Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
رجب سعد السيد كان للعرب حمار  
شباط / فبراير 2017 / عدد 227
كان اسمه الشائع "الأخدري"، ومن صفاته، التي نقلتها الأشعار إلينا، أنه كان مسالماً، بالرغم من أنه كان يسكن البرية، وكان يدعى بالوحش. عرفته السهول الجافة بفلسطين، حتى شهد منتصف القرن التاسع عشر اختفاءه منها. أما تجمعات الحيوان المحدودة العدد، التي كانت تعيش في سهول العراق وجنوب شرق الأردن، فقد طال أجلها قليلاً، ولكنها انتهت إلى المصير نفسه في بداية القرن العشرين. فالثابت أن الأخدري قد تعرَّض، لقرون طويلة مضت، لضغوط متصلة، كانت كفيلة بالقضاء عليه مبكراً. غير أن سرعته الفائقة، وقدرته على احتمال أصعب ظروف الحيـــاة في المنــاخ الجـــاف، كانتا العاملين اللذين جعلاه يتغلَّب على تلك الضغوط، التي تمثَّلت في أنشطة الصيد، باستخدام الأدوات التقليدية القديمة (القوس والسهم، وكلاب المطــاردة). ولما عرف الصيــادون الأســلحة النارية، وركبوا السيارات ، تهاوت قدرة الأخــدري على منــاورة هؤلاء الصيادين. فقد اختلَّــت كفَّـتا الميزان لغير صالحه، وأخذت أعداده تتناقــص، حتى اختفى تماماً من خريطة الحيـــاة في منطقتنـــا العربية.
 
والتسمية الإنكليزية للأخــدري (ONAGER) مشتقَّــة من الكلمة اليونانيــــة (ONAGRES)، وتعني (الحمار البري). وكان العرب يعرفون الأخدري – أيضاً، وكما أسلفنا – باسم (الوحــــش). وكان ثمة اعتقاد بأن الأخدري، واسمه العلمي: (Equus hemionus) هو الجـد للحمـار المســتأنــس، واسمه العلمي (Equus asinus)، حتى أظهرت الدراسات التصنيفية، التي تمكنت من رصد الأخدري قبل أن ينقرض، أن النوعين منفصــلان ومتميزان تماماً عن بعضهما، وإن كانا ينتميان لجنس واحد، هو (Equus)، وأنَّ الأخدري آســيوي النشـــأة، بينما الحمار المستأنس ينتمي إلى أصــول أفريقية.
 
ويعرف دارسو الأدب العربي القديم الأخدري، من خلال تراثنا الأدبي، شعراً ونثراً. فقد كان الأخدري محل اهتمام نفر من الشعراء الجاهليين، من بينهم الشمَّاخ بن ضرار الذبياني، الذي نظم 172 قصيدة، أي ما يوازي 43 في المئة من مجمل إنتاجه الشعري، متغنياً بالأخدري، وواصــفاً رحــلات الصيد التي كانت تستهدفه. ولعل هذا الاهتمام الشعري الجلي بالأخدري يعكس حالة الازدهار التي كان عليها ذلك الحيوان، في شمال ووسط وغرب المملكة العربية السعودية، في العصر الجاهلي.
 
ولعلك، قارئي الكريم، تتوقع أن يكون ذكر الأخدري قد جاء في أشهر كتب التراث العربي التي اهتمت بالحيوان: (كتاب الحيوان) للجاحظ. نعم، وقد وصفه الكتاب بأنه أطول من الحمار المستأنس، وأن عمره قد يمتد إلى 40 سنة. وثمة روايات أخرى متفرِّقة، تميل إلى التهويل وتزعم أن عمر الأخدري يبلغ 200 بل 800 سنة ! غير أن ما يهمنا من هذه الروايات غيرالمؤكَّدة هو التواجد الراسخ الذي كان يتمتع به الأخدري، إذ يذكر كمال الدين الدميري في كتابه "حياة الحيوان"، الصادر في القرن الرابع عشر، أن تجمعات حيوان الأخدري حول مدينة دمشق كان يصعب إحصــاؤها!
 
وفي (عجائب المخلوقات)، يرصد مؤلفه، أبو يحيى زكريا القزويني، من القرن الثامن الهجري، سلوكــاً غريباً للأخدري، إذ يتعمَّد الذكــرُ البالغ إخصـــاء الذكور اليافعة، فينهش مناسِـــلَهـــا، حتى لا يزاحمونه، في ما يختص بالسيطرة على الإنـاث، بعد أن يشتد عودهم. الأعجب من ذلك هو رد الفعل الذي يرصده "القزويني" من الأم (الأخدرية)، التي تُضطرُّ إلى اعتزال الحياة الاجتماعية، مختفيةً بوليدها الذكر، وقد تتعمَّد إلحــاق إصابة صغيرة بساقه، حتى لا يفارقها، فلا تسوقه الظروف لمقابلة "ثور" أخدري متربِّص، تعميه الغيرة، ولا يرضى بمنافسين له، حتى إن كانوا من صلبه. ولا تسمح الأم لصغيرها بالابتعاد عنها، إلاَّ بعد أن تقوى سيقانه، ويصبح قادراً على الهرب من "رجال قبيلته" وصون كرامته.
 
الجدير بالذكر، أن العرب كانوا يصطادون الأخدري من أجل لحمه، إذ كان مقبولاً ومعروفاً كطعام آدمي. وفي كتابات قديمة، لمؤرِّخٍ أثيني عاش في منطقة الشرق الأوسط في الفترة من 434 إلى 355 قبل الميلاد، يقرر أن لحم الأخدري "أطيب وأشهى من لحم الغزال".
 
وكان آخر ما عرف البشر من الأخدري حيواناً فرداً، تم أسره عند الحدود السورية العراقية، في العام 1928 ، وعاش في حديقة للحيوان زمناً قصيراً. وبموته، أعلن العلماء، رسمياً، انقراض الأخدري.
 
وبالرغم من هذه الصورة القاتمة للمصير الذي انتهى إليه الأخدري، فلا يزال نفر من العلماء يتمسَّــك بالأمل في وجود الحيوان، مختبئــاً في مكان ما من صحراء المملكة العربية السعودية، أو عُمــان. ويقولون إن الأخدري ربما يكون موجوداً إلى جوار طيــور النعـــام البرية، إذ اشتهر عن ذلك الحيوان المفقود ميلُـــه إلى صحبة النعــــام.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
رجب سعد السيد كان للعرب حمار
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.