضع مؤسسات ومساطر تؤمن الولوج المباشر والميسر الى التمويل، ينبغي تحديد موعد لإعادة تقييم حاجات البلدان النامية بعد سنة 2020.
إننا نؤكد على ضرورة استمرارية بروتوكول كيوتو، لتفادي وقوع فراغ بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية لالتزامات الدول المتقدمة. كما أنها ستمكن من تكريس الدور الريادي لهذه الدول في ما يخص التخفيف من مستوى الانبعاثات، بل أكثر من ذلك ستقوي الثقة بين الفاعلين في سوق الكربون.
ويجب علينا توضيح تطلعاتنا بشأن الإطار القانوني ومضمونه بارتباط مع استمرارية بروتوكول كيوتو والطابع الملزم لهذا الاتفاق، الذي سيشكل أساس الإطار المستقبلي لمواجهة التغيرات المناخية، على أن يشكل التعاون الدولي دور القاطرة في ترسيخها.
إن التحديات البيئية بلغت اليوم حداً يجعلنا مقتنعين أكثر من ذي قبل بأن مستقبل البشرية جمعاء يتوقف على قدرتها على تعزيز أسس التضامن بين الدول، من أجل إرساء متطلبات التنمية المستدامة المبنية على نمو اقتصادي مسؤول وتوزيع عادل للثروات ومحاربة الفقر والتهميش في إطار المحافظة على البيئة، بحيث يكون الانسان فيها الفاعل والمستفيد الأول وما سينتج من ازدهار يعم جميع الشعوب.