خلص تقرير صدر مؤخراً عن شبكة سياسة الطاقة المتجددة للقرن الواحد والعشرين REN21، إلى أن الاستثمارات في التركيبات الجديدة لمشاريع الطاقة المتجددة تجاوزت قيمة ما يتم إنفاقه على التجهيزات الجديدة لتوليد الطاقة من مصادر الوقود التقليدية.
وكانت الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة المتجددة بلغت 288.9 مليار دولار في عام 2018، مما يجعله العام التاسع على التوالي الذي تتجاوز فيه الاستثمارات 200 مليار دولار. ولا يشمل هذا الرقم الطاقة الكهرومائية التي شهدت استثماراً إضافياً بقيمة 16 مليار دولار.
وفي المقابل، بلغت الاستثمارات في المولدات الجديدة التي تعمل على الفحم أو الغاز نحو 95 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث الاستثمارات في الطاقة المتجددة خلال 2018. وهذا يشير إلى أن الاستثمار في الطاقة المتجددة هو استثمار في مستقبل مربح.
ويحذّر التقرير، الذي حمل عنوان "الوضع العالمي لمصادر الطاقة المتجددة لعام 2019"، من الدور الذي يلعبه فقدان السياسات الرسمية في إضعاف تحفيز مساهمة قطاع الطاقة المتجددة في الحد من الانبعاثات الكربونية وبلوغ الأهداف العالمية المتعلقة بالمناخ والتنمية.
ويؤكد التقرير أنه، للسنة الرابعة على التوالي، يشهد العالم زيادة في قدرات الطاقة المتجددة المركبة بما يفوق طاقة الوقود الأحفوري والطاقة النووية، حيث تمت إضافة 100 غيغاوات من طاقة الخلايا الكهروضوئية وحدها في 2018، وهو ما يكفي للوفاء بأكثر من ربع الطلب على الكهرباء في فرنسا.
وعلى الرغم من ضآلة التركيبات الجديدة للطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وأفريقيا، التي بلغت 2.6 غيغاوات، إلا أن هذه الإضافة تعتبر تقدماً ملحوظاً إذا ما قورنت بالتركيبات السابقة، حيث بلغ مجموع الاستطاعة المتجددة المتاحة في نهاية 2018 نحو 6.7 غيغاوات. وتستفيد العديد من الدول في هذه المنطقة من انخفاض أسعار الخلايا الكهروضوئية لتنويع اقتصادها، بحيث لا يبقى معتمداً بالكامل على الوقود الأحفوري.
وتشير الأرقام الواردة في التقرير إلى انخفاض الاستثمار في الطاقة المتجددة بنسبة 11 في المائة مقارنة بالعام السابق. ويمكن أن يعزى هذا الانخفاض جزئياً إلى انخفاض تكاليف تكنولوجيا الخلايا الكهروضوئية، مما يعني إمكانية تأمين القدرة المطلوبة بتكلفة أقل. كما يرتبط هذا الانخفاض بحصول بطء في نشر الطاقة الشمسية في الصين.
واستحوذت الطاقة الشمسية على حصة الأسد في الاستثمار العالمي، بمبلغ وصل إلى 139.7 مليار دولار في 2018، بانخفاض 22 في المائة. فيما زاد الاستثمار في طاقة الرياح بنسبة 2 في المائة في 2018، ليصل إلى 134.1 مليار دولار. وتراجعت القطاعات الأخرى كثيراً، على الرغم من أن الاستثمار في الكتلة الحيوية وتحويل النفايات إلى طاقة ارتفع بنسبة 54 في المائة، ليصل إلى 8.7 مليار دولار.
ويُظهر تحليل التوزيع الجغرافي لمبلغ 288.9 مليار دولار، الذي يمثل إجمالي استثمارات الطاقة المتجددة في 2018، أن الصين قادت الاستثمار في جميع أنحاء العالم للعام السابع على التوالي، بمبلغ وصل إلى 91.2 مليار دولار. ومع ذلك، فقد انخفض هذا الاستثمار بنسبة 37 في المائة عن الرقم القياسي الذي سجل في عام 2017، نتيجة عدة عوامل، بما فيها التغيير في سياسة التعرفة الجمركية الصينية، التي أثّرت على الاستثمار في الطاقة الشمسية.
