Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
"البيئة والتنمية" التنمية المستدامة في مناخ عربي متغيّر  
تشرين الثاني-كانون الأول/ نوفمبر-ديسمبر 2016 / عدد 224
 تحديات وإمكانات تحقيق أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030 في عالم عربي مضطرب هي موضوع التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) عن حالة البيئة العربية وعنوانه «التنمية المستدامة في مناخ عربي متغيّر». وقد ساهم في إعداده نحو 100 خبير، وهو يركز على العلاقة التلازمية بين المياه والطاقة والغذاء، ويستكشف طرقاً قابلة للتنفيذ لتمويل التنمية، والظروف المطلوبة لتحقيق الأهداف الـ17 المحددة لسنة 2030. ويسعى «أفد» من خلال هذا التقرير، والمناقشات حوله التي تبدأ في مؤتمر «أفد» السنوي يومي 10و11 تشرين الثاني (نوفمبر) في الجامعة الأميركية في بيروت، وتتواصل في عروض عديدة للتقرير في بلدان عربية مختلفة، إلى رسم خريطة طريق لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية، في ضوء اتفاقية باريس المناخية، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة في المنطقة
 
بيروت ـ «البيئة والتنمية»
تم إقرار أجندة التنمية المستدامة 2030 خلال قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة التي عُقِدت في أيلول (سبتمبر) 2015. والمكوّن الأساسي للأجندة هو أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، وهي 17 هدفاً شاملاً ستقود العمل والاستثمار العالميَّين في التنمية المستدامة خلال السنوات الـ 15 المقبلة.
افتقرت الاستراتيجيات الماضية في البلدان العربية إلى مقاربة كلية وشاملة إلى التنمية. وتقدّم أجندة 2030 وأهدافها، المشتملة على وجهات النظر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الخاصة بالتنمية المستدامة، فرصة تاريخية واعدة لرفاه أجيال المستقبل في العالم وللكوكب الذي نعيش عليه. وفي هذا السياق، ثمة أهمية حاسمة لاستعادة البلدان العربية مساراً إيجابياً للتنمية، من أجل تلبية طموحات أجيالها الحالية والمستقبلية إلى أن تعيش حياة لائقة بكرامة. لكن لتحقيق التنمية المستدامة، على البلدان العربية أن تعالج سلسلة من التحديات التي تواجهها، وتشمل ما يأتي:
●        يُتوقَّع أن تكون للتغييرات السياسية، التي تجلت في الاضطـراب السياسي الكبير في بعض البلدان العربية، تداعيات بعيدة الأجل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. كذلك ستشكّل تحديات السلم والأمن عائقاً إضافياً أمام العملية.
●        ندرة المياه والطاقة والأرض الصالحة للزراعة، التي تفاقمها تأثيرات التغير المناخي، واعتماد المنطقة المرتفع الذي يفتقر إلى الكفاءة على الوقود الأحفوري لتلبية حاجاتها إلى الطاقة، يؤديان كلاهما إلى بصمة بيئية مرتفعة جداً.
