أن تصمد مجلة بيئية عربية عشرين عاماً في منطقة متفجرة، قد يكون مزيجاً من أعجوبة الاستمرار ومكافأة الالتزام. بل أبعد من ذلك، استطاعت مجلة "البيئة والتنمية" أن تدخل العصر الإلكتروني بقوة لتستقطب الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي. هنا شهادات في "البيئة والتنمية" لمناسبة مرور 20 عاماً على صدورها.
صوت صارخ في المنطقة العربية
د. باسل اليوسفي، مدير المركز الإقليمي لصحة البيئة، منظمة الصحة العالمية
أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام. هذا ما فتئ يقوم به الصديق نجيب صعب منذ عشرين عاماً على الأقل. لا أبالغ حين أقول إن مجلة "البيئة والتنمية" منحت البيئة والتنمية صوتاً في منطقة ما زالت تواجه مزيجاً خطراً من الأعباء البيئية والمشاكل التنموية، التقليدية منها والجديدة، الناجمة بطبيعة الحال عن أوضاع وظروف محلية وعن إرهاصات عالمية.
لقد أدركت المجلة – وهي ربما الوحيدة المتخصصة في شؤون البيئة والتنمية في المنطقة العربية - أن مجتمعاتنا لا يمكن أن تكون صحيحة معافاة إلا إذا توفرت لها ظروف البيئة النظيفة. وفي المقابل، لا يمكن لبيئة نظيفة أن توجد أو تترعرع في مجتمعات مريضة أو موبوءة. وفي كل الأحوال، لا يمكن لها تحقيق التنمية المستدامة إلا إذا كان الإنسان - وجيرانه من سكان الأرض - غاية هذه التنمية.
لقد أرست مجلة "البيئة والتنمية" نموذج معالجة قضايا البيئة والصحة في المنطقة العربية بمنهجية مترابطة متكاملة ضمن إطار التنمية المستدامة، تؤسس بالتأكيد لأنماط جديدة وفعالة في مقاربتها لمجالات حيوية أخرى اقتصادية واجتماعية لا تنفصل عنها. كما بيّنت بشكل جلي أن كثيراً من التداعيات الصحية والأعباء المرضية - نحو ربعها في منطقتنا - يعود تحديداً إلى أسباب ومسببات تتعلق بتلوث البيئة وتدهور نظمها الإيكولوجية. في حين يمكن لتلك المنظومات الطبيعية التي حبانا الله بها أن تكون في عافيتها أساساً لحياتنا ومعاشنا وذخراً لصحتنا ورفاهنا. فالبيئة العربية، بأوساطها وأنظمتها وموائلها، تشكل مورداً لا ينضب من الماء والهواء والغذاء والدواء والطاقة لنا ولأجيالنا القادمة، بل خزاناً إلهياً لاستمرار بقائنا على سطح كوكبنا الوحيد.
مع أطيب التمنيات بالعمر المديد ودوام التقدم لمجلة "البيئة والتنمية"، أكان على الورق أو الإنترنت.
عشرون عاماً من المحيط إلى الخليج
د. ابراهيم عبدالجليل أستاذ زائر للطاقة والبيئة، والمدير السابق لبرنامج الإدارة البيئية، جامعة الخليج العربي، البحرين
تابعتُ "البيئة والتنمية" منذ خطواتها الأولى في أواخر التسعينات. ولاحظت جهداً متفرداً في مطبوعة عربية تعنى بشؤون البيئة جعلها قادرة على الاستمرار حتى الآن رغم التطور الهائل في وسائل الاتصال الإلكترونية. ومع أن العالم العربي غني بكوكبة من العلماء العرب الذين كانت لهم بصمات واضحة في مسيرة العمل البيئي العالمي، مثال الدكتور عبدالفتاح القصاص والدكتور مصطفى كمال طلبه، رحمهما الله، إلا أن المكتبة العربية كانت وما زالت تفتقر إلى مصادر للمعرفة البيئية باللغة العربية. وأعتقد أن "البيئة والتنمية" لعبت دوراً هاماً في سد تلك الفجوة، وساهمت من دون شك في زيادة الوعي البيئي لدى القارئ العربي من المحيط إلى الخليج.
