شهد عام 2020 أحداثاً قلبت واقع قطاع النقل رأساً على عقب. ومنذ انتشار كوفيد-19، فرضت المدن حول العالم قيوداً على وسائل النقل العام للحدّ من انتشار الفيروس والعدوى به، بما يضمن الصحة والسلامة العامة، الأمر الذي أثّر على قطاع النقل العام بشكل كبير. وبين ليلة وضحاها، تغيّرت القرارات التي اعتاد الناس على اتخاذها بشأن متطلباتهم الخاصة بالنقل، ما غيّر من واقع التنقلات اليومية حول العالم.
وينتاب الناس اليوم القلق أكثر من أي وقت مضى من التواجد في مناطق مزدحمة، لتكون وسائل قطاع النقل بذلك من أشد المتضررين خلال الأزمة الصحية. وبينما لا يزال الطريق أمامنا طويلاً، يدفعنا الموقف للتفكير مليّاً في جوانب معينة من خدمات النقل، واكتشاف ما يمكن تحسينه خلال هذا الوقت.
وفي هذا السياق، أجرت إكسبيرينس لاب، شركة التصميم الذي يتمحور حول المستخدم والتابعة لشركة سيركو، دراسة بحثية لاستكشاف مختلف متطلبات رحلات تنقل الأشخاص في الإمارات خلال مرحلة كوفيد-19، وتغيُّر سلوكياتهم جرّاء الأزمة.
نتائج الدراسة البحثية:
• الرحلات الجوية:
o %31 من المشاركين في الدراسة عبّروا عن مخاوفهم من الازدحام.
• خدمات النقل العام:
o 80% من المشاركين في الدراسة البحثية يرون أن التباعد الاجتماعي يشكل المعيار الأول أو الثاني الذي يجعلهم يشعرون بالأمان.
o 62% من المشاركين في الدراسة البحثية يرون أن إجراءات التطهير والتعقيم اليومية تشكل المعيار الأول أو الثاني الذي يجعلهم يشعرون بالأمان.
وأظهرت النتائج الرئيسية حالة التوتر التي تنتاب كثيراً من الناس، وتردّدهم في استخدام وسائل النقل العامة، طالما استمرّت الأزمة الصحية. ويلجأ مثل هؤلاء الأشخاص لاستخدام نقاط الاتصال الرقمية للحدّ قدر الإمكان من الاتصال الجسدي، مثل شحن بطاقات السفر عبر خدمات الدفع غير التلامسية بدلاً من الذهاب إلى شباك التذاكر. وعلاوة على ذلك، لا يزال العديد من الأشخاص متخوّفين بشأن سلامتهم الشخصية نتيجة سلوكيات البعض من غير الملتزمين بقواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة والكمامات.
ويكفي أن يمر المسافر بتجربة واحدة يفتقر فيها إلى الشعور بالراحة والأمان ليتوقف تماماً عن استخدام وسائل النقل العامة. ومع ذلك، وبحسب 26% من المشاركين في الدراسة البحثية، فإن وجود ممثل عن إحدى الهيئات أو الجهات المعنية لفرض قواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة والكمامات يشكل عاملاً يمنحهم شعوراً أكبر بالأمان.
وقد أثّر هذا الأمر بشكل كبير على تصوّرات الركاب بشأن السلامة الشخصية وإمكانية تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي. فما الذي يمكننا فعله للحفاظ على استمرار الاقتصاد، وتشجيع الناس على العودة إلى استخدام وسائل النقل العام؟
توقّعات الفترة المقبلة والاعتبارات الرئيسية:
عند التفكير في مستقبل قطاع النقل، ينبغي على صنّاع السياسة والحكومات التعاون بشكل وثيق مع القطاع الخاص لتعزيز الشعور بالأمان لدى الركاب. ويجب أن تتسم الإجراءات المنفّذة بالشفافية، ناهيك عن وضوح الاتصالات في كل مرحلة ليبقى الناس على اطلاع بما يجري، ويزداد اطمئنانهم في هذه الأوقات المليئة بالتقلبات. ويمكن تطبيق ذلك على سبيل المثال عبر ضمان التحديث المنتظم للمواقع الإلكترونية ومنصّات التواصل الاجتماعي لتوفر معلومات دقيقة حول تدابير الوقاية من كوفيد-19، فضلاً عن وجود لافتات واضحة حول البروتوكولات وقواعد التباعد الاجتماعي المعتمدة في شركات النقل، وتوفير الإعلانات المعنية بشكل منتظم في المحطات والمطارات.
ومن بين الاعتبارات الرئيسية:
• وبما لا يدعو للاستغراب، بيّنت الدراسة البحثية أن ارتفاع وتيرة التعقيم في وسائل النقل العام تبعث مجدداً الطمأنينة لدى الناس بشأن سلامتهم أثناء استخدام هذه الخدمات. وتتنوع هذه الإجراءات بين توفير عدد كبير من سيارات الأجرة، وتخصيص مقصورات أو مقاعد محددة في الحافلات أو الترام أو المترو، وتشييد مرافق أوسع، مثل منصّات انتظار الركاب في المحطات. ويجب أن يتوخّى مزوّدو الخدمة الحذر حول مدى شفافيتهم بشأن المعلومات المعنية ببرامج التعقيم على سبيل المثال، فمن المرجّح أن تتراجع ثقة الراكب بمزوّد الخدمة عندما لا تتوافق توقعاته مع الواقع، أي إذا اعتقد مثلاً أن سيارة الأجرة تخضع للتعقيم بعد كل توصيلة، ليكتشف بعدئذ أن التعقيم يتم مرّة واحدة فقط في اليوم. ويشكل فهم التوقعات والصياغة الدقيقة للرسائل المعنية بهذه التوقعات عاملاً أساسياً للحفاظ على الثقة.
