هبطت مبيعات البيض والدجاج في ألمانيا بشكل حاد بعد إطلاق إنذار صحي في 3 كانون الثاني (يناير) 2011، عندما أُعلن أن علفاً ملوثاً بالديوكسين السام أطعم للدجاج. أغلقت السلطات نحو 4700 مزرعة، وانتشر مئات المفتشين لمعاينة جميع المزارع التي يشتبه بأنها استعملت ذاك العلف، وتم إعدام آلاف طيور الدجاج. ونصح المستهلكون بألا يشتروا إلا البيض واللحم العضويين ريثما تنتهي أعمال المعاينة.
موجة الذعر كلفت المزارعين الألمان نحو 50 مليون يورو في الأسبوع. وما زال التحقيق جارياً مع شركة «هارلس أند ينتش» للدهون الصناعية والأعلاف، التي وزعت أحماضاً دهنية صناعية مخصصة لانتاج الورق والوقود الحيوي على مصنِّعي الأعلاف الحيوانية.
الفضيحة أغضبت المستهلكين وأثارت حالات تأهب صحية دولية. وقامت تظاهرات شعبية حمل بعضها شعار «طفح الكيل، لا للهندسة الوراثية والمصانع الحيوانية». وكانت الغضبة عارمة بشكل خاص لأن السلطات علمت بالتلوث قبل أشهر من إعلانه. وكانت اختبارات أجريت في آذار (مارس) 2010 أظهرت مستويات عاليـة من الديوكسين تتخطى الحدود المسموحة في أحماض دهنية أنتجتها تلك الشركة للاستعمال في تصنيع علف حيواني. وحظرت روسيا مستوردات لحوم الدجاج الألمانية، وفرضت الصين وكوريا الجنوبية قيوداً عليها، وعبرت بولندا وتشيكيا وبلدان أخرى عن قلقها بشأن مستورداتها الغذائيـة من ألمانيا.
وسارعت الحكومة الألمانية الى اتخاذ سلسلة تدابير عاجلة لتشديد الضوابط والمعايير الخاصة بصناعة الأعلاف ولسد الثغرات في نظام المعاينة والسلامة. فأقرت قانوناً جديداً يلقي مسؤولية إضافية على المختبرات الخاصة ويلزمها إبلاغ السلطات بتحاليل مشتبه بها لمواد غذائية أو أعلاف حيوانية. كما فرضت على الشركات المنتجة للأعلاف والمواد الغذائية أن تعلم السلطات بأي كميات من الديوكسين أو مواد خطرة أخرى تكتشف في منتجاتها. وهذا يتيح استحداث نظام للانذار المبكر بالتلوث. ومن التدابير التي يعتزم اتخاذها نظام ترخيص جديد لمصانع الزيوت والدهون التي تدخل في انتاج الأعلاف الحيوانية، وفصل إنتاج الدهون والزيوت المعدة للاستعمالات الصناعية عن تلك المعدة لاستعمالات العلف الحيواني. ويدرس الاتحاد الأوروبي حالياً سياسة لدعم أسعار بعض مستلزمات المزارع، من أجل تشجيع نظم زراعية محلية مستدامة ولا تعتمد على الشبكات التجارية المعقدة.
كيف حدث ذلك؟
لكننا اليوم نسمع عن مادة تستخدمها الصناعات الغذائية منذ بضع سنوات وتدعى «البيض السائل المعقم». وما يحدث في الواقع هو أن البيض يأتي غالباً من دجاج يربى في أقفاص داخل مزارع صناعية، ويباع الى شركة يتولى مصنعها نزع قشوره وتعريضه لحرارة عالية جداً، ما يقتل أي بكتيريا قد تسمم الغذاء الذي يدخل فيه. لكن الحرارة تتلف أيضاً الفيتامينات التي تجعل البيض مغذياً. والسبب الحقيقي لهذه المعالجة هو أن البيض السائل، بعد تعقيمه، يتحول الى منتج يدوم وقتاً طويلاً، مثل الحليب المعقم، بحيث يمكن توضيبه وتخزينه في درجة حرارة الغرفة لاستعماله بعد أشهر أو حتى سنوات. وهو يستخدم في المطاعم ومطابخ تعهد مآكل الحفلات. ويلجأ المصنعون في الدول الغربية بشكل متزايد الى استعمال هذا المكوِّن الغذائي الذي فقد طبيعته الخاصة، بسبب صرامة الأنظمة التي تحكم استعمال البيض النيء الطازج. هكذا يدخل في تشكيلة من السلع الغذائية، مثل الكعك والحلوى وفطائر الـ«كيش» والمايونيز وغيرها.