●        تهديدات الأمن الغذائي، بسبب تدهور الأراضي وشح المياه وضعف كفاءة استخدامها في الزراعة والاعتماد على المنتجات الغذائية المستوردة لتغطية ما بين 50 و100 في المئة من الحاجات الغذائية للمنطقة.
●        تأثيرات تغير المناخ، خصوصاً كما يبرزها ارتفاع مستويات البحر، والشح المتفاقم للمياه، وتدهور الأراضي والتنوع البيولوجي والأمن الغذائي، والتأثير الاقتصادي في البلدان المنتجة للنفط الذي يسبّبه تحول العالم إلى المصادر المتجددة للطاقة.
●        الاستهلاك والإنتاج غير المستدامَين، نتيجة لتغيرات ديموغرافية قصوى، وازدياد التحضر، وتغير أنماط الحياة، وسياسات الدعم.
●        النمو السكاني البالغ نحو 2,2 في المئة، الذي يمثّل قوة دافعة رئيسية للطلب العالي على موارد طبيعية محدودة.
●        أدى الدعم الضخم لأسعار الطاقة والمياه والغذاء إلى سلوكيات استهلاكية لاعقلانية، واستنفاد لرأس المال الطبيعي المحدود، وتوزيع خاطئ للموارد، ما عرقل تطوير الخيارات المستدامة في الطاقة والمياه.
سيتأثر التقدّم في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة كثيراً بمدى التقدم نحو «الأهداف الإنمائية للألفية» (MDGs) الذي أمكن تحقيقه خلال السنوات الـ 15 الماضية. وفي هذا المجال، ثمة فوارق بارزة في المنطقة. لقد حققت بضعة بلدان تقدّماً كبيراً في غالبية المؤشرات، على غرار بلدان مجلس التعاون الخليجي، فيما شهدت بلدان أخرى تقدّماً محدوداً أو لم تشهد أي تقدّم على الإطلاق. وكانت البلدان الأقل نموّاً، إضافة إلى العراق وفلسطين بسبب ظروفهما الخاصة، هي الأضعف أداء. وكان من أبرز الإنجازات في المنطقة تقدّمها باتجاه الأهداف التعليمية وتوسيع الوصول إلى صرف صحي محسّن. وعلى الجانب السلبي، تحل المنطقة في مرتبة تقل نحو 20 في المئة عن الهدف المتعلق بتقليص نقص التغذية وتأمين الوصول إلى مياه الشرب. كذلك يبدو الشرخ كبيراً بين البلدان العربية الغنية والفقيرة في المؤشرات الصحية. وثمة أهمية حاسمة للإقرار بالخصائص المميزة والأولويات والسياقات السياسية والاجتماعية للبلدان العربية. فأولويات التنمية المستدامة وأهدافها في قطر، مثلاً، تختلف بالتأكيد عنها في الأردن. وفي بلد غارق في صراع، مثل اليمن، ستكون حاجات مرحلة ما بعد النزاع مختلفة بشكل كبير. بالتأكيد، ثمة قواسم مشتركة يمكن البناء عليها، ويكتسي التعاون الإقليمي أهمية كبرى.
تقرير «أفد» حول تحقيق أهداف التنمية المستدامة يبني كثيراً على تقارير «أفد» السابقة التي تعالج المسائل التنموية الرئيسية في المنطقة العربية، وتشمل المياه والزراعة والأمن الغذائي والطاقة والاقتصاد الأخضر والاستهلاك المستدام والتغير المناخي. وفي ضوء التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة، يُبرز التقرير خيارات السياسات المتوافرة للبلدان العربية بغية تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
 
