تعتمد أرزاقنا واقتصاداتنا على الموارد والخدمات التي تتيحها الطبيعة. لذلك فمن شأن تدهور هذه الموارد والخدمات نتيجة الأنشطة البشرية أن يُضعف القدرة الإنتاجية للطبيعة التي يعتمد عليها الاقتصاد لتلبية الاحتياجات الأساسية، ومنها المياه والطاقة والغذاء. وهذا يستدعي أن نتبع نمط عيش أكثر اتزاناً ونساهم في اقتصاد أخضر يضمن حماية البيئة وكرامة الانسان.
وقد أفاد تقرير جديد أصدره "المنتدى الاقتصادي العالمي" بأن التركيز على التعافي اقتصادياً من جائحة كورونا بشكل يراعي البيئة، أو ما يُعرف بالاتجاه إلى "الاقتصاد الأخضر"، من شأنه أن يعزّز الاقتصاد العالمي بـ10 تريليونات دولار سنوياً، ويولّد 395 مليون وظيفة مع حلول 2030.
يُشكّل الاقتصاد الأخضر مثالاً مختلفاً للنظر إلى التفاعل بين الأنشطة البشرية والظروف الاجتماعية والبيئة. وعلى عكس الاتجاه التقليدي في التخطيط الاقتصادي الذي ينظر إلى البيئة بمعزل عن أي شيء آخر، فإن الاقتصاد الأخضر يوفّق بين سياسات الاقتصاد الكلي للدولة والأهداف البيئية والاجتماعية لهذه السياسات. إنه نهج مبني على دمج النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية والمساواة الاجتماعية بشكل متكامل. ويُعطي الاقتصاد الأخضر قيمة لرأس المال الطبيعي، مما يسمح بتنفيذ الأنشطة البشرية وتحقيق التنمية الاقتصادية من دون تخطي الحدود الإيكولوجية للأنظمة البيئية أو التأثير سلباً على الأوضاع الاجتماعية.
حقائق عن الاقتصاد الأخضر في البلدان العربية
عرض تقرير بعنوان "الإقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر"، أعدّه المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، للتحديات البيئية التي يمكن التصدي لها باعتماد نهج الاقتصاد الأخضر، وخلُص إلى مجموعة من الاستنتاجات هنا أهمها:
• الاقتصاد الأخضر نهج مبني على دمج متكامل لثلاثة أهداف: النمو الاقتصادي، والاستدامة البيئية، والمساواة الاجتماعية.
• في البلدان العربية اليوم أكثر من 50 مليون نسمة يفتقرون إلى مياه نظيفة وخدمات صرف صحي مأمونة.
• يجب العمل على زيادة نسبة مياه الصرف المعالجة من 60 في المائة حالياً إلى ما بين 90 و100 في المائة، وزيادة نسبة المياه المعالجة التي يُعاد استخدامها من 20 في المائة حالياً إلى 100 في المائة. ولا بد من تطوير تكنولوجيات جديدة لتحلية المياه، خاصة باستخدام الطاقة الشمسية.
• تستهلك الزراعة أكثر من 85 في المائة من موارد المياه العذبة في البلدان العربية، مع كفاءة في الري لا تتجاوز 30-50 في المائة.
• يستورد العرب نحو نصف حاجتهم من المواد الغذائية. وقد بلغت الفاتورة الصافية لمستوردات البلدان العربية من السلع الغذائية الرئيسية 56 بليون دولار عام 2011، بما فيها 34 بليون دولار للحبوب.
• من المتوقع أن يحقق التحول إلى الممارسات الزراعية المستدامة التي تحمي التربة والمياه وُفورات في البلدان العربية تراوح بين 5 و6 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، أي ما مقداره نحو 125 مليار دولار سنوياً.
• يفتقر نحو 50 مليون نسمة في البلدان العربية إلى خدمات طاقة يمكن تحمل نفقاتها.
• الدعم الحكومي لأسعار الطاقة يشجّع على الهدر والإسراف في الاستهلاك. ويُعتبر استهلاك الفرد للطاقة في بعض الدول العربية المنتجة للنفط من أعلى المعدلات عالمياً. وإذا انخفض معدل الاستهلاك الفردي السنوي للكهرباء في البلدان العربية إلى المعدل العالمي، من خلال إجراءات كفاءة الطاقة، فسوف يولّد ذلك وفورات تصل إلى 73 مليار دولار سنوياً. وإذا خفض دعم أسعار الطاقة بنسبة 25 في المائة، فسوف يحرر ذلك أكثر من 100 بليون دولار خلال مدة ثلاث سنوات، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال إلى مصادر الطاقة الخضراء، خصوصاً طاقة الشمس والرياح، وتوليد ملايين فرص العمل.
• بتحقيق هدف "تخضير" 50 في المائة من قطاع النقل في البلدان العربية، من خلال زيادة كفاءة الوقود وازدياد استعمال النقل العام والسيارات الهجينة (هايبريد) التي تعمل على الوقود والكهرباء، تتولد وفورات تقدر بنحو 23 مليار دولار سنوياً.
• إنفاق 100 مليار دولار في تخضير 20 في المائة من الأبنية القائمة في البلدان العربية خلال السنين العشر المقبلة، باستثمار ما معدله 10.000 دولار لكل مبنى لتركيب تجهيزات حديثة، يُتوقَّع أن يخلق أربعة ملايين فرصة عمل.
• يتجاوز معدل إنتاج النفايات الصلبة في بعض البلدان العربية 1.5 كيلوغرام للفرد يومياً، وهذا من أعلى المعدلات في العالم. وتبلغ كمياتها المنتجة في البلدان العربية أكثر من 200 مليون طن سنوياً. لكن معدّل إعادة التدوير لا يتجاوز 5 في المائة حالياً. ويمكن أن يؤمن "تخضير" قطاع إدارة النفايات للبلدان العربية 5.7 مليار دولار سنوياً.
• قُدّرت احتياجات الاستثمار في قطاع النفايات في المنطقة العربية بنحو 22 بليون دولار سنوياً، موزّعة على الشكل الآتي: الجمع والتحويل (38%)، الطمر وإنتاج الكومبوست أو السماد (27%)، المعالجة الميكانيكية والبيولوجية (17%)، تحسين المكبّات أو إغلاقها (12%)، تحويل النفايات إلى طاقة (6%).
للتوصل إلى إقتصاد أخضر فعّال، على البلدان العربية أن تضع استراتيجيات للتنمية الصناعية تقلل التلوث وتكون منخفضة الكربون، أي كفوءة في استهلاك الطاقة. كذلك فإن اعتماد تدابير كفاءة الطاقة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة في قطاع السياحة العربية يؤديان إلى خفض استهلاك الطاقة، وتقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في هذا القطاع، بالإضافة إلى تدابير كفاءة المياه.