زاد حجم إقراض البنك الدولي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 2.8 بليون دولار في السنة المالية 2014 إلى 3.5 بليون دولار في السنة المالية 2015، وسوف يبلغ 5.2 بليون دولار في السنة المالية 2016. وتعكس الزيادة في الإقراض خلال السنة المالية 2016 مستوى أعلى من التمويل لسياسة التنمية في العراق ومصر، ولعمليات الطوارئ في العراق للمساعدة في إعادة إعمار البنية التحتية المتأثرة بالصراع ولاستعادة الخدمات العامة في المناطق التي أصبحت تحت سيطرة الحكومة.
وفي هذا السياق أطلقت مجموعة البنك الدولي مبادرة تمويلية جديدة، بالمشاركة مع البنك الإسلامي للتنمية والأمم المتحدة، لحشد المجتمع الدولي من أجل مساندة لبنان والأردن اللذين يعتبران أكثر دول العالم العربي تأثراً بأزمة اللاجئين والصراع وعدم الاستقرار الاقتصادي في سورية. وتشتمل المبادرة التمويلية على آليتين محددتين:
- آلية تمويل ميسّر، تهدف إلى توفير مساعدة إنمائية إضافية بشروط ميسرة للأردن ولبنان.
- آلية ضمان، تهدف إلى توفير حجم كبير من التمويل اللازم لإعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي ومواجهة آثار الصراع في أنحاء المنطقة.
تهدف آلية التمويل الميسّر المقترح إلى دمج مساهمات الدول الداعمة مع قروض "بنوك التنمية المتعددة الأطراف"، مما يخفّض معدلات الفائدة على القروض إلى مستويات ميسرة بشكل كبير. وهي توفّر للدول العربية المتوسطة الدخل والأكثر تأثراً بالأعداد الكبيرة من اللاجئين إمكانية الوصول إلى المساعدة الإنمائية الميسرة المطلوبة بصفة عاجلة. وتؤسس هذه الآلية منصة تمويل مستدام طويل الأجل، تعالج المشاكل المتعلقة بالاحتياجات التمويلية للتنمية والمساعدة الإنسانية الطارئة. وتمثل هذا الآلية استجابة من المجتمع الدولي لتوفير التمويل الميسّر من خلال بنوك التنمية المتعددة الأطراف ووكالات الأمم المتحدة العاملة في المنطقة.
وسوف توفر آلية الضمان المقترح ضمانات يمكن استخدامها من خلال ثلاث أدوات: أولاً، ضمانات من بنوك التنمية المتعددة الأطراف أو خيارات الضمان، بما يفتح مجالاً في ميزانية هذه البنوك لإقراض مبالغ إضافية إلى بلدان المنطقة. ثانياً، ضمانات لدعم إصدار نوع خاص من سندات البنك الدولي يوفر تمويلاً إضافياً للدول العربية من خلال الاستفادة من أسواق رأس المال. ثالثاً، ضمانات لدعم إصدار نوع خاص من الصكوك بإدارة البنك الإسلامي للتنمية.
بالإضافة إلى آليات التمويل الجديدة التي تدعم الدول العربية تحديداً، وضعت مجموعة البنك الدولي استراتيجية جديدة للمنطقة تقوم على أربع ركائز. تتناول الركيزتان الأوليان الأسباب الكامنة للعنف والصراع وتركزان على تحسين أوضاع الحوكمة والشمول كافة، وتطوير التعاون الإقليمي. أما الركيزتان الأخريان فتعالجان العواقب العاجلة من خلال تناول القدرة على مقاومة صدمات اللاجئين والنازحين داخلياً، والتعافي وإعادة الإعمار.
ويرتكز دعم مجموعة البنك الدولي لتحسين الحوكمة والإدماج والتعامل الإقليمي على ثلاثة مجالات:
وظائف منتجة: في ضوء تفشي ظاهرة استئثار البعض بتوفير وظائف القطاع الخاص، ستكون الأولوية لصياغة سياسات قائمة على "تعظيم الكفاءة " في قطاع الأعمال الإنتاجي، ووضع سياسات لبناء المهارات استناداً إلى آليات السوق، وتحسين تشريعات العمل في بعض البلدان من أجل تعزيز خلق وظائف في القطاع الرسمي.
خدمات جيدة: في القطاعات الاجتماعية، يمكن للحكومات الاستفادة من قصص النجاح المحلية، بما في ذلك حالات مقدمي الخدمات غير الحكوميين والحكومات المحلية التي تقدم خدمات جيدة. كما يمكن اختبار آليات لرفع قدرات الطلاب والمرضى على محاسبة المعلمين والأطباء. وفي ما يتعلق بخدمات البنية التحتية، قد يؤدي استبدال الدعم الحكومي بتحويلات نقدية مستهدفة إلى تحسين الكفاءة والإنصاف ويقوي صوت المواطن، كما أن تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يؤدي إلى فرض قدر أكبر من المساءلة. وسيكون الدور الرئيسي للقطاع الحكومي وضع السياسة والبيئة التنظيمية لضمان المساءلة وكفاءة استخدام الموارد.