ترابط المياه والطاقة والغذاء
ثمة ترابط لا تنفصم عراه بين أمن المياه وأمن الطاقة وأمن الغذاء في المنطقة العربية. عموماً، المنطقة غنية بالطاقة وفقيرة بالمياه والأرض الصالحة للزراعة وتعاني نقصاً في الغذاء. وتشتد هذه الروابط المشتركة في المنطقة مع ازدياد الطلب على الموارد نتيجة النمو السكاني وتغير أنماط الاستهلاك وضعف الكفاءة، وهي ستتفاقم أكثر بسبب تأثيرات التغير المناخي.
ويُعتبَر المشهد الحالي في المنطقة العربية على صعيد سياسات المياه ـ الطاقة ـ الغذاء ـ المناخ معقداً ومجزّأً. وهذا يفرض الحاجة الحاسمة إلى تبني مقاربة ترابط متكامل لدى معالجة إدارة هذه الموارد الحيوية الثلاثة.
 
الفقر والزراعة والأمن الغذائي
يُعتبَر الفقر من التحديات الرئيسية في المنطقة، فهو يزداد منذ العام 2010 بسبب عوامل كثيرة تشمل ظروف السلم والأمن، وشبكات الأمن الاجتماعي الضعيفة، وعدم القدرة على خلق فرص عمل. وإذا نُقِل خط الفقر من 1,25 دولار يومياً للفرد إلى دولارين أو 2,75 دولار، يزداد معدل الفقر في المنطقة من 4 في المئة إلى 19 في المئة أو 40 في المئة على التوالي. ويشكّل هذا الازدياد المذهل في معدل الفقر سمة مميزة للمنطقة العربية مقارنة بمناطق أخرى في العالم.
لكن الإنجازات في مجال الفقر لا ترتبط بمؤشرات أخرى، على غرار معدل نقص التغذية، مع الإشارة إلى أن المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تشهد نمواً في الشريحة السكانية التي تعاني نقصاً في التغذية. فعدد الأشخاص الذين يعانون نقصاً في التغذية قفز من 30 مليون شخص إلى 50 مليوناً بين العامين 1991 و2011، لأسباب من أبرزها النمو السكاني السريع. ويُشَار إلى أن نقص التغذية يرتبط بانتشار الجوع وغياب المستويات المناسبة من الأمن الغذائي، وهذان الأمران يبقيان من التحديات الحاسمة في المنطقة. كذلك تعاني غالبية بلدان المنطقة من العبء المزدوج لسوء التغذية: استمرارية نقص التغذية بالترافق مع ارتفاع في الوزن الزائد والبدانة والأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية، وذلك بمستويات مختلفة وفق مستوى التقدّم الاقتصادي.
لمواجهة تحديات الفقر والجوع والأمن الغذائي، أمام البلدان العربية عدد من الخيارات المتعلقة بالسياسات، تشمل تحسين إنتاجية المحاصيل والمياه، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي المعالَجة واستخدامها، وخفض المستويات العالية لخسائر ما بعد الحصاد، وتطوير مصادر أخرى عالية النوعية للبروتينات كمصائد الأسماك، وإدخال مفهوم المياه الافتراضية في الخطط الوطنية للبلدان بهدف تعزيز التعاون العابر للحدود، وأخيراً وليس آخراً، التعاون الإقليمي الحتمي المستند إلى المزايا النسبية في الموارد الزراعية والمالية للبلدان العربية المختلفة.
 
المياه
يُعتبَر وضع المياه في المنطقة حرجاً. فشحّ موارد المياه العذبة، وارتفاع الاعتماد على الموارد المشتركة، والإدارة غير الوافية للمياه، والتعرفة المنخفضة للمياه، والأنماط اللاعقلانية لاستهلاك المياه وإنتاجها، والنوعية المتدهورة للمياه، التي يفاقمها مناخ متغير، تبقى مصدراً كبيراً للقلق يتهدد استقرار المنطقة وأمنها الغذائي.
وبلغ الوصول إلى ميـاه الشرب الآمنة في المنطقـة 81 في المئة، في حين تدهور في بعض البلدان التي تعـاني نزاعات وعـدم استقـرار، مثل العـراق وفلسطين والسـودان واليمن. وارتفعت التغطية المحسّنة للصرف الصحي إلى 75 في المئة، وسُجِّلت ارتفاعات في البلدان كلها تقريباً. لكن المناطق الريفية لا تزال متخلفة، خصوصاً في البلدان الأقل تقدّماً، حيث الصرف الصحي المحسّن لا يتوافر إلا لنحو خُمس السكان.
هذا الوضع الحرج يستحق عملية استشرافية سريعة لإصلاح قطاع المياه. ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالمياه، يجب أن تشمل الاستراتيجيات المائية الوطنية إحداث تحولات في توزيع المياه بين مختلف القطاعات، استناداً إلى مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتطبيق سياسات تسعير جديدة باستخدام تعرفات تصاعدية لمياه الشرب، مع طلب تسعير للمياه بالكلفة الفعلية في الصناعة، وفرض أنظمة جديدة لمعالجة استخراج المياه الجوفية، وحماية المجاري المائية العامة من النفايات الصناعية. وعلى هذه الاستراتيجيات أن تعزز أيضاً إدارة الطلب على المياه، خصوصاً لتحسين أداء القطاع الزراعي. وأخيراً، ثمة حاجة ملحة إلى تغيير العقلية والموقف والممارسات في المجتمعات العربية من خلال زيادة الوعي المائي. كذلك على البلدان العربية أن تعترف بأهمية الوصول إلى الفقراء وتوسيع الخدمات المائية لتشمل الجميع، خصوصاً في المناطق الريفية.
 
