يحتل محصول القطن صدارة المحاصيل الزراعية في سورية، ويطلق عليه المزارعون اسم «الذهب الأبيض». ويعتبر من الزراعات الغارقة في القدم، التي عايشت السوريين منذ آلاف السنين، إذ يعود تاريخها إلى زمن صناعة الغزل والنسيج في عهد الكنعانيين قبل الألف الرابع قبل الميلاد. وهي كانت من الصناعات المنزلية التقليدية، وقد وجدت في سورية آثار مغازل من الحجر والعظم وأثقال من الحجر والطين كانت تستخدم للأنوال وترجع إلى أوائل الألف الثالث قبل الميلاد.
يعد القطن (Gossypium spp) من المحاصيل الاستراتيجية التي يعتمد عليها الاقتصاد السوري، نظراً لحجم المساحات المزروعة التي بلغت 250 ألف هكتار في محافظات حلب والرقة ودير الزور والحسكة وحماه. ويشكل ما بين 20 و30 في المئة من مجمل الصادرات الزراعية، وهو المحصول الزراعي الأول والصناعي الثاني من حيث المساهمة في تأمين القطع الأجنبي بعد النفط. وترتكز عليه الصناعات النسيجية التي تعتبر ركيزة أساسية للاقتصاد، إذ تساهم في الميزان التجاري بـ30 في المئة من إجمالي الصناعات التحويلية، ويعمل فيها نحو مليون عامل، أي نحو 20 في المئة من مجموع اليد العاملة في البلاد.
وقد احتلت سورية المرتبة الثانية عالمياً بعد الهند في إنتاج ألياف القطن العضوي لموسم 2009 ـ 2010، اذ بلغ إنتاجها بحسب تقرير بورصة الأقمشـة العالمية (TE) 20 ألف طن. كما احتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد أوستراليا من حيث مردود وحدة المساحة، بمعدل أربعة أطنان للهكتار منذ العام 2001 . ودخلت مصاف الدول المتقدمة في جودة أقطانها وإنتاج القطن الملون خصوصاً البني والأخضر. وتفوقت في مجال المكافحة الحيوية الآمنة بيئياً والإنتاج النظيف.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن زراعة القطن في سورية مرت بمسيرة طويلة مهدت الطريق لنجاح إنتاجه عضوياً، بعد عشرات السنين من التجارب والبحوث المشتركة بين المزارعين ووزارة الزراعة. وتخلل هذه المسيرة إصدار قوانين وقرارات عدة، أهمها: تـأسيس «مكتب القطن» عام 1952 وهو يعنى بالأبحاث العلمية الزراعية لتطوير زراعة القطن وإنتاجه، وتنظيم التشريعات الخاصة بالقطن عبر قانون صدر عام 1958، وتنظيم «مهرجان القطن» السنوي في مدينة حلب بموجب قانون صدر عام 1958، واستحداث «الهيئة العامة لحلج وتسويق الأقطان» عام 1965 المكلفة مسؤولية تجارة القطن، واستحداث «محطات أبحاث القطن» و«مختبرات تيلة القطن» و«مختبرات إنتاج الأعداء الحيوية لمكافحة حشرات القطن»، وإصدار قانون عام 2010 لتنظيم زراعة القطن وتصديره واستيراده.
منذ 1971 تم استنباط أصناف محلية عديدة من القطن يتم تطويرها سنوياً، منها حلب ـ 40 وحلب ـ 33 وحلب ـ 90 وحلب ـ 118 ورقّة ـ 5 ودير الزور ـ 22 ورصافة. ترافق ذلك مع تطوير أساليب زراعة القطن ومكافحة آفاته وزيادة إيراداته. وتعد سورية منذ 1994 من أبرز دول العالم في مجال المكافحة الحيوية لحشرات القطن وآفاته، إذ تمت مكافحة «ديدان جوز القطن» بطفيليات Trichogramma principium التي تم إكثارها محلياً في «مختبرات إنتاج الأعداء الحيوية». وفي العام 2003، أضيفت إلى برنامج المكافحة المتكاملة لآفات القطن الحشرية تربية طفيليات يرقية في مختبر أبحاث المكافحة الحيوية في جامعتي حلب ودير الزور، علماً أن الأعداء الحيوية توزع مجاناً على مزراعي القطن. ولا تزيد المساحات المكافحة كيميائياً عن واحد في المئة من المساحة الكلية المزروعة بالقطن.
القطن العضوي وتحديات زراعته
تبدأ عملية إنتاج القطن العضوي باختيار بذور منتجة من محصول قطن عضوي ومعقمة حرارياً، وليس بالأشعة. وتتم مكافحة الحشرات والآفات في إطار «برنامج الإدارة المتكاملة لآفات القطن»، الذي يشمل مجموعة من الإجراءات الزراعية للتخلص من مصادر العدوى. ومن هذه الإجراءات رعي بقايا المحصول بعد القطاف، والفلاحة الخريفية، والتخلص من الأعشاب، وتعقيم البذور بالحرارة، وجمع المحصول المصاب يدوياً. ويشمل البرنامج أيضاً الوقاية من الآفات عن طريق الزراعة المبكرة والدورة الزراعية وتنوع المحصول واختيار صنف القطن الملائم للزراعة، وتحسين بيئة المحصول عبر الزراعة على خطوط والتفريد الجيد وعدم زيادة الكثافة النباتية وتحديدها بـ8 ـ 10 سنتيمترات، فضلاً عن المراقبة والرصد. ومن الإجراءات أيضاً المكافحة الحيوية لآفات ديدان جوز القطن الشوكية والأميركية والقرنفلية بواسطة طفيليات Trichogramma principium، عند اكتشاف الإصابة المبكرة وانتشار بيوض الديدان بنسبة 7 ـ 10 بيوض على كل 100 قمة أو برعم. ويتم إطلاق الطفيليات في الحقول بواسطة كبسولات بمعدل 100,000 طفيل في الهكتار. كذلك تستخدم طفيليات Bracon brevicornis لمكافحة ديدان جوز القطن القرنفلية، إذ تطلق الحشرة الكاملة للطفيل بمعدل 100 ـ 150 أنثى في الدونم عند وجـود 4 أو 5 يرقات حية لكل 100 جزء ثمري.
ويتم تسميد القطن العضوي بأسمدة عضوية، تكون خليطاً من روث الأبقار والأغنام والدواجن المخمّر والمعقّم حرارياً، أو بأسمدة عضوية سائلة، وذلك بحسب حاجة كل منطقة وخصوصية تربتها التي تُفحص دورياً.
التسويق والبيع
يباع جزء من محصول القطن العضوي السوري كقطن «محلوج»، أي منزوع البذور، إلى دول أوروبية عدة. ويستخدم جزء آخر لإنتاج الخيط العضوي في معمل غزل الحسكـة الحائـز على شهـادة CU، وذلك لتصنيع ألبسة قطنية عضوية جاهزة تصدر إلى 18 دولة، معظمها في أوروبا، وبينها أيضاً الصين والمكسيك. ويتم التسويق عبر شركة AK Organic التي لديها عقود مع شركات عالمية مثل Reebok وNike وLevi’s وWal-Mart وM&S.
وتشهد سوق المنتجات النسيجية القطنية العضوية ارتفاعاً محموماً مع ازدياد الطلب العالمي عليها، خصوصاً تلك التي تلتزم بشهادة المقياس العالمي للنسيج العضوي (Global Organic Textile Standard-GOTS). وبلغت مبيعات هذه المنتجات عالمياً 2,3 بليون دولار عام 2008، وارتفعت إلى 4,3 بليون دولار عام 2009 بزيادة كبيرة قدرها 35 في المئة.
قبل 30 سنة، بدأت الولايات المتحدة وتركيـا زراعـة القطن العضوي. والآن باتت بلدان في شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا الجنوبية من البلدان الرئيسية العشرة. وتستأثر الهند بأكثر من 80 في المئة من الانتاج العالمي لألياف القطن العضوي، تليها سورية التي احتلت المركز الثاني عالمياً في موسم 2009 ـ 2010 بانتاج نحو 8,3 في المئة من الانتاج العالمي.
كادر
ازدياد انتاج القطن العضوي عالمياً
ارتفع انتاج ألياف القطن العضوي عالمياً بنسبة 15 في المئة خلال الموسم الزراعي من آب (أغسطس) 2009 الى تموز (يوليو) 2010، فبلغ نحو 242 ألف طن، بحسب تقرير أصدرته مؤخراً بورصة النسيج (TE). فقد ازداد الانتاج من 964 ألف بالة في محصول 2009 الى نحو 1,11 مليون بالة في محصول 2010 (البالة وحدة وزن محصول القطن وتعادل 218 كيلوغراماً).
وعلى رغم أن القطن العضوي يشكل نحو 1,1 في المئة فقط من إنتاج القطن العالمي، أشار التقرير الى أن المحصول الأخير يشكل زيادة بنسبة 539 في المئة عن محصول 2006 حين تم انتاج 170 ألف بالة.