ازدادت مستويات ملوثات الهواء في المنطقة العربية باطراد خلال العقدين الماضيين. ويقدر أن تلوث الهواء مسؤول عن أكثر من 70 ألف وفاة مبكرة سنوياً في غرب آسيا.
ينجم تلوث الهواء في المنطقة من مصادر طبيعية مثل العواصف الترابية، ومصادر من صنع الإنسان مثل إنتاج الكهرباء والمياه والصناعة والنقل والإنشاءات، فضلاً عن حرق النفايات والمخلفات الزراعية والتدفئة والطهو بوقود صلب مثل الفحم والحطب. ويعتبر مستوى الجسيمات الدقيقة (PM10) مرتفعاً جداً، وهذا مصدر قلق على الصحة العامة، إذ إنها تخترق الرئتين وتتسبب في أمراض القلب والجهاز التنفسي. والمنطقة مصدر رئيسي لنشوء العواصف الترابية والرملية. الغبار حاضر عموماً طوال السنة، وهو يتزايد خلال آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، ويبلغ حداً أقصى في حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، وينخفض في الشتاء. ومن ملوثات الهواء الممرضة أيضاً الأوزون الأرضي وأوكسيدات النيتروجين والكبريت.
لقد بذلت البلدان العربية جهوداً أولية للحد من ملوثات الهواء وتخفيض مستوى التعرض لها، خصوصاً بإقامة نظم للمعلومات والإنذار المبكر بالعواصف الترابية. لكن هناك حاجة إلى مزيد من الضوابط، كما أن التعاون الإقليمي ضروري لمواجهة تلوث الهواء عبر الحدود. ويجب إقامة نظم لمراقبة الملوثات في جميع البلدان، بالتزامن مع إدخال أنواع أنظف من الوقود واعتماد تكنولوجيات تخفض التلوث من المصانع ومحطات الطاقة وقطاع النقل. وسيكون لرفع الدعم عن أسعار الوقود والكهرباء، خصوصاً في بلدان الخليج، أثر جيد على كفاءة استخدامهما وتخفيض تلوث الهواء الناجم عن حرق الوقود.
خسائر عالمية بالأرقام
يموت كل سنة نحو سبعة ملايين شخص حول العالم نتيجة تلوث الهواء داخل الأبنية وخارجها، ويعاني عدد أكبر من أمراض تضر بصحتهم وتضعف إنتاجيتهم ونوعية حياتهم. في ما يأتي وقائع وأرقام حديثة عن تلوث الهواء جمعها برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
يشكل الدخان في الأماكن المغلقة خطراً صحياً جدياً لنحو ثلاثة بلايين شخص يطبخون ويدفئون منازلهم بالوقود الصلب. وتعزى 600 ألف وفاة قبل الأوان في أفريقيا وحدها إلى تلوث الهواء الداخلي.
وقدرت كلفة تلوث الهواء عام 2010 بنحو 1.4 تريليون دولار في الصين، ونصف تريليون دولار في الهند. وفي أوروبا، يكلف التعرض لتلوث الهواء الناجم من وسائل النقل على الطرق نحو 137 بليون دولار سنوياً. وقدر الضرر الناجم عن تلوث الهواء من 10 آلاف مصنع ومحطة هي الأكثر تلويثاً في أوروبا بين 140 و230 بليون دولار عام 2009، بما في ذلك الوفيات واعتلال الصحة وتلف المحاصيل.
ومن أخطر ملوثات الهواء الجسيمات الدقيقة (PM)، وهي مزيج من الجزيئات الصلبة والسائلة لمواد عضوية وغير عضوية معلقة في الهواء. ويساهم التعرض المزمن لها في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، فضلاً عن سرطان الرئة. ويعزى أكثر من نصف الوفيات المبكرة الناتجة عن التهاب رئوي لدى أطفال تحت سن الخمس سنوات إلى استنشاق الجسيمات الدقيقة في الهواء المنزلي.
أكبر مصادر تلوث هواء المدن هي المركبات، والصناعات الصغيرة، وحرق الوقود الصلب للطبخ والتدفئة، ومحطات الطاقة خصوصاً التي تعمل بالفحم.
ويقدر أن المركبات مسؤولة عن نحو 30 في المئة من انبعاثات الجزيئات الدقيقة في المدن الأوروبية، وما يصل إلى 50 في المئة في بلدان منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، معظمها ناتجة من المركبات العاملة بالديزل. وتفيد الأدلة أن النقل على الطرق كان مسؤولاً عن 50 في المئة من الكلفة الصحية لتلوث الهواء، من وفيات وأمراض، في بلدان المنظمة عام 2010، ما يقارب تريليون دولار.
