حين عقدت الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) اجتماعها السنوي الثامن في أبوظبي الشهر الماضي، كان البعض ينتظر تراجع الاستثمارات في الطاقة النظيفة، في ظل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ما حصل كان عكس هذا تماماً، إذ أثبتت الطاقة المتجددة أنها الرقم الصعب في مزيج الطاقة، وأن من يخرج على قواعد اللعبة الجديدة يُخرج نفسه من السوق.
المنطقة العربية ليست بعيدة عن هذه التطورات، كما برز جلياً في اجتماعات أبوظبي. فإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة سيزداد أربعة أضعاف في أقل من عشرين سنة، ليتجاوز عشرين في المئة، مع أن الغاز سيبقى المصدر الرئيسي للكهرباء خلال هذه الفترة. ويبدو أن السعودية ستشهد أكبر مشاريع الطاقة المتجددة خلال السنوات المقبلة، بحيث تنطلق هذه السنة ثمانية مشاريع تتجاوز قدرتها 4 جيغاواط. وستغطي الشركات الفائزة بالعروض التمويل بالكامل، على أن تلتزم الحكومة شراء إنتاجها من الكهرباء بسعر محدد لفترة 25 سنة. ومع اشتداد التنافس واستمرار الانخفاض في أسعار الألواح الشمسية، من المتوقع أن تنجح السعودية في استقطاب السعر الأدنى عالمياً، بنحو 2.3 سنت لكل كيلوواط/ساعة. وهذا هو السعر الأرخص لتوليد الكهرباء من أي مصدر للطاقة، مهما كان نوعه. وتستمر شركة أبوظبي لطاقة المستقبل، "مصدر"، باستثماراتها في الطاقة المتجددة محلياً وعالمياً، بينما يندفع القطاع الخاص في مشاريع توليد الكهرباء من الشمس والرياح في البلدان التي وضعت قوانين تشجّع الاستثمارات وتحميها، مثل المغرب والأردن.
وبالتزامن مع اجتماعات "إيرينا"، أعلنت معظم شركات السيارات العالمية برامج لتحويل جزء كبير من إنتاجها إلى المحرّكات الكهربائية. فشركة بيجو – ستروان الفرنسية ستقدم خياراً كهربائياً لجميع طرازات سياراتها بحلول سنة 2025، بعد إعلان مشابه من فولفو السويدية، حدد سنة 2020 موعداً لهذا التحوّل. وخصصت شركة فورد الأميركية استثمارات بقيمة 11 بليون دولار لتطوير 40 طرازاً من السيارات الهجينة والكهربائية قبل سنة 2022. أما شركة جنرال موتورز فتعمل على تطوير سيارات كهربائية رخيصة الثمن ومربحة مع سنة 2021. وهي تركز على التوسع في السوق الصينية، مع محاولتها اللحاق بشركة "تسلا"، رائدة التكنولوجيا الكهربائية في سوق السيارات الأميركية. والأكيد أن انخفاض كلفة إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة النظيفة كان الدافع الرئيسي وراء الطفرة في السيارات الكهربائية، مع إعلان بعض المدن، مثل باريس ولندن، عن منع السيارات العاملة بالوقود السائل والغاز خلال فترة تمتدّ بين عشر سنوات وعشرين سنة.
مع هذه التطورات المتسارعة، من المتوقع أن يرتفع عدد السيارات الكهربائية في العالم من 3 ملايين اليوم إلى 300 مليون سيارة خلال 15 سنة، أي نحو 15 في المئة من أسطول السيارات العالمي. لكن شركة "مبادلة" للبترول الإماراتية لا تستبعد سيناريو أكثر تطرّفاً، إذا فرضت الدول حظراً سريعاً على السيارات العادية ذات محركات الاحتراق الداخلي، حفاظاً على الصحة ولوقف انبعاثات الكربون المسببة لتغيّر المناخ. ففي هذه الحال، قد يتراجع استخدام البترول في وسائل النقل على نحو خطير قبل سنة 2040. لهذا تندفع الدول المنتجة للبترول نحو الاستفادة القصوى من الدخل الحالي في تنويع اقتصاداتها سريعاً، تحسباً لتغيير جذري، تدل جميع المؤشرات أنه آتٍ حتماً في فترة تراوح بين 20 و30 سنة.
وفق وكالة "بلومبرغ"، تجاوزت الاستثمارات في الطاقة المتجددة عام 2017 عتبة 300 بليون دولار. وإذا كانت نسبة زيادة الاستثمار عن عام 2016 لا تتجاوز 3 في المئة، لكن نسبة زيادة الإنتاج الفعلي للكهرباء تزيد عن هذا كثيراً. فمع انخفاض أسعار الإنتاج من الشمس والرياح، بات كل بليون دولار يتم استثماره اليوم يعطي كمية أكبر من الكهرباء مقارنة بالسنة السابقة.
على مستوى العالم، تتوقع "بلومبرغ" أن يتم سنة 2018 تركيب تجهيزات شمسية بقدرة 107 جيغاواط، مرتفعة من 98 جيغاواط قبل سنة، مع بقاء الصين في الطليعة بنحو نصف الكمية الإجمالية. أما إنتاج الكهرباء من الرياح فيرتفع من 56 جيغاواط عام 2017 إلى 59 جيغاواط هذه السنة. ومع الاستمرار في انخفاض أسعار البطاريات ومضاعفة فاعليتها، ستنخفض كلفة تخزين الكهرباء إلى حدود غير مسبوقة، ما ينعكس أيضاً انخفاضاً في أسعار السيارات الكهربائية. وعلى الرغم من تدابير الرئيس ترامب لدعم الفحم الحجري، سيستمر هذا الفحم في التراجع ليس لأسباب بيئية فقط، بل لأنه لم يعد مجدياً اقتصادياً.
مستقبل الطاقة لا تحكمه متطلبات البيئة والمناخ فقط، بل الوقائع الاقتصادية أيضاً.
|