روبوت محرِّك للأطراف يتحكم به الدماغ، ورجل اصطناعية يوجهها نسيج عضلي أعيد إحياؤه، ابتكاران جديدان لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من إعاقات، تم عرضهما خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم (AAAS) الذي عقد في شباط (فبراير) 2011 في العاصمة واشنطن. لقيت هاتان التكنولوجيتان الجديدتان اهتماماً بالغاً في الأوساط الطبية، ففي الولايات المتحدة وحدها يعيش نحو 1,7 مليون شخص فاقدي الأطراف، ويتوقع أن يصل عددهم الى 3,6 ملايين بحلول سنة 2050. كما يعاني 311 ألف أميركي من الشلل نتيجة إصابات في الحبل الشوكي.
وكشف باحثون في المؤتمر أنهم يعملون على هندسة مسارات اتصال بين الأعصاب وأجهزة ميكانيكية، فيما يحاول آخرون إحداث مجالات تفاعل بين الدماغ والكومبيوتر لتطوير قدراته على المساعدة في الحركة. ومن التكنولوجيات الجديدة «تطعيم عصب العضل المستهدف» لتحويل الأعصاب المتبقية الى عضلة وجلد احتياطيين في الطرف المبتور أو قربه. ومن خلال التفكير في ضم قبضة اليد مثلاً، يستطيع المريض أن يشد عضلاته فيرسل إشارة كهربائية الى طرف اصطناعي. أما تكنولوجيا «تطعيم العصب الحسي المستهدف» فتعيد الاحساس الى أطراف مفقودة من خلال تنشيط أعصاب حسية في أماكن أخرى من الجسم.
"علم بلا حدود" كان شعار مؤتمر AAAS لسنة 2011. وهو أحد أضخم اللقاءات العلمية في الولايات المتحدة، تشارك فيه نخبة من العلماء والمهندسين ومراكز الأبحاث الأميركية والدولية، وتعرض فيه أحدث التكنولوجيات والاكتشافات في مجالات العلوم المختلفة.
في ما يأتي بعض ما تم عرضه في مجال البيئة.
تصميمات ألهمتها الطبيعة: هل يمكن إنشاء أبنية وصنع طائرات وسيارات أكثر «ذكاء»؟ ناقش المؤتمر مستجدات التصميم المستوحى بيولوجياً، وكيف يمكن تقليد أنظمة ضبط الحرارة بدقة لدى الإنسان والنباتات، وحتى لدى النمل الأبيض الذي يحافظ في مستوطناته الترابية على حرارة مثالية تبلغ 30 درجة مئوية، من أجل إنشاء أبنية أكثر كفاءة بالطاقة.
ومن الابتكارات المستوحاة من الطبيعة مواد وهيكليات تكيُّفية يمكن تعديل خصائصها والتحكم باستجاباتها وتسخيرها لشفاء الجروح والحروق والاصابات، بمحاكاة الميزات البيولوجية للنباتات. وعُرضت أبحاث عن خلايا الشعر وأشكال من «الذكاء الحسي» لدى النباتات والحيوانات، وكيف تم اقتباسها لإحراز التقدم الحديث في تطوير أجهزة تحسس حيوي تستخدم حالياً في نظم الروبوتات والآلات.
طباعة حية: ذات يوم، سيكون الجراحون في غرفة العمليات قادرين على شفاء المصابين بحروق من خلال «طباعة» جلد جديد. والطباعة الحيوية الروبوتية قد تكون مفيدة أيضاً لاختبار سلامة مستحضرات التجميل من دون تجريبها على حيوانات. وقد يؤدي تطوير التكنولوجيات الناشئة الى صنع أعضاء بشرية طبقة بعد طبقة، وهذه امكانية مثيرة باعتبار أن 84 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها ينتظرون عمليات زرع كلى. وقد تم عرض الطابعة المبتكرة Fab@Home3D التي صممت لطباعة منظومة من المنتجات كمسوَّدات إلكترونية، من الشوكولاتة الى الغضروف وصمامات القلب. وقد استعملت لصنع أنسجة حية من بوليمرات حيوية، اضافة الى البوليثيلين غليكول. ويتم اختبارها حالياً لطباعة الجلد في أماكن الحروق. وقد نجح علماء فعلاً في طباعة خلايا غطت جروحاً جلدية لدى الفئران.
