سجلت معدلات درجات الحرارة العالمية ارتفاعاً قياسياً خلال صيف 2010، تسبب بخسائر اقتصادية وأضرار بيئية لا تحصى. وانخفض الانتاج الزراعي في معظم المناطق وارتفعت أسعار المنتجات. وأدرك كثير من الناس للمرة الأولى أن تغيراً مناخياً يحدث حقاً.
قصة المزارعين اللبنانيين مثال على ما حدث. فالتأثير السلبي لارتفاع درجات الحرارة شمل جميع المناطق اللبنانية. ففي سهل البقاع، وهو المنطقة الزراعية الرئيسية في لبنان، سجلت أرقام قياسية وصلت الى 48 درجة مئوية في الظل خلال آب (أغسطس) 2010، في حين راوحت درجات الحرارة القصوى في السنوات السابقة بين 38 و40 درجة مئوية.
المهندس الزراعي نظام حمادة، مستشار وزير الزراعة، قال ان درجات الحرارة المرتفعة خلفت تأثيرات سلبية حادة على الانتاج الزراعي في لبنان، بما في ذلك الفواكه والخضار والمواشي ومشتقات الألبان. ونتيجة لارتفاع معدل درجات الحرارة اليومية، بالمقارنة مع المستويات العادية في السنوات السابقة، فان الزهر لم يعطِ ثمراً. أما الثمار غير الناضجة فقد توقفت دروة نموها، ما أدى الى سقوطها بكثافة أو تشوهها وفقدان لونها. وتأثرت جميع الفواكه خلال الصيف والخريف المنصرمين، خصوصاً التفاح وبعض الفواكه الأخرى التي تنضج في هذين الفصلين.
التفاح من الفواكه المهمة في لبنان التي تعرضت لأشد الأضرار. فعلى رغم الري المنتظم والادارة الجيدة للمزارع، كانت الخسائر الاقتصادية التي تكبدها المزارعون ضخمة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في أشهر الصيف. وقال مسؤول في شركة «غابي وسيتو» لانتاج الفواكه والاتجار بها، ومقرها في بلدة كفريا، إن التفاح الأحمر على الأخص عانى أشد الأضرار. وبلغ سقوط الفواكه قبل النضج 10 أضعاف المعدل الطبيعي، نتيجة جفاف سويقات الثمار. وفي كثير من المواقع سقط 50 في المئة من التفاح الأحمر تحت الأشجار. حتى في المناطق الجبلية الباردة، سقطت كميات ضخمة من الثمار قبل نضجها. وعانى التفاح المتبقي على الأشجار من بطء في النمو، ما أدى الى انتاج ثمار صغيرة زهيدة القيمة التجارية. واضافة الى ذلك، حدث عطل في عملية احمرار الثمار. ففي حين يبدأ التفاح عادة اكتساب لونه الأحمر خلال شهر آب (أغسطس)، توقفت هذه العملية نتيجة موجات الحر، بل بدأت الثمار تخسر لونها وتصبح شاحبة المظهر. وهذا أثر على صلاحيتها للتسويق. ونتيجة لذلك، بيع التفاح المتبقي على الأشجار بسعر أدنى 25 في المئة من سعره في السنوات العادية.
الإجاص كان أقل تأثراً. لكن أشعة الشمس شَوَت ثمار بعض الأنواع على الأغصان، فانخفض معدل نموها وأصيبت بتشوهات. كل هذا أدى الى خسائر اقتصادية للمزارعين، وللتجار الذين اشتروا الثمار مقدماً.
الحمضيات، خصوصاً البرتقال الساحلي، تأثرت الى أقصى الحدود. بقي لون البرتقال شاحباً وطالت فترة نضجه وجنيه. وكان حجم الثمار أصغر مما في السنوات العادية، واحتوت على كميات أقل من العصير، ما خفض قيمتها.
الزيتون الذي يتحمل الجفاف ودرجات الحرارة العالية تأثر أيضاً، وسقطت أوراقه. حتى في البساتين المروية، ذبلت ثمار الزيتون الناضجة وسقطت أرضاً. وأفاد مزارعون أنهم لم يشهدوا مثل هذه الأحداث منذ زمن طويل. وأدى سقوط الزيتون الى خفض دخل المزارعين.
العنب في سهل البقاع محصول رئيسي آخر عانى بشكل كبير، خصوصاً في المزارع التي تم فيها تخفيف أوراق الدوالي لكشف العناقيد. وجفت أعداد هائلة من عناقيد العنب فتحولت الى كتل داكنة اللون، وانخفض المحصول كثيراً.
وأثَّر ارتفاع درجة الحرارة على انتاج الجوز والخرمة (كاكي) والخوخ وسواها. حتى الصبير الذي هو من النباتات الأكثر تحملاً للجفاف تأثر كثيراً بموجات الحرارة، فاصفرت ثماره قبل أن تنضج وسقط كثير منها.
من ناحية أخرى، كان معدل النمو السنوي لأغصان الأشجار أقل بنحو الثلث مما في السنوات العادية، حتى في البساتين المروية جيداً. ويتخوف المزارعون من أن يؤدي ذلك الى خفض الانتاج في السنة المقبلة.
انتكاس الانتاج النباتي والحيواني
باختصار، تكبد المزارعون خسائر فادحة بسبب درجات الحرارة القاسية. ومن ناحية أخرى، ازدادت حدة التدهور البيئي في شكل انجراف للتربة واتساع في رقعة التصحر. لكن ماذا يجب على المرء أن يفعل لاحقاً؟ هناك احتمال كبير أن تشهد المجتمعات حول العالم أحوالاً مناخية مماثلة. لذا يجب الاستعداد لحدوث الأسوأ. فعلى سبيل المثال، يمكن تخزين مياه الأمطار لتحقيق الأمن المائي، وزراعة أنواع نباتية تتحمل درجات الحرارة المرتفعة.
كادر
انعكاسات الطقس الحار في لبنان صيف 2010
- ازدادت أسعار الفواكه والخضار في سوق البيع بالتجزئة مرتين أو ثلاث مرات، ما أثر على سبل عيش العائلات ذات الدخل المنخفض أو المتوسط.
- أُجبر المزارعون على ري مزروعاتهم مرتين اضافيتين على الأقل خلال أشهر الصيف الحارة، فتكبدوا نفقات اضافية واستنزفوا الموارد المائية المتوافرة.
- بسبب ازدياد غزوات الآفات، رش المزارعون مبيدات كيميائية إضافية، ما كبدهم خسائر اقتصادية وتسبب بتدهور بيئي. حتى أعداد الذباب والبعوض المنزلي الشائع ازدادت بشكل كبير، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
- انخفضت إمدادات المياه للاستعمال المنزلي بين 25 و50 في المئة. وهذا أدى الى جفاف نباتات الحدائق المنزلية.
- ذابت الثلوج على الجبال العالية قبل أشهر من الموعد العادي، ما خفض تغذية الطبقات المائية الجوفية.