يواجه تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية سلسلة من التحدّيات، تتراوح بين ندرة الموارد التي يفاقمها تغير المناخ، والاضطرابات السياسية والحروب والنزاعات التي تضرب معظم بلدان المنطقة. وتقع هذه التحديات تحت سبعة عناوين رئيسية نوردها في ما يلي.
1. الاضطرابات السياسية والحروب والصراعات
تشهد المنطقة العربية منذ أوائل العام 2011 اضطرابات سياسية يتوقّع أن تكون لها عواقب بعيدة الأثر على التنمية المستدامة والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. وفي العام 2015، صنّفت المنطقة العربية بأنها الجزء الأقلّ سلاماً في العالم، حيث تعاني من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين واشتداد حدّة الصراعات في العراق وليبيا وسورية واليمن وقد تم الاعتراف بذلك في الإطار الاستراتيجي العربي للتنمية المستدامة، الذي يحدّد السلام والأمن والاستقرار السياسي باعتبارها عوامل تمكينية ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة.
2. ندرة الموارد الطبيعية وتقلّبها
تشكل المياه والطاقة والأرض الصالحة للزراعة تحدّيات رئيسية للتنمية في المنطقة العربية. وتشكّل ندرة المياه والجفاف، اللذان تفاقمهما الآثار المحتملة لتغيّر المناخ، واعتماد المنطقة العربية على أنواع الوقود الأحفوري لتلبية احتياجاتها من الطاقة، التي تتسم بانخفاض الكفاءة، تحدّيات رئيسية أمام الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. وما يزيد من صعوبة ذلك التعرض الشديد للبلدان المصدّرة والمستوردة للنفط على حد سواء لتقلّبات السوق النفطية.
3. تهديدات الأمن الغذائي
تتأثّر البلدان العربية سلباً بتقلّب سوق الغذاء العالمية، بالإضافة إلى الاعتماد على المنتجات الغذائية المستوردة لتغطية ما بين 50 و100 في المئة من احتياجاتها الغذائية، بما في ذلك القمح الذي يمثّل المحصول الاستراتيجي الرئيسي في المنطقة. وتستورد البلدان الخليجية 100 في المئة من الاحتياجات الغذائية الأساسية، لكنها أقل تعرّضاً للمخاطر من البلدان غير المصدّرة للنفط في المنطقة بفضل الإيرادات الفائضة التي يحقّقها قطاع النفط. وأكثر البلدان تعرّضاً لتقلّب أسعار الغذاء هي تلك التي ترتفع فيها معدّلات الفقر نسبياً، مثل العراق وفلسطين واليمن. ويتعرّض الأمن الغذائي أيضاً للتهديد الناجم عن تدهور الأرض وندرة المياه وعدم كفاءة استخدام المياه في الزراعة.
4. تغيّر المناخ وأحداث الطقس المتطرّف
المنطقة العربية مثال رئيسي على الآثار السلبية لتغيّر المناخ على عدد من المستويات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وستتأثّر البلدان العربية تأثّراً مباشراً بتغيّر المناخ، لا سيما أن ارتفاع مستويات البحر سيهدّد الأصول الاقتصادية والطبيعية للمناطق الساحلية، وستزداد حدّة ندرة المياه وتدهور الأرض، كما سيتأثّر التنوّع البيولوجي تأثّراً سلبياً. وسيكون التأثير الاجتماعي حادّاً، إذ سيفقد كثير من العمّال وظائفهم في الزراعة وصيد السمك، وبعض الصناعات النفطية نتيجة تحوّل العالم إلى مصادر الطاقة المتجدّدة. غير أن من المرجّح أن تعادل الوظائف التي تستحدثها الطاقة المتجدّدة تلك التي تفقد في الزراعة والصناعة النفطية. وسيكون التأثير الاقتصادي في البلدان المنتجة للنفط أشدّ حدّة، لأنها تعتمد اعتماداً رئيسياً على إيرادات تصدير النفط والغاز. وكلما تحوّل العالم أكثر إلى مصادر الطاقة المتجدّدة، فستعاني تلك البلدان معاناة شديدة (ASFSD, 2015). وقد قدّم تراجع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، والإشارة القوية التي وردت إلى الأسواق من اتفاقية تغيّر المناخ في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في باريس، إشارة قوية حثّت البلدان المصدّرة للنفط على إطلاق تغييرات عميقة لإعادة الهيكلة وتنويع الاقتصاد.