الطاقة
كانت الطاقة محركاً رئيسيـاً للتنمية في المنطقة العربية. فالبلدان المستوردة للنفط والمصدّرة له ترتبط بالسوق العالمية للنفط. وأصبحت المنطقة العربيـة مؤخـراً من المراكز الرئيسية للطلب في العالم. وفاق نمو استهلاك الطاقة الأولية النمو الاقتصادي والسكاني. ومع الاعتماد الكلي على الوقـود الأحفـوري، سـوف تضـع هذه الاتجاهات المنطقـة في مسار غير مستدام. وباستثناء البلدان العربية الأقل تقـدّماً، حيث لا تصل خدمات الطاقة الحديثة إلى نحو 50 مليون شخص، حققت غـالبية البلدان معدلات مرتفعة جديرة بالتنويه للوصول إلى الطاقة.
وإلى جانب الدعم الضخم لأسعار للطاقة، تتميز المنطقة بكفاءة منخفضة في مجال الطاقة، يترافق مع بطء في الاستفادة من الإمكانية الضخمـة لموارد الشمس والريح. ووفر التراجع الأخير في أسعار النفط فرصة لبلدان كثيرة لادخال إصلاحات في أنظمـة دعم الطاقة، بما فيها مصر والأردن والسعوديـة والإمارات وعُمان وقطر والبحرين والكويت.
لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تعدّ كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة عاملين حاسمين لتعزيز أمن الطاقة، وخفض الأعباء المالية لواردات النفط، وتنويـع مزيـج الطاقة. ويمكنهما أيضاً توفير حلول موثوقة ومستدامة لوصول سكان المناطق الريفيـة والبعيـدة إلى خدمات الطاقة الحديثة، مما يساهم في التخفيف من الفقر. وفيما تُعتبَر «مصدر» في أبوظبي مثالاً مضيئاً على مبادرة تحويلية تدعمها الحكومة في مجال الطاقة المتجددة، أصبحت دبي المدينة التي تستخدم الكهرباء الفوتوفولطية الأرخص عالمياً على صعيد الكيلوواط ساعة، من خلال شركة خاصة تطبق نموذجاً استثمـارياً يستند إلى اقتصاد السوق. وعند الجانب الأقصى غرباً للمنطقـة العربيـة، يشكّل المغرب مثالاً بارزاً لأداء متميز في مجال الاستثمار في الطاقة المتجددة للوصول إلى حصة جريئة بنسبة 52 في المئة بحلول 2030.
ويشكّل التعاون الإقليمي والتكامل الطاقوي وسيلة قابلة للتطبيق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
 
التشغيل والاقتصاد الأخضر
توافرت لسكان المنطقة العربية الذين هم في سن العمل تحسينات بارزة في التعليم والمهارات، بفضل الاستثمارات الكبيرة في تطوير رأس المال البشري. لكن من المقلق أن البطالة في الدول العربية عموماً تبقى عالية جداً، إذ يبلغ المعدل نحو 12 في المئة، ويصل إلى 30 في المئة في أوساط الشباب بالمقارنة مع المعدل العالمي البالغ 13 في المئة، وفق أرقام لمنظمة العمل الدولية صدرت في 2014 ويُقدَّر أن البطالة قفزت أكثر في 2015 ـ 2016 بسبب النزاعات والنمو الاقتصادي المتراجع.
يُعدّ الشباب بين 15 و24 سنة أكبر شريحة ديموغرافية في المنطقة، ومعدلاتها تنمو بسرعة. وفي مقدور هذه الشريحة توفير فرص جيدة للتنمية، كما في إمكانها تشكيل تحديات رئيسية على الجبهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا في حال قيام سياسات تستهدف خلق فرص تربوية وتشغيلية.
ويؤدي قطاع التربية دوراً أساسياً في توفير التدريب والمعرفة اللازمين لبناء القدرة البشرية. وثمة ضـرورة للالتزام المعزز بالإنفاق التربوي، مع تركيز خاص على الاختصاصات العلمية والتقنية والهندسية والاجتماعية المرتبطة بالاقتصاد الأخضر. ففيما تستطيع خطط الأمن الاجتماعي ودعم الدخل أن تؤدي دوراً مساعداً، فالحلول الدائمة الوحيدة هي الوظائف الجديدة. وتقدّم الطاقة المتجددة وإدارة النفايات مثالين على توفير «وظائف خضراء». ويمثّل إيصال الكهرباء إلى السكان الفقـراء باستخدام نظم لامركزية للطاقة المتجددة إحدى المساهمات القريبـة المنال التي يمكن لاقتصاد أخضر شامل أن يقدمها، فيما يحفز أيضاً خلق الوظائف ودعم تطوير المؤسسات الاجتماعية.
 
