منذ عام 2007، شهدت المنطقة العربية عدداً من التغيرات بسبب الدورات الاقتصادية والحركة السكانية وتبدّل المواقف تجاه تغير المناخ والطاقة المتجددة. فقد تم التسليم منذ فترة طويلة بأن حجر الزاوية في أية استراتيجية للاقتصاد الأخضر يتمثل في بمعالجة الجزء الكبير من الوقود الأحفوري الذي يُستهلك لتلبية الطلب المحلي. وعلى هذا النحو، شرعت المنطقة في تنفيذ استراتيجية قوية لفصل معدلات النمو عن انبعاثات الكربون، وذلك من خلال تبني كفاءة الطاقة وإدارة جانب الطلب، خاصة عن طريق نشر الطاقة المتجددة. بالتوازي مع ذلك، انخفضت تكلفة الألواح الشمسية خلال العقد الماضي بأكثر من 80 في المئة، مما أدى إلى مبادرات إقليمية تشمل بعض أكبر محطات الطاقة المتجددة في العالم. وقد سعت المملكة العربية السعودية سنة 2017 إلى عطاءات من الشركات المحلية والعالمية لبناء محطات لطاقة الرياح والطاقة الشمسية بسعة إجمالية تبلغ 700 ميغاواط، وذلك كبداية لتحقيق هدفها المتمثل في توليد ما لا يقل عن 9.5 جيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2030. وقد دخلت الحكومة الأردنية في اتفاقات متعددة لمشاريع الطاقة الشمسية بسعة إجمالية تصل إلى ألف ميغاواط، ليتم تشغيلها سنة 2018. وشهد تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي منح عقد لمحطة شمسية في المغرب بقدرة 176 ميغاواط، وهي مرحلة جديدة ضمن برنامج "نور" للطاقة الشمسية، الذي يهدف إلى تطوير قدرة كهربائية تبلغ 2 جيغاواط بحلول 2020. وحالياً فإن 165 ميغاواط من الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية تستخدم لتشغيل آلاف المنازل في المغرب خلال النهار ولمدة ثلاث ساعات في الليل.
في أوائل سنة 2017، أعلنت معظم دول مجلس التعاون الخليجي، وجميع مزودي الخدمات في المنطقة، عن خطط طموحة لمشاريع الطاقة الشمسية الضوئية والمركزة. وكانت "أكوا باور" جزءاً من بداية هذه النهضة المتجددة، بما اعتُبر أدنى تعرفة عالمية على الإطلاق في ذلك الوقت، بلغت 5.86 سنتاً أميركياً لكل كيلوواط/ساعة، لمحطة توليد الطاقة الضوئية لمحطة محمد بن راشد الكهرضوئية في دبي. بلغت قدرة المحطة 200 ميغاواط. وتم تشغيلها بنجاح قبل أسبوعين من الموعد المقرر في آذار (مارس) 2017، وتقوم الآن بتوريد الكهرباء إلى 50 ألف منزل في دبي، وتحدّ من انبعاثات الكربون بمقدار 214,000 طن سنوياً. وقد انخفضت أسعار العروض اللاحقة للكهرباء الشمسية أكثر من ذلك، وهي، إلى جانب سرعة التركيب بالمقارنة مع محطات طاقة الوقود الأحفوري، تجعل التكنولوجيا قابلة للحياة وجذابة جداً.
وستشهد السنوات المقبلة انتشاراً واسع النطاق لمحطات الطاقة المتجددة التي ستزود الطاقة على مدار الساعة باستخدام التخزين الحراري والبطاريات، مما يجعلها محطات تحميل أساسية. تكنولوجيا البطارية لتخزين الكهرباء المنتجة خلال النهار للاستخدام ليلاً، تصل إلى نقطة انعطاف مع انخفاض التكلفة وزيادة القدرة. وبالإضافة إلى ذلك، سيتم تزويد محطات تحلية المياه بشكل متزايد بالطاقة المتجددة والتقنيات الهجينة. إن الجمع بين كل من مصادر الطاقة المتجددة الرخيصة مع تخزين أرخص، جنباً إلى جنب مع إمكانات الطاقة الشمسية في المنطقة والأراضي الشاسعة المتوافرة لبناء المحطات الشمسية، يمكّن من الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر وحيد للطاقة.