حادثة تلوث البيض الألماني التي ضجت بها أوروبا تبين كيف أصبحت المكونات الشائعة لصنع الغذاء سلعاً دولية، تشترى وتباع في سوق عالمية. البيض الملوث بالديوكسين أتى من ألمانيا، حيث أطعم الدجاج علفاً دخلت في تصنيعه دهون ملوثة بالديوكسين أعدت أصلاً لصناعة الورق أو الوقود الحيوي، لكنها وزعت على مصانع لإنتاج العلف. ومن ألمانيا أرسل البيض الى هولندا، قاطعاً مئات الكيلومترات، لمعالجته وتحويله الى بيض سائل معقّم. ثم نقل بحراً وبراً الى شركات في بلدان مختلفة استخدمته في إنتاج مواد غذائية تم توزيعها على المتاجر.
لكن سلسلة الامدادات الغذائية الطويلة والمعقدة ليست إلا جزءاً من المشكلة. فكثيراً ما تعمد مزارع المواشي والدواجن الصناعية الكبيرة الى استخدام أرخص علف حيواني ممكن لتخفيض نفقاتها الانتاجية، علماً أن العلف يشكل أكثر من 50 في المئة من كلفة الإنتاج. ولا ننسَ أن مرض جنون البقر (BSE) الذي تسبب بأكبر حالة ذعر صحي غذائي في تسعينات القرن العشرين نشأ من علف حيواني ملوث، كذلك تفشي الحمى القلاعية في بريطانيا عام 2001، وموجتا التسمم الغذائي بالديوكسين في بلجيكا عام 1999 وفي إيرلندا عام 2008.
في موجة الذعر الأخيرة التي شهدتها ألمانيا، تبين أن الدهن الصناعي الذي أضيف كمادة مكملة الى العلف يحتوي على مستويات من الديوكسين السام والمسرطن تفوق 5 مرات أو أكثر المستويات المأمونة بحسب المعايير الأوروبية. والديوكسين منتج ثانوي للصناعات الكيميائية، كما ينجم عن حرق النفايات وعمليات أخرى. وهو يتراكم في الطبيعة والأنسجة الدهنية في أجسامنا، خصوصاً من خلال استهلاك أغذية مصدرها حيوانات ونباتات تراكمت فيها مستويات منه. وعلى رغم أن أثر الديوكسين على صحتنا ليس فورياً، فإن التعرض الطويل لمستويات عالية منه قد يسبب أمراضاً سرطانية ويضر بجهازي المناعة والتناسل.
سلامة الغذاء في المنطقة العربية
فضيحة الديوكسين في ألمانيا ما زالت قيد التحقيق، وسوف تعرف تفاصيلها وينال المتورطون فيها قصاصهم. ولكن كم من الفضائح الغذائية تحصل في بلداننا العربية ويفلت صانعوها من العقاب؟ والى أي مدى يتم فحص سلامة الأعلاف والمواد الغذائية من الديوكسينات وبقايا المبيدات وغيرها من السموم... والمنتجات المعدلة وراثياً التي ما زال الجدل حامياً بشأن تأثيراتها الصحية؟
لذلك فإن الالتزامات التشريعية والمؤسساتية ضرورية في هذا الصدد. ويجب معالجة هذه القضايا على المستوى الاقليمي. فلدى كثير من بلدان المنطقة الموارد والقدرات اللازمة لأداء أفضل، والمفقود هو وعي واضح للموضوع. وعلى الحكومات العربية أن تنظر في ادخال اصلاحات مؤسساتيـة وإدارية وتدعم انشـاء مختبرات متطورة لضمان سلامة الغذاء الذي يتم انتاجـه وتصنيعه واستيراده.