ولم يقتصر دور "البيئة والتنمية" طوال السنوات العشرين من عمرها على نشر الوعي البيئي، بل أتاحت المجال لمناقشة هموم التنمية في عالمنا العربي بدءاً بقضايا شح المياه والتصحر وانتهاء بتغيرات المناخ، مروراً بعشرات المشكلات التي يعاني منها المواطن العربي. ثم كانت قفزتها الموفقة بارتباطها بالمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الذي أصبح في زمن وجيز مؤسسة إقليمية عربية رائدة في مختلف مجالات الاستدامة.
تهنئتي لمجلة "البيئة والتنمية" ولكل القائمين عليها بعيدها العشرين. وإلى مزيد من التقدم على طريق الاستدامة بإذن الله.
الاستمرار حيث الكتابة لا تطعم الخبز
نوار الماغوط، إعلامي تلفزيوني بيئي، سورية
عرفت مجلة "البيئة والتنمية" عام 1998 حين كنت بزيارة مع زملاء لي إلى معرض "بيلدكس بيروت" وكان لها جناح فيه. ومنذ لحظة قراءتي لصفحاتها أحسست أنها ستعمل على تغيير مسار حياتي المهنية والاجتماعية.
تركت الهندسة التطبيقية واتجهت نحو مزيد من المعرفة في هذا المجال. فكانت "البيئة والتنمية" بمثابة رؤوس أقلام وأحياناً كثيرة مرجعي الوحيد لدراسة المشاكل البيئية في سورية وتقييمها، كي أبدأ مشروع البرنامج الأسبوعي التلفزيوني "البيئة والإنسان" الذي استمر عشر سنين.
قبل الأزمة في سورية، استضفت نجيب صعب في لقاء تلفزيوني. وبعد اللقاء تحدثنا عن هموم الإعلام البيئي وتطلعاتنا للنهوض به. سألني: "كيف تدبر أمرك في الحياة في ظل الظروف المعيشية الصعبة؟ قلت له: "أعيش بما أتقاضاه من أعمال تلفزيونية بيئية، وأفكر في طباعة كتاب عن البيئة". التفت الي وقال: "نوار، الكتابة لا تطعم الخبز، ومن يعمل في مجال التوعية البيئية عليه أن يجد مصدر دخل ليتمكن من الإنفاق على نفسه ويستمر في الحياة".
شكراً نجيب صعب. شكراً راغدة حداد. شكراً كل العاملين في مجلة "البيئة والتنمية"، لأنكم استطعتم الاستمرار.
نموذج يحتذى به
د. نادية مكرم عبيد، المديرة التنفيذية، مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري)، وزيرة البيئة سابقاً، مصر
أشعر بسعادة وفخر كبيرين وأنا أكتب شهادتي عن مجلة "البيئة والتنمية"، بمناسبة الاحتفال بالذكرى العشرين لبداية صدور هذه المطبوعة العلمية الرصينة والمتميزة، التي تقوم منذ نشأتها عام 1996، وبنجاح مشهود له، بدمج محوري البيئة والتنمية المتكاملين. فهي تساهم بجدية في وضع القضايا البيئية والتنموية على أجندة اهتمامات المنطقة العربية، بل واستشرافها في كثير من الأحوال. وذلك من خلال أسلوب شيّق وأنيق، وفكر عميق قائم على المبادرات الإيجابية الشجاعة والخطوات الديناميكية التي تواكب تطلعات العصر. ويكتسب هذا التوجه الحديث أهمية خاصة في هذه المرحلة التي أصبحت فيها البيئة من المحددات الاستراتيجية التي تؤثر بقوة على التعاملات والعلاقات الدولية المعاصرة، وتلقى تجاوباً قوياً من المجتمع الفكري الإقليمي والدولي.