وعلى مدى العقد الماضي، نفذت جميع الحكومات الإقليمية ومرافق الخدمات أنظمة معدّلة للتسعير، حفزت المستخدمين على تجنب الاستهلاك المفرط. وتجنبت هذه السياسات تفشي هدر الموارد الثمينة غير المتجددة، كما ساهمت في تخفيف الاستثمارات، وبالتالي خفضت كثافة الكربون في الاقتصادات الوطنية. وأصبحت الأهمية الاستراتيجية لإدارة جانب الطلب متأصلة الآن في استراتيجيات النمو. وبالتوازي مع هذه الأدوات الاقتصادية الناجحة، لا يزال النمو والطلب على الطاقة والمياه في المنطقة سريعاً وقويّاً وينمو بسرعة لمواكبة التنمية الاقتصادية الاجتماعية.
كان إيجاد التمويل للمشاريع التنموية الرئيسية طريقاً وعراً على مدى العقد الماضي، حيث شهدت بعض الفترات سيولة وتوافراً في التمويل، بينما شهدت فترات أخرى تخفيضات حادة ودراماتيكية، زادت من المخاطر على المانحين. وفي الوقت نفسه، تبنى التمويل المحلي والدولي بشكل متزايد مبادئ الإقراض المسؤول بيئياً واجتماعياً، وضعت أسساً تحدد معايير الاستدامة لضمان المخاطر البيئية والاجتماعية لأي مشروع. هذه المعايير التي وضعتها المؤسسات المالية العالمية تدفع المنطقة لتلبية الاشتراطات الدولية لتمويل المشاريع. وبالإضافة إلى ذلك، أدرجت هذه المعايير في السنوات الأخيرة كشرط أدنى في طلبات تقديم مقترحات من المرافق الوطنية. هذا النضج التدريجي للأداء البيئي والاجتماعي شكّل تغييراً ملحوظاً يعود بالفائدة على جميع الأطراف وأصحاب المصلحة.
وكان التغيير الكبير الأخير هو زيادة الالتزام بتقديم التقارير البيئية والاجتماعية من جانب المنظمات العامة والخاصة. وقد حفز هذا التغيير مجموعة من العوامل، بما في ذلك استراتيجيات المنظمات لتصبح "الأفضل في فئتها" من الناحية البيئية والاجتماعية، ومتطلبات الحكومات المركزية ودعم وتشجيع المنظمات غير الحكومية الإقليمية. وتؤكد المنظمات غير الحكومية، مثل "أفد"، على فوائد المسؤولية الاجتماعية للشركات، مع تطوير الدعم والفهم على المستوى الشعبي. وكان المنتدى اعربي للبيئة والتنمية (أفد) رائداً في العمل مع مئة شركة إقليمية لاطلاق مبادرة "المسؤولية البيئية للشركات" عام 2007. ويظهر استعراض قواعد البيانات الدولية لتقارير المسؤولية الاجتماعية للشركات الإقليمية تطور تقارير الشركات، التي لا يمكن أن تتحقق إلا بتغييرات في استراتيجيات الشركات وقيادتها. فتقارير الاستدامة الخاصة بقادة القطاع تتضمن الآن، بشكل روتيني، بيانات ضمان مستقلة كما هو شائع في أوروبا، والتي تدعم طلبات أصحاب المصلحة المحليين والدوليين من أجل الشفافية.
إن استمرار الانخفاض في كثافة الكربون من إمدادات الطاقة، إلى جانب الزيادات في كفاءة الاستهلاك والتركيز على السلوك المسؤول للشركات، كلها تبشر بالخير لاقتصاد أخضر مستدام وناجح في المنطقة العربية.
بادي بادماناثان، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "أكوا باور"
|