إشراك المواطنين: راجعت بعض البلدان دساتيرها من أجل إشراك المواطن وإدماجه بشكل أكبر. ويمكن لمجموعة البنك الدولي أن تساعد في تحسين الشفافية والمساءلة من خلال: تمكين الإصلاحات والتشريعات الشاملة وتدعيم كفاءة المؤسسات واستقلالها وتوفير خدمات أفضل للإنترنت، تحسين المؤسسات القطاعية كالمساءلة في تقديم الخدمة الاجتماعية، إشراك المواطن والمنتفعين بالخدمات في تقييم أداء جميع مشاريع مجموعة البنك الدولي.
على رغم اللغة والتاريخ والحضارة والتهديدات المشتركة، يظل العالم العربي المنطقة الأقل اندماجاً في العالم. هناك مكاسب مهمة من التكامل الإقليمي، بما في ذلك الفوائد التجارية وبناء الثقة التي يرجح أن تخفض مستوى الصراع. وسوف تركز مجموعة البنك الدولي مبدئياً على المجالات الثلاثة الآتية:
الطاقة: تشير الدراسات إلى أن النفقات الاستثمارية لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في المنطقة سوف تتناقص بنسبة 35 في المئة بوجود شبكة كهرباء متكاملة كلياً. وسوف تستفيد المنطقة أيضاً من التجارة المتزايدة في الطاقة الشمسية والمشاركة في سوق الغاز الدولي. كما أن اصلاح تعرفة الطاقة، التي كانت العامل الأكثر ضرراً بالجدوى المالية في قطاعي الغاز والكهرباء في المنطقة، هو أولوية أخرى لاستراتيجية مجموعة البنك الدولي في المنطقة.
المياه: الدول العربية هي أكثر بلدان العالم ندرةً في المياه، وبعضها من الأدنى في معدلات إنتاجية المياه. وتوفر الحكومات العربية أعلى مستوى من الدعم الحكومي عالمياً، وهو دعم غير متكافئ، يستحوذ عليه من هم أكثر ثراء. سوف تحاول مجموعة البنك الدولي توفير المشورة للدول حول كيفية: إدخال تكنولوجيا لرفع كفاءة الماء والطاقة، إقامة مجتمعات محلية متكاملة من خلال برامج سريعة لتقديم الخدمات مع المشاركة القوية للمواطن، إقامة إدارة مياه متكاملة في الحضر وتطوير نظم لإنتاجية المياه الزراعية تحقق في الوقت نفسه استدامة الخدمات والمصادر المائية، توسيع اتفاقات إدارة المياه الدولية.
التعليم: النوعية هي محور الاهتمام الإقليمي الأساسي. وثمة تباين كبير في الحالة الاجتماعية الاقتصادية والجغرافيا وبين الذكور والإناث حيث يوفّر التعاون الإقليمي فرصةً لإجراء الإصلاحات. يمكن في هذا المجال البناء على المبادرة الإقليمية "التعليم من أجل التنافسية" التي يتم تنفيذها حالياً بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية.
يهدف منهج مجموعة البنك الدولي لجهود إعادة الإعمار والتعافي في العالم العربي إلى استعادة ثقة المواطنين بالدولة، ولذلك يجب أن تبدأ قبل انتهاء الصراعات. وهذا يتطلب العمل مع شركاء غير تقليديين، كما يستلزم دعماً مالياً كبيراً تسعى مجموعة البنك الدولي لتوفيره مع خطة التمويل السالفة الذكر.
إن استراتيجية مجموعة البنك الدولي لدعم العالم العربي هي منهج جدي، يسعى للتغلب على الأسباب الكامنة وراء عدم الاستقرار والصراع، وفي الوقت ذاته تدعم جهود الصمود وإعادة الإعمار والتعافي. وثمة عنصر أساسي لتنفيذ هذه الاستراتيجية هو المشاركة مع مؤسسات إقليمية ودولية أخرى على رأسها الأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية بالمشاركة مع المؤسسات المالية الاقليمية.
على رغم أن مجموعة البنك الدولي تعتمد على نموذج المشاركة الوطنية، فإن المنهج الإقليمي، خاصةً عندما يقوم على الشراكة، قادر على تحقيق التغيير. وتسعى هذه الجهود لقيام مجتمعات تشمل الجميع، وهي جهود حاسمة في قدرة البلدان على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ويمكن أن تكون مؤشراً لقدرة البلدان التي تعاني من الصراع وعدم الاستقرار على تجاوز ما تتعرض له من تهديدات بنيوية، وأحياناً وجودية، لصالح مسار شامل متعدد القطاعات نحو تنمية مستدامة تتجسد في أهداف التنمية المستدامة. فلا تنمية من دون سلام، ولا استقرار للسلام من دون تنمية.
الدكتور محمود محيي الدين هو النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية 2030 وعلاقات الأمم المتحدة والمشاركات. وهذا المقال من ورقة كتبها للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد).