Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
عبدالهادي نجّار مبادرات عربية لمواجهة ندرة المياه  
حزيران / يونيو 2019 / عدد 255
على بُعد نحو أربع ساعات إلى الشرق من مدينة لوس أنجلس، تمتد الأراضي الزراعية لبلدة "بليث"، التي تشتهر بزراعة البرسيم. وعلى رقعة واسعة تنتشر الحقول الخضراء لهذا المحصول الذي يجري توضيب قسم كبير منه في حاويات شحن كبيرة تغادر الولايات المتحدة في رحلة بحرية تستمر 24 يوماً، لتصل في نهاية المطاف إلى مزارع الأبقار العائدة لشركة المراعي في المملكة العربية السعودية. والمراعي هي أكبر منتج للألبان في المنطقة.
 
على عكس الأفكار التي تقترح اقتطاع جبال جليد من القطبين وجرّها إلى البلدان الخليجية لتوفير المياه العذبة، تبدو الخطوات التي تتبعها شركة المراعي في استيراد المياه على شكل أعلاف جاهزة أكثر واقعية وجدوى. لكن ما الذي يدفع الشركة السعودية لتبنّي هذا الخيار المكلف؟ وهل هناك مبادرات جريئة أخرى لمواجهة ندرة المياه في العالم العربي؟
 
السعودية: لا لزراعة الأعلاف
تواجه البلدان العربية أزمةً حادةً في توفير متطلباتها من المياه العذبة. وحسب تقرير "البيئة العربية في عشر سنين"، الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في 2017، تراجعت حصة المواطن العربي السنوية من المياه العذبة المتاحة بنسبة 20 في المائة، من 990 متراً مكعباً في 2005 إلى 800 متر مكعب في 2015. لكن المعدل العام يخفي مشاكل أكثر حدّة، إذ إن حصة الفرد من المياه العذبة تقل عن 200 متر مكعب سنوياً في تسعة بلدان عربية، ويقع 13 بلداً عربياً بين 19 بلداً هي الأكثر فقراً في المياه في العالم.
 
تعتمد الدول العربية، لاسيما في شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي، على المصادر الجوفية المتجددة وغير المتجددة لتلبية الطلب المتزايد على مياه الشرب والري الزراعي. ويصل الأمر إلى درجة الاستنزاف، كما في السعودية التي تعتمد بنسبة 85 في المائة على المياه الجوفية غير المتجددة لري محاصيلها الزراعية.
 
خلال العقود الماضية، كان الهدف الرئيسي للسياسة الزراعية في السعودية تحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة في محاصيل أساسية مثل القمح. إلا أن ذلك تبدل في ظل المعطيات المتغيرة، لتصبح غايتها تحقيق الأمن الغذائي والمائي المستدام. ولهذا اتخذت الحكومة قراراً حاسماً في نهاية سنة 2015 بوقف زراعة الأعلاف الخضراء، وحظر تصدير المحاصيل الزراعية ومنتجاتها المهدرة للمياه. وأصبح هذا القرار نافذاً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018. وكان الدعم السخي لزراعة القمح قد توقف قبل سنوات.
 
كان على شركة المراعي، للالتزام بمتطلبات هذا القرار، توفير مصدر بديل للأعلاف، أو بمعنى أدق تأمين المياه اللازمة لتصنيع منتجاتها الغذائية. الشركة العملاقة، التي بدأت استيراد الأعلاف منذ سنة 2007، كانت تدرك مسبقاً مخاطر ندرة المياه المحلية، فأخذت توسع استثماراتها في الولايات المتحدة والأرجنتين وإسبانيا ودول أوروبا الشرقية لتوفير الأعلاف المطلوبة بواسطة مورّدين من طرف ثالث، أو عبر مزارع تشرف عليها وتديرها.
 
حسب تقريرها السنوي الأخير، بلغت استثمارات شركة المراعي في هذه الدول نحو 500 مليون دولار، وذلك لتأمين الأعلاف خلال الفترة بين 2014 و2018. وهذا ما جعلها تحقق المتطلبات التنظيمية للقرار الحكومي وتستورد كامل العلف الذي تستخدمه من خارج البلاد.
 