• وتتكامل هذه الخدمة مع توفير عبوات المعقم المجّانية، ما يسهم في تعزيز الوعي العام بالسلامة. ويتملّك الركاب شعوراً أكبر بالطمأنينة عندما يتمتعون بالقدرة على تعقيم أيديهم، كما يُبدون رغبة أكبر بالتحكّم في سلامتهم الشخصية، بدلاً من الوثوق بشخص ما أو جهة معنية أخرى لتولّي مسؤولية التعقيم وتطبيق تدابير السلامة المطلوبة. وقد سارعت طيران الإمارات والاتحاد للطيران، على سبيل المثال، إلى تقديم مجموعة من مستلزمات النظافة مجاناً لكل راكب على متن رحلاتها بمجرّد تسجيل الوصول، والتي تحتوي على كمامات وقفازات ومناديل مضادة للبكتيريا مع عبوة معقم لليدين. وينبغي على قطاع الضيافة تطبيق تدابير مماثلة، وبدلاً من توفير عبوة معقم واحدة مشتركة أو عبوتين فقط، ينبغي أن تخصص المطاعم ومنافذ المأكولات عبوة معقم على كل طاولة ومنصّة ليستخدمها الضيوف عند الزيارة.
• كما بيّنت الدراسة البحثية أن الوصول إلى المعلومات حول تدابير السلامة والتواصل المستمر بخصوص التغييرات التي يتم إجراؤها تشكل أسلوباً جديداً في استعادة ثقة الناس وتعزيز شعورهم بالأمان. ويؤدي غياب منصّة اتصالات موحّدة إلى إحداث حالة شكّ كبيرة تترك العملاء في حيرة من أمرهم بشأن القواعد وإجراءات السلامة الحالية. باختصار، من المهم جداً تحديث الموقع الإلكتروني ومنصّات التواصل الاجتماعي باستمرار، بحيث تحدد بوضوح التدابير المتبعة للوقاية من كوفيد-19. ومن المفيد توفير معلومات وتنبيهات قبل السفر تُرسل للمستخدم عبر الرسائل الإلكترونية أو الرسائل النصيّة، والتي تحتوي على روابط تقود إلى الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة.
• ويتّسع هذا المفهوم ليشمل قطاع الطيران، إذ تركزت التحديات الرئيسية بالنسبة للمشاركين بالدراسة البحثية في مراحل التخطيط لرحلة السفر، والتي وُصفت بأنها "مرهِقة" و"مربِكة". ويستوجب استقطاب مزيد من المسافرين وتوفير رحلة سلسة لهم توصيل المعلومات الضرورية إليهم في الوقت المناسب وبالاعتماد على القناة الصحيحة. وقد يتمثّل أفضل حلّ محتمل في اعتماد إحدى قنوات الاتصال الموجودة، مثل تطبيقات الهاتف المحمول سهلة الوصول، لاستقبال ملاحظات العميل في الزمن الحقيقي، وتوحيد المعلومات عبر مختلف المنصات التابعة لشركة الطيران والمطار والهيئات الحكومية وغيرها. ومن شأن ذلك توفير رحلة مريحة وهادئة للمسافرين.
• ودعونا نلقي في النهاية نظرة على كيفية إعادة تصميم البيئة المادية ضمن استراتيجية طويلة المدى، بدلاً من الاقتصار على تلبية المتطلبات على المدى القريب. ويشمل ذلك تصميم نظم خاصة بقوائم الانتظار تسهّل على الركاب الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي، وصولاً إلى تصميم النماذج الأولية للافتات الإعلانية الجديدة واختبارها، ما سيساعد الركاب في التطبيق الذاتي لقواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة والكمامات.
وفي محاولة لاستعادة ثقة المسافرين، ينبغي على مزوّدي خدمات النقل التأكد من تزويد الركاب بأفضل تجارب العملاء في فئتها. ويعدّ توفير الكمية الكافية من المعلومات الصحيحة عاملاً بالغ الأهمية، إذ يمكن أن يؤدي الإفراط في تقديم المعلومات إلى إرباك الركاب، كما قد يؤدي نقص هذه المعلومات إلى عدم تحضير الركاب بالشكل الملائم.
ويرجّح أن تكون تجربة العملاء المسافرين لحضور فعاليات طال انتظارها، مختلفة تماماً عمّا تخيّلناه في البداية. وفيما ترحّب الإمارات بالعديد من المسافرين والسياح الوافدين إليها، ينبغي أن يولي قطاع النقل اهتماماً كبيراً بمتطلبات المسافرين ويتكيّف معها. ومن شأن الاستفادة من الأبحاث الخاصة حول العملاء والتعاون مع الخبراء المناسبين مساعدة المؤسسات والحكومات على تكوين فهم أفضل حول الاحتياجات الحقيقية للمسافرين.
كريستين بيتس، مديرة شركة إكسبيرينس لاب الشرق الأوسط - رينا بابا، مستشارة تجربة العملاء لشركة اكسبيرينس لاب