وغاز الأوزون الأرضي هو ملوث رئيسي آخر للهواء يضر بصحة الإنسان وبالمحاصيل. وتقدر الخسائر العالمية التي تلحق بمحاصيل فول الصويا والذرة والقمح نتيجة التلوث بغاز الأوزون الأرضي بين 17 و35 بليون دولار سنوياً بحلول سنة 2030.
مبادرات ناجحة
في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يتوقع أن يسفر التحول إلى استعمال وقود منخفض الكبريت، وتنظيف المركبات، بما في ذلك الدراجات النارية، يمكن أن يسفر عن فوائد صحية تحقق 43 بليون دولار من الوفورات خلال فترة عشر سنوات.
وفي الولايات المتحدة، يقدر أن تصل الفوائد الاقتصادية المباشرة لتخفيض التلوث الناتج عن الجزيئات الدقيقة والأوزون الأرضي، بموجب تعديلات قانون الهواء النظيف لعام 1990، إلى 90 ضعف كلفة تنفيذ هذه التعديلات. وسوف ينتج نحو 85 في المئة من الفوائد الاقتصادية من انخفاض الوفيات المبكرة نتيجة انخفاض تركيز الجزيئات الدقيقة في البيئة الخارجية، بحيث يتم تجنب نحو 230 ألف وفاة مبكرة سنة 2020 وحدها.
ومن شأن تخفيض انبعاثات الكربون الأسود والميثان إلى حد كبير أن يخفض وتيرة تغير المناخ إلى النصف خلال العقود المقبلة، فضلاً عن تخفيض الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء بمقدار 2.4 مليون وفاة سنوياً، مع تجنب خسائر سنوية في المحاصيل تراوح بين 50 و100 مليون طن.
لتخفيض تلوث الهواء من قطاع النقل، على العالم التحول إلى وسائل نقل نظيفة، وإعطاء الأولوية للنقل الحضري السريع والمشي وركوب الدراجات، والتحول إلى وقود أنظف ومركبات منخفضة الانبعاثات. ويسجل إقبال متزايد على السيارات الكهربائية في بلدان كثيرة، ففي النروج مثلاً تشكل نحو ثلث السيارات التي يتم شراؤها حالياً.
وفي القطاع الصناعي، يمكن تخفيض تلوث الهواء باعتماد التكنولوجيات النظيفة التي تخفض انبعاثات مداخن المصانع، والإدارة المحسنة للنفايات الحضرية والزراعية، بما في ذلك استخدام الميثان المستخرج من مطامر النفايات كغاز حيوي (بيوغاز).
ويساهم التخطيط المدني في الحد من تلوث الهواء، من خلال تحسين كفاءة المباني.
وفي مجال توليد الكهرباء، يمكن تخفيض تلوث الهواء بزيادة استعمال أنواع الوقود المنخفضة الانبعاثات والمصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرمائية، والتوليد المشترك للحرارة والكهرباء.
كذلك تساهم إدارة النفايات البلدية والزراعية في تخفيض تلوث الهواء، من خلال تقليل إنتاج النفايات وفرزها وتدويرها وإعادة استعمالها أو معالجتها بدل حرقها، والطرق المحسنة لإدارة النفايات البيولوجية مثل الهضم اللاهوائي لإنتاج البيوغاز.
وفي كينيا، طور برنامج لتمكين الشباب في منطقة رويرو موقد حطب أقل تلويثاً وأكثر كفاءة بنحو 60 في المئة من النار المكشوفة المستعملة في المناطق الريفية. وفي العديد من البلدان، يتم تطوير أجهزة منخفضة الكلفة لقياس مستويات تلوث الهواء والتعرض له. وتسمح تطبيقات للهواتف الذكية بالاطلاع في الوقت الحقيقي على بيانات تلوث الهواء الخارجي.
في العام 2014، أعلنت الصين خططاً لاستبعاد نحو ستة ملايين مركبة لا تستوفي معايير الانبعاثات من الطرق، بعدما فرضت حداً أقصى لمبيعات المركبات الجديدة عام 2013. ويأتي نحو 31 في المئة من تلوث الهواء في العاصمة بيجينغ من انبعاثات عوادم المركبات.
وبعد التنسيق الدولي الناجح للتخلص التدريجي من البنزين المحتوي على الرصاص، بموجب "الشراكة من أجل الوقود النظيف والمركبات النظيفة" التي يقودها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يصبح أسطول السيارات العالمي أقل تلويثاً بالمعادن الثقيلة. فعند إطلاق الشراكة عام 2002، كان نصف بلدان العالم تقريباً يستعمل البنزين المحتوي على الرصاص. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2013، كانت ستة بلدان فقط ما زالت تستعمل كمية صغيرة منه. هذا التخلص من الرصاص يحول دون 1.3 مليون وفاة قبل الأوان سنوياً.