كيمياء الاتصال: تستخدم جميع الكائنات الحية، من الميكروبات الى الثدييات، أسراراً كيميائية لإغواء الجنس الآخر وردع الأعداء واتقاء ناقلات الأمراض والتكافل مع كائنات أخرى وغير ذلك من أشكال الاتصال. ويعمل باحثون على حل غوامض الطريقة التي بها «تتكلم» الكائنات الحية بعضها مع بعض بواسطة الكيمياء، وهم حققوا نجاحات في فهم بعض هذه التفاعلات المعقدة. وقد عرضت دراسات خلال المؤتمر بينت كيف تستعمل نباتات التبغ مواد متطايرة لاجتذاب الملقِّحات، وكيف تغِّير وقت إزهارها استجابة لافرازات من أفواه الفراش. وتناولت دراسة أخرى تأثير البروتينات الموجودة في السائل المنوي لذكور الحشرات في سلوك الإناث، وإمكانية استخدام بروتينات منوية من ذكور البعوض لمكافحة الأمراض التي ينقلها البعوض مثل حمى الضنك، فهذه البروتينات تؤثر في تناسل الاناث ويمكن أن تكبح شهيتها للدم، فلا تلسع لتمصّ الدم ناقلة المرض.
وبينت دراسة ثالثة أن أنواعاً من الطحالب البحرية الاستوائية تنتج مضادات حيوية (أنتيبيوتيك)، بينها مضاد فعال في مهاجمة طفيل الملاريا. وعرضت دراسة رابعة العلاقة التكافلية بين النمل والبكتيريا، بما في ذلك اكتشاف نوع من النمل «يزرع» الفطريات كغذاء ويعتمد على البكتيريا المثبتة للنيتروجين لتنمية «حدائقه»، تماماً كما يفعل المزارعون. والنيتروجين الذي تستخرجه البكتيريا من الهواء ينتهي في أجساد النمال، وعندما تموت تغذي النظم الايكولوجية الفقيرة بالنيتروجين.
هل يستحق نفط المياه العميقة تحمل الأخطار المحتملة؟ أسفر انفجار منصة الحفر «ديبووتر هورايزون» في خليج المكسيك عام 2010 الى أكبر تسرب نفطي بحري ناتج عن حادث في تاريخ صناعة البترول. وقد تفحص المؤتمرون أسباب الكارثة وتأثيراتها المختلفة والتدابير الوقائية، وأموراً مثيرة للجدل مثل مأمونية استخدام المواد المشتِّتة وفاعلية الانحلال البكتيري للنفط وسبل معالجة البقع الضخمة المنتشرة تحت سطح الماء.
عناصر حرجة طاقوياً: بعض العناصر الكيميائية التي كانت في ما مضى موضع فضول الباحثين في المختبرات باتت تحتل الآن مكاناً بارزاً في تكنولوجيات جديدة مثل توربينات الرياح واللاقطات الشمسية والسيارات الكهربائية، التي تطوِّر سبل احتجاز الطاقة ونقلها وتخزينها واستعمالها. هذه «العناصر الحرجة طاقوياً» تشمل أتربة نادرة حظيت مؤخراً باهتمام وسائل الاعلام، يضاف اليها 12 عنصراً مثل الغاليوم والجرمانيوم والتلوريوم والليثيوم والبلاتين والرنيوم.
كثير من هذه العناصر لا يتم حالياً تعدينه أو تنقيته أو الاتجار به بكميات كبيرة. وقد تناول تقرير جديد للجمعية الفيزيائية الأميركية وجمعية أبحاث المعادن نواقص محتملة في العناصر الحرجة طاقوياً، وتضمن توصيات سياسية للحكومة الأميركية، بما في ذلك دعم الأبحاث والتطوير وتشجيع اعادة استعمال هذه العناصر. وكشف التقرير أن الولايات المتحدة تعتمد على بلدان أخرى للحصول على أكثر من 90 في المئة من العناصر الحرجة طاقوياً.
وقود هيدروجيني بمحاكاة النبات: الحصول على هيدروجين رخيص الثمن لوقود السيارات أو الطائرات قد يكون ممكناً عن طريق نظام اصطناعي يحاكي التركيب الضوئي الذي تقوم به النباتات، لكنه لن يكون عملياً الا عندما يصبح ثمنه مماثلاً لثمن البنزين أو وقود الطائرات. ويمكن فصل جزيئات الماء الى أوكسيجين وهيدروجين بواسطة الكهرباء، وقد استعمل بعض الباحثين في هذه العملية الكهرباء المولدة بواسطة لاقطات شمسية، أو الحرارة الشمسية المركزة.