وفي مجال الدعم الموجّه للوقود الأحفوري، أشار التقرير إلى تبني أربعين دولة بعض الإصلاحات في آلية الدعم منذ عام 2015، بينما استمرت نظم الدعم في 112 دولة في 2017، مع قيام 73 دولة على الأقل بتقديم دعم وصل إلى 100 مليون دولار سنوياً من قبل كل منها على حدة. ويقدّر مجموع الدعم المقدم على الصعيد العالمي لاستهلاك الوقود الأحفوري بنحو 300 مليار دولار في 2017 بزيادة قدرها 11 في المائة عن 2016.
ويوضح التقرير عدداً من النقاط الهامة، منها أن أكثر من 90 دولة لديها تجهيزات ومنشآت تولّد الكهرباء من الطاقات المتجددة بما يزيد عن 1 غيغاوات، بينما تملك 30 دولة القدرة منفردة على توليد كهرباء من المصادر المتجددة باستطاعة تتجاوز 10 غيغاوات. وهناك تسع دول على الأقل تولّد أكثر من 20 في المائة من الكهرباء بالاعتماد على الخلايا الكهروضوئية وتوربينات الرياح، وهي الدنمارك والأوروغواي وإيرلندا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا واليونان والمملكة المتحدة وهندوراس.
وتنفّذ بعض الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل مصر والمغرب والسعودية وعمان وتونس، برامج لتركيب الخلايا الكهروضوئية على أسطح المنازل والمنشآت الرسمية، وذلك للمساهمة في خفض تكاليف الطاقة وضمان إمداد موثوق للكهرباء في المناطق التي تعاني من عدم كفاية الطاقة خلال ساعات الذروة.
ويتزايد تأثير المدن كمحرك قوي في هذا المجال، مع تبنّيها بعض الأهداف الطموحة لنشر الطاقات المتجددة على المستوى العالمي. وفي حالات عدة، تجاوزت مبادرات بعض المدن ما يتم على المستوى الوطني ومستوى الولاية أو المقاطعة. وتعتمد أكثر 100 مدينة حول العالم على الطاقة المتجددة في توليد 70 في المائة من حاجتها للكهرباء. كذلك تتبنى 50 مدينة على الأقل أهدافاً خاصة بالطاقات المتجددة.
ويمكن للدول دعم التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة في قطاعات التدفئة والتبريد والنقل. فالطاقات المتجددة، التي تمد العالم بنحو 26 في المائة من حاجته إلى الكهرباء، توفر فقط 10 في المائة من الطاقة المستخدمة في التدفئة والتبريد، و3 في المائة من الطاقة المستخدمة في قطاع النقل. ويُعزى هذا الخلل بدرجة كبيرة إلى عدم كفاية الدعم السياسي وعدم استقراره، حيث تناقص عدد الدول التي تتبنى سياسات بشأن استخدام الطاقة المتجددة في عمليات التدفئة.
وعلى الرغم من عدم كفاية الدعم، يجري تنفيذ بعض المبادرات الهامة في قطاعات النقل والتدفئة والتبريد. ويؤدي استخدام الوقود الحيوي المستدام، والمركبات الكهربائية، واتباع سياسات الاقتصاد في استهلاك الطاقة، إلى التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري في قطاع النقل.
وتبرز بعض السياسات الطموحة، التي تشجع استخدام الطاقة المتجددة في قطاعات النقل، كما في حالة التشريع البرازيلي الذي يفرض مزج الإيثانول بالبنزين، وبرنامج كاليفورنيا الخاص بمعايير الوقود ذي المحتوى الكربوني المنخفض. فيما يظل تسعير الكربون غير مستغل فعلياً، حيث يغطي حاليا نحو 13 في المائة فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي.
لكن التوجه الإيجابي في قطاع الطاقة المتجددة الذي أظهره التقرير لا يبدو كافياً لتحقيق الأهداف البيئية والتنموية العالمية، حيث يمكن للدول إنجاز تقدم أكبر إذا ما خفضت الدعم المالي الذي تضعه في مصادر الطاقة غير النظيفة، وتبنّت سياسات طموحة توفر الظروف المواتية التي تسمح بالمنافسة العادلة بين المصادر المتجددة والوقود الأحفوري المكلف والمنتج للكربون.