الاستهلاك والإنتاج المستدامان
أدت الوتيرة السريعة للنمو السكاني والتحضر والهجرة الريفية، إلى جانب سياسات الدعم غير المناسبة، إلى ازدياد الطلب على الموارد الطبيعية في المنطقة العربية، وعززت الأنماط غير المستدامة للاستهلاك والإنتاج، ما تسبب بتدهور بيئي.
لكي تتحول البلدان العربية تدريجياً إلى استهلاك وإنتاج مستدامين، يحتاج كل بلد، استناداً إلى ظروفه الاجتماعية والاقتصادية الخاصة، إلى تحديد التدابير ذات الأولوية والشروط الممكِّنة الضرورية لتسهيل ذلك التحول. وتشمل هذه الشروط: الحوكمة الحسنة، والتخطيط المتكامل للسياسات، ونظام الحكم السليم، واستخدام أدوات تستند إلى السوق، وتطوير القدرات، والوصول إلى القطاع المالي والاستثمارات، والبحث والتطوير، والوعي العام، والمشتريات الخضراء. كذلك ثمة دور حاسم للاستثمار في التربية والتفاعلات الاجتماعية، لتغيير العقليات، وزيادة الوعي بالأنماط الحياتية المستدامة، وتسهيل تغيير سلوك المستهلكين، خصوصاً الشباب باعتبارهم عوامل التغيير، بصفتهم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ورواد أعمال وصانعي قرار في المستقبل.
 
التغير المناخي
تُعَد البلدان العربية من بين البلدان الأكثر تعرضاً للتأثيرات المحتملة للتغير المناخي بسبب هشاشة أنظمتها الطبيعية، خاصة ندرة المياه والجفاف المتكرر. وتتخذ المناطق الساحلية في العالم العربي، التي هي عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر، أهمية كبيرة، لأن معظم المدن الرئيسية والنشاطات الاقتصادية قائمة في المناطق الساحلية. وتقع الأراضي الزراعية الخصبة إلى حد كبير في مناطق ساحلية منخفضة مثل دلتا النيل، حيث تعتمد النشاطات السياحية الشعبية على الأصول البحرية والساحلية، مثل الشعاب المرجانية والأنواع الحيوانية المرتبطة بها، التي تتأثر كثيراً بارتفاع درجات الحرارة. وتفرض التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ مزيداً من الضغط على موارد المياه العذبة المحدودة. ومع تخصيص نحو 85 في المئة من موارد المياه العذبة للزراعة، يخضع الأمن الغذائي في العالم العربي منذ فترة طويلة لضغوط بيئية واجتماعية واقتصادية.
وتحتاج البلدان العربية إلى مواصلة الجهود لبناء القدرات الوطنية لكي تتعامل مع الجوانب المختلفة لتهديدات تغير المناخ، والتكيف مع متطلبات الاتفاقات الدولية الناظمة لتغيّر المناخ، وتعزيز التعاون الإقليمي من أجل التكيف مع الأخطار المناخية المحتملة، والعمل عن كثب مع المجتمع الدولي للاستفادة من الفرص المتاحة للتمويل المناخي ونقل التكنولوجيا الصديقة للمناخ.
 