أما التقنية الجديدة فتستخدم طاقة الضوء الأزرق بشكل مباشر. والعمل الرئيسي في التحويل هو الإلكترونات. فمثل الأصباغ الموجودة طبيعياً في النباتات، تمتص الأصباغ غير العضوية ضوء الشمس، فتطلق الطاقة أحد الإلكترونات. هذا الإلكترون إذا ترك لحاله يتحد من جديد محدثاً حرارة. لكن اذا أمكن توجيه الإلكترونات بعيداً عن مكان نشوئها، فهي تصل الى المادة الحفازة وتفصل الهيدروجين عن الأوكسيجين في الماء. وأعلن فريق الأبحاث في جامعة بنسلفانيا: «حالياً نحصل على إنتاجية 2 الى 3 في المئة من الهيدروجين. ولكن كي تكون أنظمة كهذه مجدية اقتصادياً، يجب أن تكون أقرب الى 100 في المئة".
تقييم الخطر على الحياة البحرية: فيما يعدِّل تغير المناخ أنماط البيئة البحرية، تنتشر أساطيل الصيد التجاري بشكل متزايد في جميع محيطات العالم، ما يخفض مخزون الأسماك المتبقية، خصوصاً مع ارتفاع الطلب على ثمار البحر. وقد قدم خلال المؤتمر أحدث تحليل عالمي لعمليات الصيد البحري، وكيف تغيرت الكتلة الحيوية للأسماك في المحيطات خلال السنوات الستين الأخيرة.
وقدمت ورقة عمل عن مبادرة Nereus الدولية التي أطلقت في كانون الأول (ديسمبر) 2010 لدراسة التوقعات العالمية للتنوع البيولوجي البحري، وسوف تطور من خلالها نمذجات للعوامل الايكولوجية والاقتصادية والاجتماعية والحوكمية من أجل الوصول الى هيكلية تتيح، في آن معاً، الصيد الكافي والمجدي اقتصادياً وإطالة بقاء مخزون الأسماك التي تعتبر أهم مصدر بروتين لمئات ملايين البشر.
إحصاء الخفافيش والطيور والفراش وغيرها: في حقول غرب ولاية تكساس، استخدم العلماء رادارات متنقلة ترصد العواصف لتتبع «سُحُب» الخفافيش وهي تطوف كل ليلة بحثاً عن أسراب الحشرات. وتبدو الصور الرادارية الناتجة شبيهة بنظم العواصف، ويمكن أن تفسر ألغاز تأثير الطقس في الكائنات الحية الموجودة في الغلاف الجوي. ويقول العلماء الذين يطورون نظماً دقيقة لتقدير عدد قطرات المطر في عاصفة رعدية إنهم سيكونون قادرين قريباً على احصاء عدد الخفافيش في سحابة خفافيش بدقة أكبر كثيراً من الطرق الحالية. ويمكن تطبيق ذلك أيضاً لاحصاء أنواع أخرى من «الانتشار الحيوي»، بما في ذلك هجرات الفراش والطيور. ومع تطور التقنيات، يأمل الباحثون أيضاً دراسة تأثيرات تغير المناخ على أعداد الأسراب المهاجرة وكائنات أخرى في الهواء.
هل يكون النيتروجين هو الكربون المقبل؟ اننا نحتاج الى نيتروجين لزراعة المحاصيل الغذائية، لكن أبحاثاً حديثة أظهرت أن البشر يزيدون استعمال النيتروجين، وأن الزيادة تساهم في الاحتباس الحراري وتغير المناخ. وقد تحدث المؤتمرون أيضاً عن العلاقة بين ارتفاع مستويات النيتروجين في البيئة والمسائل والأمراض الصحية والتناسلية. وتناولوا الوفرة المفرطة للنيتروجين في البلدان المتقدمة، خصوصاً لتأمين الامدادات الغذائية الأميركية، بالمقارنة مع نقص النيتروجين في البلدان النامية وكيف يؤثر ذلك في نوعية التربة والامدادات الغذائية.
صادم الهدرون ومرصد الكربون: عام 2010 بدأ العمل في أقوى مسرِّع جزيئات فـي العالم، بهدف الاجابة عن أسئلة مثل منشأ المادة وطبيعتها. وقد شارك فـي المؤتمر علماء مـن «صادم الهدرون الكبير» (Large Hadron Collider) الذي يقع على عمق 90 متراً تحت سطح الأرض على الحدود السويسرية الفرنسية، وقدموا النتائج التي توصلوا اليها حول مسائل محيرة، مثل حالة غامضة للمادة تدعى Quark Gluon Plasma والتعاون الدولي بين أكثر من 8500 عالم فيزياء في تجارب هذا المسرِّع العملاق.