ويدرك القائمون على هذا النموذج العلمي والفكري المتميز، وفي مقدمتهم الأستاذ نجيب صعب بما يتمتع به من فكر مبدع وخلاق مثقول برؤية موضوعية كاشفة وخبرة عميقة، أنه مع تنامي الوعي البيئي، ومن ثم الفهم الموضوعي لطبيعة القضايا البيئية المتشابكة، لا يجب، بل لا يمكن، فصل البيئة عن التنمية الإنسانية الشاملة بأبعادها المختلفة. وهذا يتماشى مع مبدأ "النهوض بالبيئة من أجل التنمية ورفاهية الإنسان" الذي يعتمده مركز "سيداري"، وهو مفهوم عصري مؤداه أن حل المشكلات البيئية سوف يساهم في النهاية في إزالة جانب كبير من معوقات التنمية.
وإني لعلى ثقة كاملة بدور الفكر الجاد والأسلوب العلمي الواضح "السهل الممتنع" الذي تتميز به هذه المجلة القيمة التي بين أيدينا، كدافع قوي لنتشارك جميعاً من أجل تقديم كل ما هو أفضل وأجمل وأبقى.
منبر حرّ ومرجع وطريق لمستقبل أفضل
د. عبدالكريم صادق، كبير الاقتصاديين، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، الكويت
الاحتفال بمرور عشرين عاماً على تأسيس مجلة "البيئة والتنمية" يعتبر حدثاً هاماً ودليلاً على أن نجيب صعب، مؤسس المجلة بمبادرة شخصية ورئيس تحريرها وكاتب افتتاحياتها، كان يدرك ويبصر ما ستؤول إليه حياة الإنسان في ظل تنمية قاصرة عن حماية البيئة ومن دون ثبات ركيزتها البيئية وتلازمها مع ركائز التنمية الأخرى. وهكذا انطلقت المجلة كحاجة ماسة للاهتمام بقضايا التنمية على مستوى الوطن العربي. فأصبحت منبراً حراً ومستقلاً للمفكرين والباحثين، ومرجعاً في مواضيع بيئية وتنموية مختلفة، تهتدي بها فئات المجتمعات العربية ومؤسساتها كافة، بما في ذلك مئات النوادي البيئية في المدارس وبرامجها التعليمية والثقافة البيئية.
لقد استحقت "البيئة والتنمية" تقديراً كبيراً ليس فقط من قرائها، بل نالت إعجاب الدول والمؤسسات. فحظيت المجلة وناشرها جائزة "الخمسمئة العالميون" من برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2003، وجائزة زايد الدولية للبيئة عام 2011. وهما جائزتان تعبران عن تقدير لدور المجلة وناشرها في إطلاق حملات التوعية والإرشاد غير المسبوقة على جميع المستويات، وإرساء مفاهيم وأساليب جديدة للتعامل مع قضايا البيئة والتنمية المستدامة في الوطن العربي، وتثبيت مبادئ وأسس علمية لنشاطها ومنطلقاتها.
وخلال مسيرتها عبر السنوات الماضية، أدت المجلة دوراً متميزاً في تعميق الإدراك والوعي بأهمية البيئة. وذلك من خلال افتتاحيات رئيس تحريرها والمقالات والنشرات التي تناولت العديد من القضايا البيئية، وبصورة خاصة ما من شأنه أن يحافظ على البيئة سواء كان سياسات عامة أو أنشطة مؤسسات وشركات أو سلوكيات أفراد المجتمعات. وهذا وسع آفاق محتويات المجلة للاستفادة من الخبرات والتجارب الناجحة والمستجدات في تطبيق أساليب ناجعة لتلافي ما يصيب البيئة ومكوناتها من أضرار وإضعاف قدراتها على تلبية متطلبات التنمية حاضراً ومستقبلاً.
ولم تتوقف طموحات نجيب صعب وتعلقه بالبيئة عند حدود مجلة واسعة الانتشار في أرجاء الوطن العربي على المستويات الوطنية والإقليمية كافة، بل عمل على إطلاق مبادرة أوسع نطاقاً تجسدت بتأسيس المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) عام 2006. وكأمين عام للمنتدى منذ تأسيسه لم يدخر جهداً في سبيل إعلاء شأن البيئة، وخصوصاً من خلال التقارير السنوية التي يصدرها المنتدى حول أوضاع البيئة والتنمية في المنطقة العربية، والتي باتت تحتل مكانة مرموقة في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية المهتمة بشؤون البيئة والتنمية، نظراً لما تحويه من بحوث وتحاليل علمية وتوصيات يسترشد بها أصحاب القرار في القطاعين العام والخاص، وباتت مرجعاً معتمداً في شؤون البيئة والتنمية.