متطلبات تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية
إن تغييراً في عقلية وثقافة تصميم استراتيجيات التنمية وسياساتها وخططها ورصدها وتقييمها، ضروري إذا أرادت البلدان العربية أن تحقق أهداف التنمية المستدامة وتعالج المخاوف المرتبطة بتغير المناخ. ويُعتبَر اعتماد مقاربة متكاملة لصنع السياسة ضرورياً لضمان الانسجام بين السياسات في سياق واحد. وينبغي دعم ذلك من خلال مجموعة من التدابير التنظيمية المستندة إلى السوق، للتأكد من أن السياسات والخطط والبرامج المقترحة قابلة للتطبيق اقتصادياً وعادلة اجتماعياً ومقبولة بيئياً. وعلاوة على ذلك، يُعَد اعتماد مقاربة شفافة وخاضعة للمساءلة وتشاركية شرطاً أساسياً لتحقيق هـذه الغاية.
وبناء القدرات البشرية هو واحد من المتطلبات الرئيسية اللازمة لإحداث نقلة نوعية نحو التنمية المستدامة. فمن المستحسن إصلاح الترتيبات المؤسسية الحالية على المستويين الإقليمي والوطني، مثل إنشاء «مجالس عليا للتنمية المستدامة». وهذا من شأنه ضمان صياغة سياسات متكاملة، وتعاون وتنسيق مناسبين كافيين بين الجهات الحكومية المختلفة، وبين الحكومـة والجهات المعنية غير الحكومية. وستكون المجالس مسؤولة أيضاً عن الإشراف على تنفيذ الاستراتيجيات المقترحة وتقييم تنفيذها، واقتراح إجراءات إصلاحية قد تكون مطلوبة، وضمان اتصال كاف بين الحكومة والجمهور والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
 
تمويل أهداف التنمية المستدامة
النظام المالي بتصميمه الحالي ليس موجهاً إلى دعم التنمية المستدامة. ومع ذلك، يُعَد ضمان الاستدامة المالية للسياسات والخطط والبرامج أساسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ولدعم التنمية المستدامة في البلدان العربية، ثمة حاجة إلى تخصيص مبلغ إضافي يتجاوز 57 بليون دولار سنوياً لهذا الغرض. وهناك العديد من المصادر المحتملة لتمويل التنمية المستدامة من المؤسسات الدولية والصناديق المتعددة الأطراف. لكن، بصرف النظر عن أهمية تأمين موارد مالية خارجية إضافية، ينبغي التركيز على تعبئة الموارد المالية المحلية القائمة، العامة والخاصة، وإعادة توجيهها، مثل التكامل بين القطاعات غير الرسمية في الاقتصادات العربية، ومشاريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والإصلاحات الضريبية وتعديل أنظمة دعم الأسعار، والمؤسسات الخيرية، والتحويلات المالية، والاستثمارات الخاصة.
لقد أدت الجهات المانحة في البلدان العربية ومؤسساتها التنموية الوطنية والإقليمية، على مدى العقود العديدة الماضية، دوراً مهماً في توفير المساعدة التنموية والإنسانية إلى البلدان العربية والبلدان النامية الأخرى. وحالياً تضم مجموعة التنسيق لتمويل التنمية ثماني مؤسسات تنموية وطنية وإقليمية عربية، بالإضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية وصندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد). وجمعت هذه المؤسسات خبرة كبيرة في مجال التعاون التنموي في أنحاء العالم. وبلغت مساهماتها الإجمالية في تمويل عمليات التنمية في أكثر من 140 بلداً نحو 147 بليون دولار في نهاية العام 2014، مع حصة تفوق 55 في المئة للبلدان العربية المتلقية.
ودعمت المؤسسات التنموية الوطنية والإقليمية العربية تمويل الأهداف الإنمائية للألفية، وأعلنت التزامها القوي بمواصلة تقديم المساعدة لتمويل أهداف التنمية المستدامة في أجندة التنمية 2030. ويمكن للبلدان العربية المتلقية جذب مزيد من التمويل لأهداف التنمية المستدامة الخاصة بها من مؤسسات تمويل التنمية في المنطقة، من خلال توجيه استراتيجياتها التنموية باتجاه أهداف التنمية المستدامة، وتحديد أولوياتها وفقاً لذلك بطريقة متسلسلة على أساس عمليات ومشاريع تنموية معدة إعداداً جيداً وقابلة للتنفيذ.
ومن الشروط المسبقة لجذب المساعدات الخارجية تعبئة الموارد المحلية من خلال إصلاحات في السياسات وإعادة تنظيم ممارسات دعم الأسعار وتحصيل الضرائب، إلى جانب تعزيز الشفافية والمشاركة العامة.
ولا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية بحلول سنة 2030 بمعزل عن حالة الصراع في المنطقة. وأبعد من العمل اليوم مع منظمات الإغاثة المحلية والإقليمية والدولية المتعددة لتوفير ضروريات السلامة والحاجات الأساسية للمتضررين، يوصي تقرير «أفد» بإرساء الأساس لدمج تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في الجهود المرتقبة لإعادة البناء.
 