كذلك عرضت الأبحاث الدائرة في "مرصد الكربون العميق" (Deep Carbon Observatory)، وهو مبادرة دولية لدراسة خزانات وتدفقات الكربون عميقاً تحت سطح الأرض، والدور غير المعروف لبيولوجيا الأحياء العميقة، والتأثيرات غير المستكشفة لدورة الكربون العميق على الطاقة والبيئة والمناخ.
كاترينا شمسية: العواصف الجيومغناطيسية الصادرة عن الشمس، التي تبدأ بهبات من الغاز المشحون كهربائياً تنتقل بسرعة ثمانية ملايين كيلومتر في الساعة، تشكل تهديداً كارثياً لقي اهتماماً متزايداً من العلماء وصانعي السياسة. فحضارتنا تعتمد بشكل متزايد على تكنولوجيات قد يعطلها طقس فضائي متطرف، من الأقمار الاصطناعية في مداراتها الفضائية الى الطائرات في الجو الى شبكات الطاقة على الأرض. وقُدر الأثر الاقتصادي المحتمل لكارثة مناخية فضائية بما يصل الى ألفي بليون دولار.
وقد عرضت خلال المؤتمر جهود أميركية ودولية للتصدي للعواصف الشمسية الكارثية، التي يصفها بعض الخبراء بأنها أشبه بإعصار كاترينا ضارباً على نطاق عالمي. ويحتاج الاستعداد لهذه العواصف الى تنسيق عالمي للأبحاث العلمية وإدارة الحالات الطارئة والتوعية. والتقدم العلمي الذي تحقق مؤخراً في توقع العواصف الشمسية الكبيرة يحسن الاستعداد لها ويمهد لوضع خطط استجابة فعالة.
خرائط سكانية لإغاثة ضحايا الكوارث: عندما تحدث كارثة كبرى في أجزاء نائية من العالم، تكون معرفة ما اذا كانت المنطقة مأهولة ومقدار كثافتها السكانية أمراً حاسماً في التنظيم الفعال لعمليات الإنقاذ والغوث. وقد طوّر مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية تكنولوجيا معلوماتية متقدمة تعتمد على الحسابات اللوغرثمية لتحليل بيانات خاصة توفرها الأقمار الاصطناعية الأوروبية. وأثبتت نتائج الاختبارات الأولية أن الاستعمال المشترك لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات تسمح بوضع خرائط سريعة ودقيقة للمناطق المبنية في أي مكان من العالم. كما تتيح هذه الطرق الحسابية معالجة مجموعات ضخمة من البيانات بمزيد من الكفاءة والسرعة، ما يجعل بالامكان مراقبة التغيرات في المستوطنات البشرية بانتظام. وقد يساعد هذا في تخفيض المخاطر في أماكن تعاني كوارث متكررة، وتركيز التدخلات الانسانية العاجلة التي تعقب الكارثة على الأماكن المأهولة في المناطق المتأثرة.
كادر
البحث عن أرض أخرى
تفترض توقعات حديثة أن يبلغ عدد سكان العام الذروة عند 9 بلايين نسمة بحلول سنة 2050، ومن ثم ينخفض ببطء. وتعاني بعض البلدان من ازدياد عدد السكان، ما يثير أسئلة حرجة حول قدرة الأرض على تحمل البشر بشكل مستدام. ويحتاج تقدير هذه القدرة الى منظور متعدد الاختصاصات لتقييم خيوط التوازن بين إنتاج الغذاء واستخدام الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية والنوعية البيئية والاستهلاك. وقد تناول المؤتمرون التقدم الذي أحرز مؤخراً في التحليل الجيومكاني والاستشعار عن بعد ونمذجة المحاكاة، بهدف الاجابة عن أسئلة رئيسية مثل: متى سيبلغ عدد سكان العالم الذروة، وعلى أي مستوى، وبأي سرعة سينخفض؟ ما أثر برامج تحديد النسل وتنظيم الأسرة خلال السنوات الخمسين الماضية، وما الدور الذي ستؤديه في المستقبل؟ هل يمكن تلبية الزيادة المتوقعة في الطلب على الغذاء من دون توسع كبير في الزراعة على حساب النظم الايكولوجية الطبيعية؟ ما مساحة الأراضي اللازمة للمحافظة على النظم الايكولوجية الطبيعية للأجيال المقبلة؟