لقد شق نجيب صعب بمبادراته وفكره وقلمه طريقاً نحو مستقبل أفضل لأجيال المستقبل، من خلال التوعية والعمل للمحافظة على البيئة وعدم استنزاف ثرواتها باعتبارها كنز التنمية المستدامة.
في هذه المناسبة السعيدة، في ذكرى 20 عاماً على تأسيس مجلة "البيئة والتنمية"، أجمل التهاني لمؤسسها وجميع العاملين فيها، مع أطيب التمنيات لهم بدوام النجاح ومزيد من الإنجازات على درب حماية البيئة كركن أساسي للتنمية المستدامة.
شغف بالحياة
عبدالهادي النجار، مهندس مختص بتكنولوجيا النفايات، كاتب في شؤون البيئة والتنمية، حمص، سورية
الكتابة لمجلة "البيئة والتنمية" امتياز ومسؤولية في الوقت ذاته. امتياز لأنك تكتب لأكثر المجلات العلمية انتشاراً في العالم العربي فتخاطب من خلالها ملايين القرّاء، ومسؤولية لأن هذه المجلة أخذت على عاتقها تقديم المعلومات الموثوقة بلغة عربية فصيحة تندر فيها الأخطاء العلمية والأغلاط النحوية.
معظم مقالاتي التي نشرتها "البيئة والتنمية" كانت في ظرف استثنائي، وعدد كبير منها قمت بكتابته فيما الاشتباكات الحربية على بعد بضع عشرات من الأمتار عني في مدينة حمص. ولا أبالغ إذا قلت إن صوت الانفجارات كان يحول في كثير من الأحيان دون سماع صوتي الداخلي.
من تجربتي الشخصية، الكتابة لـ "البيئة والتنمية" هي فعل معاكس للحرب تماماً، هي شغف بالحياة وطريقة مثلى لتغيير العالم نحو الأفضل.
مغامرة خضراء
مجد سلهب، طالب هندسة لبناني في ألمانيا
مضى ما يقارب سبع سنوات على مشاركتي في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) حول أثر تغيّر المناخ على البلدان العربيّة، في بيروت عام 2009. كنت المشارك الأصغر في سنّ الرابعة عشرة. ومنذ ذلك الحين أصبحت قارئاً دائماً للمجلّة. ولم تكن هذه إلّا بداية مغامرة خضراء، غيرت نظرتي إلى مستقبل البشريّة، الذي بدا أسود في بعض الأحيان.
في هذه المناسبة المميّزة، لا بدّ من شكر المنتدى والمجلة على دعمهما الدائم لتطلّعات الشباب وتوفيرهما مساحة تعبيريّة علميّة لمشاركة الأفكار. إن تطوير وعي الأفراد هو الأسلوب الأمثل لإنقاذ ما تبقّى لنا من بيئة مستدامة، ومجلة "البيئة والتنمية" تقوم بدور حيوي في نشر المعرفة في العالم العربي.
وجع القلب البيئي
رجب سعد السيد، باحث في علوم البحار، كاتب وقصصي بيئي، مصر
الشاهد، بطبيعته، منحاز. وأنا منحاز بامتياز في كتابتي لهذه الشهادة عن "البيئة والتنمية"، ولا أملك غير ذلك. والحقيقة هي أن كلمة "انحياز" مظلومة في أدبياتنا الراهنة، ربما بتأثير زمن مرَّ بمنطقتنا العربية، كانت ترفع فيه راية "عدم الانحياز"، فترسَّب لدينا أن الانحياز شرٌّ.
