شهدت السدود الضخمة خلال السنوات القليلة الماضية زيادة لافتة في الحوادث. فقد أدّى انهيار سد قيد الإنشاء في لاوس إلى إغراق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية ومقتل نحو 200 شخص خلال السنة الماضية. وفي الولايات المتحدة أوشك سد أوروفيل على الانهيار سنة 2017، مما أدى إلى نزوح 190 ألف شخص وإنفاق أكثر من مليار دولار على إصلاحه. وفي العراق كان سد الموصل عرضة للانهيار نتيجة توقف أعمال حقن قاعدته بالإسمنت بعد سيطرة مسلحي تنظيم الدولة عليه في منتصف 2014.
كما تم إلغاء أو تعليق العمل في عدد من مشاريع السدود الكبرى في ميانمار وتايلاندا وتشيلي والبرازيل، وفي بعض الحالات خسر المستثمرون مئات ملايين الدولارات من جراء ذلك. وكان البنك الدولي، الذي تؤثر قراراته الاستثمارية على المقرضين الآخرين، بدأ منذ سنة 2013 بالابتعاد عن تمويل بناء السدود الضخمة لتصبح الشركات الصينية لأول مرة الممول الأكبر لبناء السدود حول العالم.
ولا تقتصر الاعتراضات على السدود الكبيرة. فقد أوقفت مجموعات من السكان المحليين والناشطين البيئيين العمل مؤخّراً في سد بسري المتوسط الحجم في لبنان، لأنه "يقضي على موائل طبيعية مهمة ويقع في منطقة معرّضة لمخاطر الزلازل"، وفق المحتجّين. وقد تقدّم المعترضون بدراسات أظهرت أنه يمكن الاستعاضة عن السد بحفر آبار جوفية في الموقع نفسه لاستخراج المياه، إذ إن الهدف الأساسي منه مدّ مدينة بيروت بالمياه وليس انتاج الكهرباء.
في العالم العربي، يبلغ عدد السدود القائمة والمخططة حالياً 688 سداً بسعة تخزينية إجمالية تبلغ 395 مليار متر مكعب من المياه. ويتركز في مصر والعراق نحو 80 في المائة من هذه السعة، تليهما السودان وسورية والمغرب بما نسبته 5 في المائة لكلٍ منها. ومن الملاحظ أن عدد السدود المخططة أو التي شيدت منذ بداية هذا القرن هو 242 سداً، جميعها سدود صغيرة، لا يزيد مجموع سعتها عن 24 مليار متر مكعب باستثناء سد مروي في السودان.
ويفضل البنك الدولي حالياً تمويل مشاريع الطاقة المتجددة على تمويل مشاريع بناء السدود الضخمة لانتاج الكهرباء، إذ أصبح الاستثمار العالمي في طاقة الرياح والطاقة الشمسية يفوق بكثير الاستثمار في الطاقة الكهرومائية. واللافت أن شركة "ثري غورغس" الصينية، التي بنت أحد أضخم السدود في العالم على نهر اليانغتسي سنة 2012، تستثمر الآن بكثافة في مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ويبدو أن الحصة السوقية للطاقة الكهرومائية آخذة في التناقص أمام حصة مصادر الطاقة المتجددة الأخرى. وعلى الرغم من الفوائد الجمّة على المدى القصير والمدى المتوسط، إلا أن الكلفة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للسدود باهظة، خاصةً على المجتمعات المقيمة في أحواض الأنهار المتأثرة بالسدود التي يبلغ تعداد سكانها عالمياً نحو نصف مليار شخص.
ومن الآثار السلبية للسدود تدميرها لمصائد الأسماك بسبب منع هجرتها وإيقاف المواد المغذية التي كانت تصل مصبات الأنهار. كما تسبب السدود خللاً في النظم الهيدرولوجية للأنهار، التي تعتمد عليها النباتات والحيوانات والبشر. وتوجد أدلة متزايدة حول انبعاث غاز الميثان بكميات كبيرة من بحيرات السدود. كما أنها تهدد بزوال مواقع طبيعية وأثرية ونزوح سكاني.
في مصر، أدّى بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي إلى مجموعة من الآثار السلبية التي بدأت بالظهور تدريجياً. ومن بينها فقدان دلتا النيل لمئة مليون طن من الرواسب والطمي كانت تجلبها الفيضانات سنوياً، وهي تترسب حالياً خلف السد العالي وتقلص من جدواه.
وتنشر الدوريات العلمية بشكل متواتر مزيداً من الأبحاث التي تقوض افتراضاتنا الرئيسية حول السدود، ومن بينها البحث الذي أجراه دارسون من جامعة أكسفورد سنة 2014 وشمل 245 سداً بنيت بين 1934 و2007. وخلص البحث إلى أن تكاليف بناء وتشغيل السدود تفوق عوائدها المالية، بغض النظر عن آثارها السلبية الاجتماعية والبيئية.