5. الاستهلاك والإنتاج غير المستدامين
ساهمت التغيّرات الديمغرافية، وارتفاع العمران الحضري، وتغيّر أنماط الحياة، وسياسات الدعم، على سبيل المثال لا الحصر، في بروز أنماط استهلاكية غير مستدامة في المنطقة العربية، وهي إحدى أكثر المناطق تحضرا في العالم. ففي سنة 2010، بلغ تعداد السكان العرب 352 مليون نسمة، يعيش 56 في المئة منهم في المدن. وبحلول سنة 2050، سيصل تعداد السكان إلى 646 نسمة، يعيش 68 في المئة منهم في المناطق الحضرية. ويعدّ النموّ السكّاني السريع والهجرة من المناطق الريفية إلى الحضرية من العوامل الرئيسية التي ساهمت في ارتفاع الطلب على الطاقة والموارد الطبيعية الأخرى في المنطقة العربية. وقد تسبّبت إيرادات تصدير المشتقات النفطية في حدوث تغيّرات كبيرة في أنماط الحياة وأنماط الاستهلاك في البلدان المصدّرة للنفط، مثلما حدث في بلدان مجلس التعاون الخليجي.
6. النموّ السكاني
يتباين تعداد السكان في المنطقة العربية بين القليل كما في كل بلدان مجلس التعاون الخليجي (ما عدا الوافدين) باستثناء المملكة العربية السعودية، والكثير كما في حالة مصر التي تستأثر بنحو 30 في المئة من إجمالي السكان العرب. وقد ارتفع تعداد السكان في البلدان العربية بنسبة 2.2 في المئة بين سنتي 2005 و2015، ما يمثّل قوة دافعة رئيسية للطلب على الموارد الطبيعية المحدودة.
7. الدعم الكبير للطاقة والمياه والغذاء
تتميّز المنطقة بالدعم الشديد لبعض السلع والخدمات، ويحدث ذلك بناء على نوعين من المبرّرات: في البلدان المصدّرة للنفط، يراد بدعم أسعار الطاقة إتاحة تشارك المواطنين في ثروة الموارد الطبيعية لبلدانهم كما هي الحال في بلدان مجلس التعاون الخليجي. وينعكس ذلك في ارتفاع معدّلات الحصول على الكهرباء. من ناحية أخرى، يُستخدم الدعم كوسيلة لتوفير خدمات الطاقة الضرورية للفقراء في البلدان ذات الموارد الشحيحة مثل مصر والمغرب وسورية. وقد شكّل دعم الطاقة عائقاً رئيسياً أمام تحسين كفاءة الطاقة في المنطقة العربية، والارتقاء بسوق الطاقة المتجدّدة. وقد اتخذت العديد من البلدان العربية مؤخّراً خطوات جريئة لإصلاح أسعار الطاقة والمياه.
اعتمدت جامعة الدول العربية منذ مؤتمر ريو دي جانيرو عدداً كبيراً من الاستراتيجيات لمعالجة مختلف قضايا التنمية المستدامة. وعكست هذه الاستراتيجيات، التي حظيت بدعم عدد من الإعلانات السياسية، الالتزامات السياسية للبلدان العربية بالتنمية المستدامة. مع ذلك فإن التحوّل من البيانات السياسية إلى التنفيذ على الأرض كان بطيئاً. وتجلّى هذا الوضع في الاضطرابات والقلاقل السياسية في كل أنحاء المنطقة. وعلى الرغم من أن معدّلات النموّ الاقتصادي في المنطقة كانت مقبولة في ما بعد إصلاحات تسعينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من المكاسب الكبيرة المتحقّقة في التنمية البشرية (لا سيما في التعليم والصحّة) كما يظهر في التقرير العربي الخاص بالأهداف الإنمائية للألفية (UN & LAS, 2013)، فإن الثورات العربية التي سُمِّيت "الربيع العربي" أظهرت أن التنمية الاقتصادية غير كافية، وأن التنمية والتقدّم الحقيقي لا يتعلّقان بخلق الثروة فحسب، وإنما أيضاً بالاستدامة، وتوزيع الثروة، والإدماج الاجتماعي، والمؤسسات القوية، والمشاركة السياسية القوية (ESCWA, 2014). وثمة اعتراف بأن الأسباب الجذرية للثورة تكمن أساساً في الإخفاقات الاجتماعية الاقتصادية والحوكمية التي أدّت إلى تفاقم عدم المساواة، ونشوء جماعات سكانية متعلّمة ولكن مستاءة، وبخاصة الشبّان المتعلّمين من الطبقة الوسطى (ILO & UNDP, 2012).