والشهادة ذاتية بالأساس، أو هي تتوسل الذاتية إلى الموضوعية. ويستحيل أن ألتصق بالموضوعية تماماً إلا إن كنت أستهدف دراسة متعمقة عن مسيرة عشرين عاماً لمجلة ارتضتالسير في الطريق الصعب، من أجل أن تصـل بالقارئ العربي إلى أرض خصبةوأشجار تؤتيه أُكُلَها. وهذه دراسة تستحقها "البيئة والتنمية"، التي تتجاوز كينونتَها كمجلة إلى ترسُّخها كمنظومة أصفها، بلا مبالغة، بالصناعة الثقافية الثقيلة في دعمها للاقتصاد، وبـ"المدفعية الثقيلة" تدكُّ دفاعات الغفلة والجهالة دكَّاً.
وأنا مدين بأول لقاء بيني وبين "البيئة والتنمية"، عام 1996 لصديق له تجارة رائجة تجعله دائم التحرك بين الإسكندرية وبيروت، ووجدتُه يهديني نسخة من مجلة وهو يقول: "أتيت لك بهذه، ناسٌ من عشيرتك، يا من تستعذبون وجع القلب البيئي".
وفوجئت بمجلة تحمل اسم "البيئة والتنمية"، وهو أول ما لفت نظري. ولم يكن كثيرون في ذلك الحين يتوقفون كثيراً عند ضرورة ارتباط برامج وخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالشأن البيئي. فها هي مجلة جديدة تقول، منذ اسمها المرفوع إلى قمة الغلاف، أن لا انفصال بينهما، بل استواء وتكامل.
لقد ظلَّ الشأن البيئي العربي يعاني تهميشاً واضحاً، حتى بعد أن اهتمت بعض بلداننا بتخصيص "حقيبة" وزارية للبيئة، ولكنها كانت، وربما هي لا تزال، حقيبة خاوية. إنها وزارات خاملة الذكر، لا تزيد أهميتها في حكوماتنا عن "وردة اصطناعية توضع في عروة سترة سهرة"، وهو تشبيه ورد في حوار مع وزيرة بيئة الإكوادور، ترجمتُه لمجلة "البيئة والتنمية" ونُشر في عدد قديم. ونشرت لي المجلة في بداية تعارفنا أيضاً، وبعد فترة من التعامل عبر "رسائل القراء"، مقالاً قصيراً عنوانه "بيئة"، رأيت فيه أن الشأن البيئي في بلادنا يتجاوز حد التهميش إلى الامتهان، إذ لا تزال كلمة "بيئة" تتردد حتى الآن على ألسنة الشباب في مصر لتدل على التدني في المستوى والسلوك!
وسط هذه الحالة من "اليُتـم" الذي كابدته البيئة العربية على الصعيدين الفردي والمؤسساتي، جاءت "البيئة والتنمية" كأول مجلة بيئية إقليمية عربية، ناشرُها ورئيس تحريرها كاتب مستقل، التزم بضمان استقلالها وعدم ارتهانها لأهواء منظمات وشركات، على نحو ما ورد في افتتاحية عددها الأول. ولم يتزحزح هذا الالتزام حتى الآن، فالاحترافية العالية التي تدار بها منظومة "البيئة والتنمية" تكفل لها مساراً آمناً ونتاجاً طيباً متمثلاً في تقليص مساحة انتشار الأمية البيئية في بلادنا، التي تخاصمُ الثقافة العلمية عموماً.
أصبح قراء "البيئة والتنمية" يتابعون أخبار البيئة في العالم، طازجةً مُحقَّقَة، ويحظون بتغطيات ومتابعات لمواضيع وأحداث مهمة متصلة بشؤون البيئة والتنمية في العالم. وكان لي شرف المشاركة بكتابة بعض هذه التغطيات والمتابعات، منها تقرير عن "البيئة في نيران الحرب – حرب العراق نموذجاً"، وقراءة في السجل البيئي للرئيس الأميركي جورج بوش الإبن ولم يكن يخلو مما يشين، وملاحقة لحادثة الانتشار الوبائي لأنفلونزا الطيور وتقرير أعتز به حقاً عن السيطرة البيئية في مواجهة قصور الأداء البيئي العالمي، اعتمدتُ فيه على قراءة لتقرير موارد العالم بين 2002 و2004.