ووجد البحث أن السدود في المتوسط كانت أعلى كلفة بنسبة 96 في المائة عن الميزانيات المرصودة لها، وأن مدة تنفيذها غالباً ما تزيد بمقدار 44 في المائة عما هو مخطط. ومقارنة بتقنيات توليد الطاقة الأخرى، فإن مشاريع السدود هي صاحبة أسوأ سجل في تجاوز الكلفة والبرنامج الزمني بعد مشاريع الطاقة النووية، في حين تحقق مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أفضل سجلّ.
وفيما يعتبر المدافعون عن البيئة بأن هذه المعطيات كافية للتوقف عن بناء السدود، يتابع المستثمرون وحلفاؤهم السياسيون جني الأموال من هذه المشاريع، معتمدين في تبرير الجدوى على حساب الكلفة على المدى القصير والمتوسط، مع تجاهل الأعباء التشغيلية والآثار السلبية على المدى الطويل.
وعادةً ما تقترن مشاريع السدود الكبيرة بقضايا الفساد، لأنها تنطوي على إنفاق مليارات الدولارات في أعمال جيولوجية لا يمكن تحديدها بدقة. وفي كثير من الأحيان، تستهلك مشاريع السدود جزءاً كبيراً من المبالغ المخصصة للبنى التحتية، مما يتسبب في أزمة ديون، كما جرى في تركيا والبرازيل والمكسيك ويوغوسلافيا السابقة.
من ناحية أخرى، يؤدّي تغيُّر المناخ إلى تقويض جدوى السدود، نتيجة ازدياد حدوث فترات جفاف أطول وفيضانات أشد. ففي حالة الفيضانات الهائلة، يفترض بناء سدود ضخمة تستطيع استيعاب مساحات واسعة لتخزين المياه، أما في حالة الجفاف فالأمثل أن يكون سطح التخزين أصغر لإقلال التبخر وتحسين التدفق. كما أن خفض مستويات التخزين في السدود لتوفير حيز لاستقبال مياه الفيضانات يعيق توليد الكهرباء كما يزيد من تراكم الطمي.
إن تغيُّر المناخ وزيادة تكرار دورات الجفاف، بالإضافة إلى تراكم الطمي والمشاريع المائية لدول المنبع، تجعل الجدوى من السدود في حدودها الدنيا. وعلى سبيل المثال، شهد سد المسيرة، الذي يعد ثاني أضخم سد في المغرب بعد سد الوحدة، تقلصاً في مساحته السطحية بمقدار 60 في المائة خلال الفترة بين 2016 و2018 نتيجة الجفاف الشديد وتأخر هطول الأمطار، وذلك بشكل مماثل لما أصاب السد بين 2005 و2008، عندما أثّر الجفاف سلباً على معيشة 700 ألف مغربي وأنقص إنتاج الحبوب بمقدار 50 في المائة.
وفي العراق، تراجعت مناسيب السدود نتيجة سوء إدارة الموارد المائية في البلاد ودورات الجفاف القاسية التي أصابت المنطقة خلال السنوات الماضية. كما ارتبط التراجع الحاد لتدفق المياه في نهري الفرات ودجلة ضمن الأراضي العراقية مع مشروع جنوب شرق الأناضول (غاب) الذي تنفذه الحكومة التركية، ويضم 22 سداً و19 محطة كهرومائية. ووفقاً لتقديرات الحكومة العراقية، أدى مشروع غاب إلى تناقص غزارة نهري دجلة والفرات بمقدار 80 في المائة حتى الآن.
ووفقاً لتقديرات مؤسسة الموارد العالمية التي صدرت السنة الماضية، تراجعت المساحة السطحية لسد الموصل بمقدار 60 في المائة اعتباراً من تسعينيات القرن الماضي. وهذا يؤشر على الوضع الخطير الذي وصلت إليه الموارد المائية السطحية في العراق، علماً أن ملايين العراقيين يعتمدون بشكل كامل على نهري دجلة والفرات لتأمين احتياجاتهم من ماء الشرب والري الزراعي والطاقة والانتقال.
ولا تتأثر السدود بتغيُّر المناخ فحسب، بل تساهم أيضاً في انبعاث غازات الدفيئة. وكانت دراسة نشرت في دورية "بيو ساينس" في سنة 2016 كشفت أن انبعاثات غاز الميثان نتيجة تحلل المواد العضوية في السدود تشكل 1.3 في المائة من مجمل الانبعاثات التي يسببها الإنسان. ومع ذلك فإن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ لا تدرج انبعاثات السدود في حساباتها.
لم تعد صناعة السدود تقدم نفسها باعتبارها خياراً مستقلاً لتوليد "الكهرباء النظيفة"، بل أصبحت تطرح ما تسميه "السدود الذكية"، التي تمثل منتجاً مكملاً لمصادر الطاقة المتجددة الأخرى. فعلى سبيل المثال، يمكن معالجة الاختلافات الموسمية في هطول الأمطار بالاعتماد على الطاقة الشمسية خلال موسم الجفاف والطاقة الكهرومائية خلال موسم الأمطار. وتوجد في الصين سدود تطفو على سطحها ألواح شمسية عائمة، مما يقلل من إشغال الأراضي ويحد من تبخر المياه في بحيرات السدود ويقلل من كلفة الربط مع خطوط شبكة الكهرباء العامة.