 
مزارع ومستودعات البرسيم التابعة لشركة المراعي في بلدة "بليث" الأميركية
 
غابة الصحراء في الأردن
في ظل العجز المتنامي في الموارد المائية، تقوم بعض البلدان العربية بتطبيق أساليب غير تقليدية لتوفير المياه. إلا أن هذه الأساليب لاتزال تنطوي على عدد من السلبيات، كاستهلاكها المفرط للطاقة كما في مشاريع تحلية مياه البحر، أو بكلفتها التأسيسية والتشغيلية المرتفعة، كمشاريع معالجة المياه العادمة، أو بأثرها البيئي السيء، كما هو الحال في إعادة استخدام المنصرفات الزراعية.
 
وفيما تقدّر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ضرورة زيادة إنتاج الغذاء العالمي بنسبة 50 في المائة لتلبية النمو السكاني المتوقع حتى سنة 2050، فإن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر السهل، لقلّة المساحات المتاحة من الأراضي التي تصلح للزراعة ولوجود تحديات عالمية كبرى كتغير المناخ وأزمة نقص المياه التي تشهدها العديد من الدول.
 
يُعدّ الأردن من أفقر بلدان العالم في المياه، إذ تقل حصة المواطن عن 150 متراً مكعباً من المياه العذبة سنوياً، ولهذا فإن مستقبل البلاد مرهون باختبار أساليب غير تقليدية لتوفير المياه، مع تجنّب السلبيات كلما كان ذلك ممكناً. ومما يزيد من تعقيد المشكلة أن ثلاثة أرباع مساحة البلاد هي أراض صحراوية، كما أن الزراعة فيها تستهلك نحو 70 في المائة من الموارد المائية، بينما تسهم فقط بنحو ثلاثة في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.
 
في المقابل يحظى الأردن في المتوسط بنحو 330 يوماً مشرقاً على مدار السنة. ويمكن لهذا السطوع الشمسي أن يوفّر ما بين خمسة إلى سبعة كيلوواط في الساعة لكل متر مربع، ما يكفي لتشغيل 100 مصباح تقليدي. ولذلك يمكن اعتبار الطاقة المتجددة من أهم مجالات الاستثمار التي تسمح بازدهار الاقتصاد الأردني.
 
في وادي عربة، وعلى بعد نحو 15 كيلومتراً من شاطئ البحر الأحمر، يجري تنفيذ مشروع تجريبي يحمل اسم "غابة الصحراء". ويتّسم هذا المشروع الطموح ببساطة فكرته، فالطاقة الشمسية تستخدم في تحلية مياه البحر، وتوظّف تلك المياه بعد تحليتها في زراعة محاصيل في الصحراء، تساعد بدورها في امتصاص الكربون من الجو وتوفير الغذاء.
 
 
مشروع غابة الصحراء في وادي عربة
 
ولا يقتصر الأمر على الأردن، إذ إن المشروع، الذي يهدف إلى توفير المياه العذبة والأغذية والطاقة المتجددة في المناطق الجافة والقاحلة، والذي يحظى بدعم من مؤسسات نروجية، سبق اختباره بنجاح في قطر، كما يجري تجريبه عبر محطة واعدة في تونس.
 
وتصل المساحة الإجمالية المخصصة للمشروع في وادي عربة إلى نحو 3 هكتارات، وبمجرد أن يثبت الفريق نجاح تلك الفكرة عملياً، سترتفع المساحة التجريبية الحالية إلى 10 هكتارات بحلول سنة 2020، مع إمكانية للتوسع في المنطقة ذاتها حتى 200 هكتار.
 
أما في مجال التكيّف مع إدارة الطلب على المياه، فيطبّق الأردن سياسات لتسعير المياه تحقق تحسينات كبيرة في الإنتاجية الاقتصادية، عبر تحفيز المزارعين للتحول إلى المحاصيل المجدية مائياً. وكان لهذه السياسات الناجحة دور أساسي في تقليص معدل استخراج المياه الجوفية للقطاع الزراعي في الأراضي المرتفعة (محافظة الكرك) ليصل إلى مستوى مقارب لمعدل التغذية السنوي.
 