وتوجهت "البيئة والتنمية" إلى الأطفال العرب، في استهدافها محو أميتنا البيئية. فكانت تقدم مُستلات مخصصة لهم، وملصقات بيئية كان ابني عمرو يعرضها في مدرسته كمجلة حائط، إضافة إلى كتب بيئية مبسطة وحكوية. وكان لي حظ أن نشرت لي "البيئة والتنمية" عام 2004 واحداً من أجمل كتبي: "حكايات خضراء"، وهو مجموعة قصص بيئية للأطفال. ولا أريد أن أغادر هذه النقطة بغير رجاء، أن تستعيد المجلة اهتمامها بالطفل بحماسة أشد.
ولا تزال "البيئة والتنمية" حريصة على عنصر "التفاعلية"، وعلى الاستجابة لمتغيرات الزمن. وقد تجسد هذا الحرص في إطلاقها لواحد من أهم المنتديات الثقافية العربية وأوسعها انتشاراً هو المنتدى العربي للبيئة والتنمية، الذي تكوّن الحروف المختصرة لتسميته الإنكليزية كلمة عربية هي فعل الأمر (أفِدْ)!
وأخيراً، أستسلم لمراودة حكاية عمرها نحو 15 سنة، حين أرسلت لي "البيئة والتنمية" علبة بطاقات بصفتي مراسلاً لها. وذات يومٍ، كنتُ في مأزقٍ عدليّ، وحاولت بجميع الطرق أن أحظى بشرف طلَّةٍ، لا أكثر، على وجه "رجل عدالة"، ففشلت. ثم خطر لي، وأنا واقف بباب مقامه العالي، أن أقدم له نفسي ببطاقة "البيئة والتنمية". فأعطيت بطاقتي للجندي البائس الواقف بباب رجل العدالة، ورجوته أن يقدمها لسموه.
وفوجئتُ برجل العدالة، الذي كفرتُ بالعدالة وأنا أحاول رؤية وجهه الكريم، يفتح الباب بنفسه، بل ويتقدم خطوة إلى الخارج، ليستقبلني، ويدعوني للدخول إلى محرابه.
ما زلت أحتفظ ببطاقة واحدة من العلبة "الشيك" التي أرسلها لي نجيب صعب وراغدة حداد.
عشرينية طيبة، يا من أزلتم يُتم البيئة في جهالتنا العربية.
مغيِّرة السياسات التنموية وملهمة الشباب
د. عدنان بدران، رئيس مجلس أمناء "أفد"، رئيس حكومة سابق، الأردن
تميزت مجلة "البيئة والتنمية" بإدخال التغيير في السياسات العربية التنموية، بحيث تكون سياسات خضراء صديقة للبيئة لتكون مستدامة. فالمواطن العربي أصبح مدركاً أن لا طريق لتحقيق الحياة، والحياة الأفضل للإنسانية، إلا من خلال التنمية المستدامة التي تحافظ على الأرض ومحيطها الحيوي باعتبارها عهدة لدى البشر، بمكوناتها ومناخها وتنوع الحياة فيها، والمحافظة عليها من التلوث والاندثار والدمار للأجيال القادمة.
وكانت مجلة "البيئة والتنمية" دوماً مصدر إلهام للشباب، وطلاب الجامعة، والمرجع الرئيسي في عملية التنوير البيئي التنموي، من خلال مقالاتها وتحليلاتها وأخبارها ورقياً وإلكترونياً.
واحتفاء بعيدها العشرين، أهنىء مؤسس هذه المجلة وأسرة التحرير والكُتاب الذين ساهموا من خلال مقالاتهم في توفير المعلومات وبناء المهارات المعرفية حول البيئة والتنمية.
