تقرير جديد من الإسكوا والفاو عن الأمن الغذائي العربي، يعرض للتحديات والفرص ويؤكد أن معظم البلدان العربية مضطرة إلى استيراد الغذاء لسدّ العجز. ودعوة إلى تعزيز الأمن الغذائي بالتعاون الإقليمي بين البلدان العربية وتعزيز الإنتاجية ووقف الهدر وتعديل أنماط الاستهلاك.
تحديات الأمن الغذائي العربي موضوع تقرير هام صدر حديثاً بعنوان "آفاق المنطقة العربية 2030: تعزيز الأمن الغذائي". وهو عمل مشترك بين اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).
يقدّم التقرير، الذي يقع في 162 صفحة، عرضاً لوضع الإنتاج الغذائي في المنطقة العربية. ويتطرق الجزء الأول إلى الازدياد السكاني المتسارع والاعتماد على الواردات الغذائية، مع اعتبار الحصول على الغذاء تحدياً اقتصادياً في الدرجة الأولى. ويشير إلى أن نقص التغذية في بعض المناطق العربية يواجهه استهلاك مفرط وبدانة في مناطق أخرى. كما يلاحظ أن النزاعات المسلحة وتغير المناخ تفاقم تحديات الأمن الغذائي. أما الجزء الثاني، فيعرض لقضايا مختارة، بينها اعتماد 40 في المئة من السكان على الزراعة، مع أن مساهمتها في الناتج المحلي لا تتجاوز 7 في المئة. ويركز على دور تحسين شروط التجارة في المنتجات الغذائية لتحقيق الأمن الغذائي، كما يبيّن أهمية الحد من الفقر في الأغذية في مراحل النقل والتخزين والاستهلاك. ومما جاء في هذا الجزء:
"ﻳﺗﺷﻛﻝ ﻣﻌﻅﻡ ﺍﻟﻧﻅﺎﻡ ﺍﻟﻐﺫﺍﺋﻲ ﺍﻟﻳﻭﻣﻲ ﺍﻟﻣﻌﺗﺎﺩ ﻟﻠﻣﻭﺍﻁﻥ ﺍﻟﻌﺭﺑﻲ ﻣﻥ ﺍﻟﺣﺑﻭﺏ ﻭﺍﻟﺳﻛﺭ ﻭﺍﻟﺯﻳﺕ، ﻣﺎ ﻳﺯﻳﺩ، ﺑﺎﻟﺗﺭﺍﻓﻖ ﻣﻊ ﺗﺩﻧﻲ ﻣﺳﺗﻭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻧﺷﺎﻁ ﺍﻟﺑﺩﻧﻲ ﺑﻳﻥ ﺳﻛﺎﻥ ﺍﻟﻣﺩﻥ، ﻣﻥ ﺧﻁﺭ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻭﺯﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﺑﺩﺍﻧﺔ ﻭﻣﺎ ﻳﻧﺗﺞ ﻋﻧﻬﻣﺎ ﻣن ﺃﻣﺭﺍﺽ... ﻭﻳﺅﺩﻱ ﺍﻟﺗﺣﻭﻝ ﺇﻟﻰ ﻧﻅﻡ ﻏﺫﺍﺋﻳﺔ ﺻﺣﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺧﻔﺎﺽ ﺍﺳﺗﻬﻼﻙ ﺍﻟﺣﺑﻭﺏ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﺳﺗﻬﻼﻙ ﺍﻟﺑﺭﻭﺗﻳﻧﺎﺕ ﻣﻥ ﻣﺻﺎﺩﺭ ﻧﺑﺎﺗﻳﺔ ﻭﺣﻳﻭﺍﻧﻳﺔ. ﻭﻳﺭﺟﺢ ﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺳﻳﻧﺎﺭﻳﻭ ﺃﻥ ﻳﺯﻳﺩ ﺍﻹﻧﺗﺎﺝ ﺍﻟﻣﺣﻠﻲ ﻣﻥ ﺍﻟﺑﺭﻭﺗﻳﻧﺎﺕ ﺍﻟﺣﻳﻭﺍﻧﻳﺔ (ﺍﻟﻠﺣﻭﻡ ﺍﻟﺣﻣﺭﺍء ﻭﺍﻟﺩﻭﺍﺟﻥ ﻭﻣﻧﺗﺟﺎﺕ ﺍﻷﻟﺑﺎﻥ)، ﻭﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗﻅﻝ ﻏﻳﺭ ﻛﺎﻓﻳﺔ ﻟﻣﻭﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺯﻳﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﺗﻬﻼﻙ، لا سيما في أقل البلدان نمواً وبلدان المشرق العربي".