وتشمل التجربة الأردنية إجراءات أخرى لتعزيز إدارة المياه على مستوى المزارع، بما فيها استخدام مياه الصرف الخاضع للإشراف، وتطبيق نظام الإنذار المبكر لحالات الجفاف، وتبني برامج التأمين، وتعويض المزارعين عن الخسائر المحتملة في الدخل.
 
تغذية الآبار في أبوظبي
وفقاً لمعطيات منظمة الفاو في سنة 2015، يبلغ مجموع السعة التخزينية للسدود في العالم العربي 393 مليار متر مكعب، حيث تتشارك مصر والعراق بنحو 80 في المائة من هذه السعة، وتليهما السودان وسورية والمغرب بما نسبته 5 في المائة لكلٍ منها. ولا يقتصر عمل السدود على تنظيم جريان الأنهار والمسيلات وتخزين مياهها من موسم إلى آخر، بل تعمل أيضاً على تغذية طبقات المياه الجوفية عن طريق الارتشاح.
 
هذه الطريقة في إدارة المياه وتوفيرها لا تخلو من مشاكل، لعل أبرزها ما يتصل بخسارة جدوى السدود مع الوقت نتيجة تراكم الطمي وارتفاع الفاقد من المياه بسبب التبخر السطحي. للتغلب على هذه المشاكل، اتبعت الإمارات مقاربة مختلفة تقوم على حقن المياه المتاحة بشكل مباشر ضمن طبقات المياه الجوفية.
 
في مطلع عام 2018، أعلنت أبوظبي عن اكتمال أكبر مشروع في العالم لتخزين المياه المحلّاة في آبار جوفية. ويقوم المشروع على ضخ المياه القادمة من محطة الشويهات لتحلية المياه في شبكة من 315 بئراً، تتصل بحوض تخزين يسع 26 مليون متر مكعب من المياه على عمق 80 متراً تحت رمال صحراء ليوا في الربع الخالي.
 
يسمح مشروع التخزين الاستراتيجي هذا بإعادة ضخ المياه وتوفير الإمدادات لنحو مليون نسمة في أبوظبي، بمعدل 180 ليتراً للفرد الواحد، لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر. وتُعرف التقنية المطبقة بـاسم "حقن واسترجاع المياه في الخزانات الجوفية"، وتستلزم أن تكون المياه على درجة عذوبة عالية لغياب الترشيح الطبيعي. وغالباً ما تُستخدم المياه المحقونة لأغراض الشرب فقط نتيجة ارتفاع التكاليف الاستثمارية والتشغيلية.
 
 
تضم صحراء ليوا أضخم مشروع لتخزين المياه العذبة في العالم
 
تمثّل الحالات الثلاث السابقة نماذج دراسية لسبل توفير المياه وتحسين كفاءة استهلاكها في العالم العربي. ويمكن اتباع إجراءات أخرى للتكيف مع ندرة المياه تشمل، إلى جانب الإصلاحات المؤسسية، تحديث أنظمة الري وتغيير أنماط زراعة المحاصيل وتطوير مصادر مياه جديدة كحصاد مياه الأمطار ومعالجة ملوحة التربة وتدوير المياه العادمة، وتسعير المياه، والتوسع في قطاع الطاقة المتجددة بوصفها مصدراً لدعم المياه والغذاء. لكن الأساس يبقى تعزيز كفاءة انتاجية الغذاء وتخفيف الهدر، في مياه الري كما في الغذاء.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
لويس أندريس هيناو (ليما) ليما تحصد الضباب
راغدة حداد (الاسكندرية) العرب بين العطش ... والغرق
مايكل شتراوس (بالو ألتو، كاليفورنيا) كُلْ محلياً
أمجد البطاينة وأحمد الشريدة (الكورة، الأردن) طواحين الحبوب في وادي الريان
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.