في غضون ذلك، وضعت بعض البلدان العربية استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة، تتراوح من أهداف خاصّة كالاقتصاد الأخضر واستئصال الفقر إلى نطاق أوسع يشمل الطيف بأكمله (الإطار 1).
الإطار 1: أمثلة عن استراتيجيات التنمية التي تم إقرارها حديثاً في البلدان العربية
• رؤية قطر الوطنية 2030 (2009) واستراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016
• رؤية المملكة العربية السعودية 2030 (2016)
• رؤية الإمارات 2021، والأجندة الوطنية لدولة الإمارات، والاستراتيجية الوطنية للنموّ الأخضر، والرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبوظبي
• خطة الصمود الوطني 2014-2016 للأردن، والرؤية الوطنية 2030 (قيد الإعداد)
• الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في لبنان (قيد الإعداد)
• رؤية البحرين 2030 (2007)
• استراتيجية التنمية لتونس الجديدة (2012)، الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2016-2020 (2014)، والوثيقة التوجيهية لمخطط التنمية 2016-2020 (قيد الإعداد)
• خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010-2014 في العراق
• استراتيجية التنمية المستدامة - مصر 2030
• الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر (2005-2015) في الجزائر، والخطة الخمسية (2010-2014)
• ورقة الاستراتيجية المرحلية لخفض الفقر (2012) في السودان
• ورقة استراتيجية خفض الفقر (209) في جيبوتي
• الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة (2015) في المغرب
المصدر: ESCWA, 2015d
وعلي سبيل المثال، بدأت مصر بالفعل اتخاذ إجراءات ملموسة لمأسسة الأهداف الإنمائية للألفية. وتشمل هذه الإجراءات المبكّرة برنامج الإسكان الاجتماعي الذي أطلق مؤخّراً، ويهدف إلى تحسين قدرة الأسر المنخفضة الدخل على اقتناء مسكن رسمي ويتوقّع أن يصل إلى أكثر من 3.6 مليون مستفيد في الفئات المنخفضة الدخل، للحلول محل 150 ألف وحدة سكنية في الأحياء الفقيرة. ومن الأمثلة الأخرى إنشاء لجنة وزارية وطنية لتنسيق تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية ومتابعتها، وإنشاء وحدة التنمية المستدامة ضمن الجهاز المركزي للإحصاء لمراقبة وتقييم تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية ورؤية مصر 2030. (Egypt, 2016)
وهكذا فإن نقطة انطلاق البلدان العربية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة هي المستوى الذي بلغته في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. وثمة اختلافات ملحوظة في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في المنطقة. فقد حقّقت بعض البلدان تقدّماً قوياً في معظم المؤشّرات، مثل بلدان مجلس التعاون الخليجي، في حين شهدت بلدان أخرى تقدّماً محدوداً أو معدوماً. وحققت البلدان الأقل نمواً، إضافة إلى العراق وفلسطين، أدنى معدلات الأداء، نتيجة لظروفها الخاصة. ومن أبرز إنجازات المنطقة التقدّم نحو أهداف التعليم والصحة، وتوسيع الوصول إلى الصرف الصحي المحسّن. ويعني ذلك أن المنطقة في موقف جيد للوفاء بتحدّيات التنمية المستدامة التي تنتظرها. أما في الجانب السلبي، فإن المنطقة لا تزال دون هدف خفض نقص التغذية بنحو 20 في المئة، وفي توفير الوصول إلى مياه الشرب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفجوة بين البلدان العربية الغنية والفقيرة تظهر في المؤشّرات الصحية بوضوح.