أما الجزء الأخير، فيعرض لبعض السياسات المقترحة لتعزيز الأمن الغذائي العربي. ومن أهم توصياته أن يحدّد كل بلد استراتيجيته الخاصة لضمان استقرار توفر الغذاء، بناء على طبيعته الجغرافية-المناخية وبيئته السياسية. كما يحث التقرير على دعم البحث العلمي والتطوير والارشاد الزراعي، ويوصي بالحرص على إدارة المياه، ووضع آليات جديدة وأكثر فعالية للحدّ من فقد الأغذية وهدرها في جميع مراحل الانتاج والنقل والتخزين.
وعند تقديم التقرير في مقر الإسكوا في بيروت في 1 شباط (فبراير)، لاحظ بعض الخبراء المشاركين أنه يعتبر الاكتفاء الغذائي الذاتي في المنطقة العربية نوعاً من الاستحالة. وإذا كان هذا صحيحاً على المستوى المحلي في معظم البلدان، فقد وجدت تقارير أخرى أنه يمكن تحسين مستويات الاكتفاء الذاتي بدرجات عالية وتحقيق الأمن الغذائي، خاصة من طريق تعزيز التعاون في ما بين البلدان العربية المتنوعة في إمكانات إنتاج الغذاء، بالاستفادة من الميزات التفاضلية. وهذا بالتوازي مع رفع الإنتاجية، وتقليل الهدر، وتعديل الأنماط الاستهلاكية. فتوافر الإمكانات المالية لاستيراد الغذاء قد يحلّ بعض المشكلة في الدول الغنية، لكنه لا يشكل حلاً في الدول ذات الموارد المالية المحدودة. وفي حين يتفق الخبراء على أن الاعتماد على استيراد الغذاء ضروري في المدى القصير لحل مشاكل عاجلة، لكنه لا يشكل حلاً مستداماً في المدى الطويل.
يركّز التقرير على الكمية في دعوته إلى تغيير أنماط استهلاك الغذاء، وذلك للحد من البدانة. وقد أشار البعض إلى أهمية تبديل أنواع الطعام كأحد أساليب تحسين الأمن الغذائي، خاصة أن التقرير تزامن مع قرار الحكومة المصرية خفض مساحات الأراضي المخصصة لزراعة الأرز، الذي يتطلب كميات كبيرة من المياه، التي لم يعد ممكناً توفيرها للأعداد المتزايدة من السكان. وكانت خطوة الحكومة المصرية استجابة لدراسات سابقة أكدت على ضرورة بدء تعويد الناس على أنماط استهلاكية تقودهم إلى استبدال الأرز بمحاصيل غذائية أخرى، تعطي القيمة الغذائية نفسها لكنها تتطلب كميات أقل من المياه لإنتاجها.
كما أنّ بعض الخبراء المشاركين أشارو إلى أن المطلوب ليس خفض استهلاك الحبوب "لأسباب صحية" وزيادة إنتاج اللحوم الحمراء، بل المطلوب خفض استهلاك بعض أنواع الحبوب المصنّعة، مع زيادة استهلاك الحبوب الطبيعية الكاملة الغنية بالألياف. علماً أن الاتجاهات العالمية الحديثة، في البيئة والصحة، تدعو إلى خفض استهلاك اللحوم الحمراء. وهناك ضرورة ملحة للاهتمام بلحوم الأسماك كجزء أساسي من البدائل الممكنة لتحسين الأمن الغذائي. وقد أشارت تقارير سابقة للمنظمة العربية للتنمية الزراعية وغيرها إلى إمكانية زيادة الإنتاج السمكي أضعافاً في المنطقة العربية، بما يخدم الأمن الغذائي والصحي على السواء.
