يتسبب تنامي الاستهلاك الحضري في إزالة الغابات وانبعاث كمية ضخمة من غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري وتغير المناخ. وقدرت دراسات حديثة أن إزالة الغابات الاستوائية تساهم في نحو 3 بلايين طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، ما يعادل انبعاثات نحو 600 مليون سيارة.
أشار تقرير حديث لمعهد «وورلد واتش» للأبحاث البيئية في واشنطن بعنوان «كيف يمكن لمدينة أن تكون مستدامة؟» إلى أن النمو الحضـري يتسبب في إزالـة الغابات بطريقتين على الأقل. الأولى، باعتماد النازحين من الأرياف أنماط حياة المدينة، فيميلون إلى استهلاك المزيد من الموارد. وإذ ترتفع مداخيلهم تتغير وجباتهم الغذائية لتشمل حصة أكبر من المنتجات الحيوانية والأطعمة المصنعة. هذا يدفع إلى تعرية الأراضي من أجل رعي الماشية وزراعة الأعلاف، سواء محلياً أو في بلدان أخرى تصدّرها. ويقدّر أن تلبية الحاجات الغذائيـة لسكان العالم، الذين تتزايد أعدادهم ويتحولون إلى حياة حضرية، قد تتطلب ما بين 2,7 و4,9 مليون هكتار إضافية من الأراضي الزراعية سنوياً.
في البرازيل، حصل تصاعد كبير في إزالة غابات حوض الأمازون خلال العقد الأول من هذا القرن. وعُزي ذلك إلى توسيع المراعي ومزارع فول الصويا استجابة للطلب في السوق الدولية، خصوصاً من الصين حيث أدى النمو الاقتصادي وشيوع الوجبات الغذائية الأغنى بمنتجات اللحوم إلى زيادة واردات فول الصويا من البرازيل لإطعام المواشي والدواجن.
وحتى في الزراعة الأوروبية العالية الإنتاجية نسبياً، يحتاج إنتاج كيلوغرام من الخضار المأكولة إلى نحو 0,3 متر مربع من الأرض الزراعية، بالمقارنة مع 7,3 متر مكعب لإنتاج كيلوغرام من لحم الدواجن، و8,9 متر مكعب لإنتاج كيلوغرام من لحم البقر.
العامل الثاني الذي يربط النمو الحضري بزوال الغابات، وفق تقرير «وورلد واتش»، هو أن المدن تتوسع غالباً في الأراضي الزراعية والموائل الطبيعية، بما في ذلك الغابات. وتنمو المدن حول العالم بمقدار 1,4 مليون مقيم جديد كل أسبوع. وتزداد مساحة الأراضي الحضرية أسرع مرتين من النمو السكاني، ويتوقع أن تتوسع بأكثر من 1,2 مليون كيلومتر مربع بين عامي 2000 و2030.
يقول مؤلف التقرير توم بروغ: «المفارقة أن توسع المناطق الحضرية يدفع إلى تعرية الغابات لأغراض الزراعة، إلا أنه في الوقت نفسه يستنزف الأراضي الزراعية القائمة. ويقدر أن التوسع الحضري يؤدي إلى خسارة نحو 33 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية الخصبة كل سنة». ويرى بروغ أن في الإمكان تخفيف أثر التوسع الحضري بالتركيز على أساليب مجرَّبة لتخطيط المدن تعتمد مبادئ «التنمية المدمَّجة والكثافة العالية».
من أهم هذه الأساليب زيادة كفاءة الاقتصادات في توفير الرفاه البشري لكل وحدة من مدخلات الموارد. ويمكن تقليص «بصمة الغذاء» إلى حد كبير من خلال تقليل هدر الطعام وخلق حوافز للتقليل من استهلاك اللحوم.
وقد يكون للمدن دور في تحديد السياسات الزراعية. فإضافة إلى تخفيض استهلاك اللحوم، يمكن تخفيض التأثيرات السلبية لإنتاج اللحوم بالتحول من النظم المكثفة القائمة على الوقود الأحفوري لتربية المواشي إلى نظم أكثر تنوعاً تحاكي تركيبة النظم الإيكولوجية ووظائفها.
|