توجيه الرأي العام العربي نحو الاستدامة
د. ثاني بن أحمد الزيودي،وزير التغير المناخي والبيئة،الإمارات
منذ صدور عددها الأول عام 1996، حظيت مجلة "البيئة والتنمية" بحفاوة بالغة من العاملين في المجال البيئي والمهتمين به في الوطن العربي. فقد كانت أول مطبوعة دورية مستقلة باللغة العربية تُعنى بالشأن البيئي، وتواكب الاهتمام المتنامي بثنائية البيئة والتنمية على المستويين الوطني والعالمي، خاصة بعد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية (قمة الأرض) الذي عقد في البرازيل عام 1992. وقد ملأت بذلك فراغاً عانت منه المكتبة العربية طويلاً.
ولم يمض وقت طويل حتى حققت المجلة شهرة واسعة في أنحاء الوطن العربيكافة، ورسخت وجودها كمرجع بيئي وأداة مهمة لنشر الوعي البيئي على جميع المستويات. ساعدها في ذلك رصانة المحتوى وجدية الطرح والتناول للقضايا البيئية ذات الأولوية في الوطن العربي. وقد عززت المجلة وجودها في العالم الرقمي، على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فاكتسبت بذلك جمهوراً أوسع وتأثيراً أكبر.
وكما نجحت "البيئة والتنمية" طوال السنوات العشرين الماضية في تسليط الضوء على قيمة البُعد البيئي في التنمية، ونقل الاهتمام بهذا البُعد من المستوى الرسمي الى المستوى الجماهيري، فإننا على ثقة بأن المجلة، بإصداريها الورقي والرقمي، ستلعب في المرحلة المقبلة دوراً أكبر في توجيه الرأي العام العربي نحو قضايا الاستدامة، لا سيما في ظل استمرار الضغوط التي تتعرض لها النظم البيئية، وتزايد التحديات التي تواجه التنمية المستدامة في الدول العربية التي تقف اليوم أمام استحقاقات مهمة مثل أهداف التنمية المستدامة 2030 واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ. إن التقدير المستحق الذي حظيت به مجلة "البيئة والتنمية"، عالمياً وعربياً، يعكس بصورة واضحة قيمتها العالية في عالم البيئة والنجاحات المهمة التي حققتها منذ صدورها.
ونحن إذ نتقدم بخالص التهنئة والتبريك لأسرة المجلة بمناسبة مرور 20 عاماً على صدورها، ونشيد بالدور المهم الذي قامت به في السنوات الماضية، فإننا نتمنى لها المزيد من التقدم والنجاح.
البيئة والتنمية وخصوصية الصحراء
د. فاروق الباز، مدير مركز الاستشعار عن بعد، جامعة بوسطن، الولايات المتحدة
تمكنت مجلة "البيئة والتنمية" من عرض مستدام لصفات الأراضي العربية، وهو أمر قل أن تعالجه منتديات أخرى. جاءت في أعداد المجلة المتلاحقة نتائج عديدة لأبحاث وأخبار ومنتديات تختص بطبيعة الصحراء العربية وما يحصل فيها من تغيرات طبيعية وما ينتج عن نشاط الإنسان.
وتمثل الأراضي الجافة ثلث سطح اليابسة، لذا يلزم علينا التعرف على خصائصها وصفاتها الطبيعية، وما يحصل فيها من تغيرات في المكان والزمان. وليس يهمنا ذلك للعلم والمعرفة فقط، ولكن أيضاً للعمل على استدامة الطبيعة التي تحيط بنا.
لقد اتضح أن المنطقة العربية لم تكن جافة من قديم الزمان. نتج الوضع الحالي لأن أفريقيا ومعها شبه الجزيرة العربية تزحزحت شمالاً مع مرور الزمن الجيولوجي. هذا يعني أنها استقبلت أمطاراً غزيرة في الماضي، وتسرب الماء من صخورها ليقبع على شكل مياه جوفية، بعد أن جف المناخ وتكونت الصحراء برمالها.
هذا يعني أن مياهنا الجوفية لا تتجدد، ويلزمنا ترشيد استهلاكها. وهذا ما آثرت مجلتنا التعريف به للمسؤولين وعامة الناس وخاصة الشباب.
أهنئ الصديق نجيب صعب وكل العاملين معه في هذا الصرح المتميز، متمنياً للمنتدى العربي للبيئة والتنمية كل تقدم وازدهار.