التمهيد: إنتاجية منخفضة وتحديات متزايدة
وهنا التمهيد الذي كتبه محمد علي الحكيم، الأمين التنفيذي للإسكوا، وغرازيانو دا سيلفا، مدير عام الفاو:
"ﺃﺳﻔﺭ ﺍﻋﺗﻣﺎﺩ ﺧﻁﺔ ﺍﻟﺗﻧﻣﻳﺔ ﺍﻟﻣﺳﺗﺩﺍﻣﺔ ﻟﻌﺎﻡ 2030 وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر المرتبطة بها في عام 2015 ﻋﻥ ﺗﺟﺩﻳﺩ ﺍﻻﻟﺗﺯﺍﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ﺑﺧﻁﺔ ﺗﺣﻭﻳﻠﻳﺔ ﺗﺭﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺗﺣﻘﻳﻖ ﺗﻘﺩﻡ ﺍﻗﺗﺻﺎﺩﻱ ﻭﺍﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻭﺑﻳﺋﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺣﻭ ﻣﺗﻛﺎﻣﻝ ﻭﻣﺳﺗﺩﺍﻡ ﻗﺎﺋﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺧﺻﻭﺻﻳﺎﺕ ﺍﻹﻗﻠﻳﻣﻳﺔ ﻭﺍﻟﻣﺣﻠﻳﺔ ﻭﻳﻌﺩ ﺑﺄﻻ ﻳﺗﺭﻙ ﺃﺣﺩ متخلفاً عن الركب. ﻭﻓﻲ صلب ﺧﻁﺔ ﺍﻟﺗﻧﻣﻳﺔ ﺍﻟﺟﺩﻳﺩﺓ ﻫﺫﻩ ﺗﻘﻊ ﻗﺿﻳﺔ ﺍﻟﺯﺭﺍﻋﺔ ﺍﻟﻣﺳﺗﺩﺍﻣﺔ ﻭﺍﻷﻣﻥ ﺍﻟﻐﺫﺍﺋﻲ، التي تشكل ﻣﺻﺩﺭ قلق ﻛﺑﻳﺭ ﻟﻠﻣﻧﻁﻘﺔ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ، ﻻ ﺳﻳﻣﺎ ﻓﻲ ﺿﻭء ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﻐﺫﺍء ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﺩ ﺍﻟﻣﺎﺿﻲ.
ﻭﺗﻭﺍﺟﻪ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ تحديات عديدة تشمل: ندرة الموارد الطبيعية ﻭﺗﻧﺎﻗﺻﻬﺎ؛ ﻭﺗﻧﺎﻣﻲ ﺍﻟﻁﻠﺏ ﺇﺫ ﻳﺗﺯﺍﻳﺩ ﻋﺩﺩ ﺍﻟﺳﻛﺎﻥ وﻳﺻﺑﺣﻭﻥ ﺃﻛﺛﺭ ﺛﺭﺍءً؛ ﻭﺃﺯﻣﺎﺕ ﺍﺟﺗﻣﺎﻋﻳﺔ ﻭﺳﻳﺎﺳﻳﺔ ﻣﺩﻳﺩﺓ، تشمل حروباً واحتلالاً يتوقع أن تتواتر ويتفاقم أثرها مع تغير المناخ. وتكمن في هذه التحديات قضايا كتزايد أوجه اللامساواة، والهجرة بسبب العوز، وسوء إدارة الموارد وممارسات الهدر، وجميعها يعوق تحقيق الاستدامة عموماً والأمن الغذائي خصوصاً.