كادر
أهداف التنمية المستدامة
هل تحققها البلدان العربية؟
 
عبدالكريم صادق
 
«أهداف التنمية المستدامة» (SDGs) هي خليفة «الأهداف الإنمائية للألفية» (MDGs) وستبني على التقدّم المحرز فيها. ليس هذا فحسب، بل إن مستوى التقدّم المتعلق بالأهداف الإنمائية للألفية سيشكل الطريق إلى أهداف التنمية المستدامة، سواء لجهة نطاق الأجندة التي ستُنفَّذ والموارد المطلوبة لتنفيذها.
التقرير المرحلي الرابع والأخير في شأن الأهداف الإنمائية للألفية في المنطقة العربية صدر في العام 2013، قبل سنتين من الموعد الأقصى المحدد لتلك الأهداف، أي العام 2015. وهو نظر في التقدّم المحرز في الأهداف الإنمائية للألفية بين العامين 1990 و2012. وتبين «أن المنطقة العربية حققت تقدّماً ملحوظاً نحو بعض الأهداف الإنمائية للألفية. لكن الإنجازات متفاوتة. فالمنطقة تتخلف في بعض الأهداف المهمة، خصوصاً تلك المتعلقة بمكافحة الجوع. وكانت للتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ العام 2010 تأثيرات كبيرة، بما في ذلك وقف مكاسب أهداف الألفية في بعض بلدان المنطقة أو عكسها. وتظل البلدان الأقل تقدّماً متخلفة على عدة جبهات».
وانخفضت نسبة الفقر المدقع في المنطقة العربية بشكل كبير من 5,5 في المئة عام 1990 إلى 4,1 في المئة عام 2010، لكن هذه النسبة قفزت مرة أخرى، لتصل إلى 7,4 في المئة عام 2012. فقد زاد عدد الناس الواقعين تحت الفقر المدقع والجوع من نحو 12 مليوناً عام 1990 إلى نحو 27 مليوناً عام 2012. وعلى رغم أن البلدان العربية كانت تخطو خطوات كبيرة في الحد من الفقر، انعكس الاتجاه نحو التقدّم في بعض البلدان بسبب التحول والصراعات السياسية. مثلاً، مُحِي عقد  من التقدّم في سورية (1997 ـ2007) من جراء الصراع. وقُدِّر الفقر المدقع في سورية بـ7,9 في المئة عام 1997، وانخفض إلى 0,3 في المئة عام 2007، لكنه ارتفع مرة أخرى إلى 7,2 في المئة في 2012 ـ 2013.
تلتزم البلدان العربية بأهداف التنمية المستدامة على خلفية تقدّم غير كاف نحو الأهداف الإنمائية للألفية، وصراعات جارية، وعدم استقرار سياسي في بعض منها. «والتنمية في المنطقة العربية لا يمكن معالجتها بشكل منفصل عن الواقع الإقليمي. فمع استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، تعاني المنطقة من الاحتلال الوحيد المتبقي في التاريخ الحديث. ولا تزال الصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة العربية ترهق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».
إن تعزيز آفاق إحراز تقدم مطرد نحو أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية يعتمد إلى حد كبير، بين أمور أخرى، على تبني استراتيجيات التنمية الوطنية، مع الاعتراف الكامل بالروابط الوثيقة القائمة بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للتنمية المستدامة، بما في ذلك إيلاء الاعتبار الواجب لاطلاق المنافع التنموية المترتبة على التعاون والتكامل الإقليميين. ومع ذلك، تحتاج البلدان العربية التي تعاني من صراعات إلى بذل جهود مركزة استثنائية لبناء السلام واستعادة الاستقرار السياسي، من أجل إرساء بيئة قادرة على توفير الظروف الملائمة لتنفيذ أجندة التنمية لما بعد 2015 وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
 
الدكتور عبدالكريم صادق هو المستشار الاقتصادي للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والمحرر المشارك لتقرير «أفد» 2016 حول التنمية المستدامة في مناخ عربي متغير. وهذا جزء من فصل كتبه للتقرير حول نشوء مفهوم التنمية المستدامة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.