أي خطر في الديوكسين؟
كادر
أكثر من 90 في المئة من التعرض البشري للديوكسينات يأتي عن طريق الغذاء، خصوصاً من الدهون الموجودة في اللحوم ومشتقات الألبان والأسماك والصدفيات. ومن أعراض التعرض لمستويات عالية منها ظهور بقع قيحيّة صفراء وبثور سوداء الرأس على الوجه والإبط والردف، إضافة الى اضطرابات في الكبد والقلب والغدة الدرقية. وفي مرحلة لاحقة تتعرض الأنسجة الرخوة لخطر الإصابة بأمراض سرطانية، خصوصاً سرطان الثدي، كما تحدث حالات من العقم وفقدان المناعة. وقد يواجه الأطفال الحديثو الولادة أخطار الديوكسين الصحية إذا تعرضت له أمهاتهم. ويزعم أن انتشار البثور في وجه الرئيس الأوكراني فيكتور يوشينكو هو نتيجة عملية تسميم بتذويب ديوكسينات في حسائه أثناء سعيه إلى السلطة.
غالباً، لا تكون الديوكسينات مميتة للبشر، فحتى في حالات التعرض الطويل لها يبدو أننا قادرون على تحمل كميات كبيرة منها في أجسامنا. لكن البعض أقل تحملاً لها من الآخرين. ولم تجد الدراسات الموسعة أن مستويات منخفضة من الديوكسينات تشكل خطر إصابة بأمراض سرطانية، ولكن تواصل دراسات حالية مراقبة التأثيرات المحتملة لتعرض طويل الأمد. ويبدي بعض العلماء خشية لأن الديوكسينات «تحب الدهون»، لذا تتراكم بمستويات منخفضة جداً في الأنسجة الدهنية. وهناك خشية أخرى، فالديوكسينات لا تتحلل بسهولة، ولذا يمكن أن تتراكم في البيئة.
وبنتيجة العمليات الصناعية، فإن كل لقمة نأكلها قد تحوي ديوكسينات بمستوى منخفض جداً.
بكتيريا وفيروسات تسبب حالات ذعر غذائية
كادر
سالمونيلا Salmonella
- فترة الحضانة: 12 الى 72 ساعة.
- الأعراض: إسهال وتقيؤ وحرارة مرتفعة. مميتة بنسبة 3 في المئة للمصابين بالسالمونيلا 401 TD، وهي أخطر سلالة لهذه البكتيريا.
جنون البقر Bovine spongiform encephalopathy (BSE)
- فترة الحضانة: قد تختلف وفق التركيبة الوراثية لكل شخص.
- الأعراض: هذا المرض الفيروسي الذي يصيب المسنين عادة يسبب صرعاً وعمى وضموراً دماغياً. ولا علاج له، والنتيجة دائماً الموت.
إي ـ كولي E-coli
- فترة الحضانة: بين يوم وأسبوعين.
- الأعراض: أحياناً تسبب هذه البكتيريا القولونية إسهالاً، وفي حالات أخرى، خصوصاً لدى الأطفال والمسنين، يمكن أن تكون مميتة.
ليستيريا Listeria
- فترة الحضانة: قد تمتد 10 أسابيع، وهذا يسبب صعوبة كبيرة في تحديد الأطعمة التي حملت العدوى.
- الأعراض: تسبب الليستيريا أنواعاً خطرة جداً من الأمراض، مثل التهاب السحايا وإنتان الدم وعفونته، وقد يصل معدل الوفيات الى 30 في المئة. والأشخاص الأكثر تعرضاً هم النساء الحوامل وأطفالهن والمسنون والأشخاص المكبوتو المناعة.