وظل الأمن الغذائي يشغل موقعاً متقدماً في جدول أعمال بلدان المنطقة، وأسفر ذلك عن تحقيق أربعة عشر بلداً عربياً لهدف الجوع من الأهداف الإنمائية للألفية، الذي ينص على خفض انتشار الجوع إلى النصف خلال الفترة 1990 – 2015. واستمرت زيادة نصيب الفرد من الإنتاج الغذائي وتناقص سوء التغذية في البلدان غير المتأثرة بالنزاعات. ونجحت عدة بلدان في المنطقة في وضع الزراعة على مسار التحول الهيكلي، محققة نتائج إيجابية من حيث الصادرات الغذائية والحد من الفقر.
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﻏﻡ ﻣﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺟﻬﻭﺩ ﺍﻟﺟﺩﻳﺭﺓ ﺑﺎﻟﺛﻧﺎء، ﻻ ﻳﺯﺍﻝ ﺍﻷﻣﻥ ﺍﻟﻐﺫﺍﺋﻲ ﻣﺻﺩﺭ ﻗﻠﻖ ﻣﺳﺗﻘﺑﻠﻲ ﻛﺑﻳﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ. ﻓﻼ ﺗﺯﺍﻝ ﺍﻹﻧﺗﺎﺟﻳﺔ ﺍﻟﻣﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﻣﻭﺍﺭﺩ ﺍﻟﻁﺑﻳﻌﻳﺔ ﻣﻧﺧﻔﺿﺔ ﻧﺳﺑﻳﺎً، ﻭﻻ ﺗﺯﺍﻝ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ ﺗﺗﺄﺛﺭ ﺇﻟﻰ ﺣﺩ ﻛﺑﻳﺭ ﺑتقلبات أسواق الأغذية العالمية. ﻭﺗﺷﻳﺭ ﺍﻟﺗﻭﻗﻌﺎﺕ ﺍﻟﺑﺩﻳﻠﺔ ﻵﻓﺎﻕ ﻋﺎﻡ 2030، والقائمة على سيناريوهات ﻭﺍﻓﺗﺭﺍﺿﺎﺕ ﻣﻧﻁﻘﻳﺔ، ﺇﻟﻰ ﻣﺳﺗﻘﺑﻝ ﺃﻓﺿﻝ ﺑﻌﺽ ﺍﻟﺷﻲء ﻟﻺﻧﺗﺎﺝ ﺍﻟﻣﺣﻠﻲ، ﻟﻛﻥ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ ﺳﺗﻅﻝ ﺗﻌﺗﻣﺩ ﻓﻲ ﺗﻠﺑﻳﺔ احتياجاتها ﺍﻋﺗﻣﺎﺩاً كبيراً على واردات الأغذية، ما قد يثير ﺗﺣﺩﻳﺎﺕ ﻣﺗﺯﺍﻳﺩﺓ ﻷﻗﻝ ﺑﻠﺩﺍﻥ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ نمواً.
يقدم هذا التقرير استعراضاً متعمقاً وشاملاً للحالة السائدة للأغذية والزراعة في المنطقة العربية، إلى جانب نتائج بديلة للمستقبل. وقد أعدَّ بشراكة بين لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، والمكتب الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا التابع لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وتعمل منظمتانا دون كلل لدعم البلدان الأعضاء في كل منهما، ومساعدتها في تحقيق المزيد من الأمن الغذائي من خلال التصدي للتحديات المتزايدة، وتنفيذ الاستراتيجيات والبرامج المبتكرة، واعتماد سياسات سليمة لتحقيق الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في المنطقة.
ومن المأمول أن يعزز هذا التقرير حواراً قائماً على الأدلة عن السياسات يتناول القضايا المتعلقة بالأمن الغذائي والتنمية المستدامة في المنطقة العربية، ليس فقط بين صناع القرار الملتزمين باستمرار رفاهية السكان العرب، بل أيضاً بين عامة الجمهور، بما في ذلك المجتمع المدني ووسائط الإعلام".