تنتشر الكهوف في بلدان العالم، وغالباً في المناطق التي تحوي طبقات رسوبية كالصخر الجيري. ويمكن أن تتشكل نتيجة انسياب حمم بركانية على المنحدرات، مما يؤدي إلى تكون «أنابيب» تحت الأرض تُعرف بالحرّات. وثمة ظواهر طبيعية تساهم أيضاً في تشكل الكهوف، كالحتّ البحري والتآكل الناتج عن الأنهار الجليدية وغير ذلك.
استخدمت الكهوف منذ القدم كمساكن ومناسك وملاذات من هجمات الأعداء. ومنها ما بقي مأهولاً حتى الآن، كما في بعض المناطق في شمال الصين حيث توفّر مساكن لنحو 40 مليون شخص. وقد تدخلت يد الإنسان في توسعة بعض الكهوف وتشكيلها في الصخور. فتحولت في العديد من المناطق إلى تجمعات سكنية قائمة بذاتها، كما تظهر الآثار الدارسة في مدينة البتراء الأردنية ومدائن صالح السعودية، أو كما هو قائم حالياً في مدينة مطماطة التونسية.
مخاريط كاندوفان
يمكن اعتبار قرية كاندوفان، في محافظة أذربيجان الشرقية في إيران، من أغرب تجمعات المساكن الكهفية في العالم. وذلك بسبب شكلها المخروطي المنحوت في الصخور وفي الطفّ البركاني، مما يجعلها تبدو كمستعمرة للنمل الأبيض العملاق.
معظم المنازل الكهفية في كاندوفان مكونة من طابقين إلى أربعة طوابق. ويستخدم الطابق الأرضي في المنازل الأكثر ارتفاعاً كحظيرة للحيوانات، والطابقان التاليان للمعيشة، والطابق الأخير كمستودع أو عُليّة. ومما يميز النواتج البركانية التي تشكل هياكل المنازل أنها مادة عازلة للحرارة تبقي الكهوف باردة في الصيف ودافئة في الشتاء.
تتوضع كاندوفان إلى الجهة الشمالية الغربية من جبل ساهاند، الذي يرتفع 3707 أمتار عن سطح البحر. وبسبب النشاط البركاني الأخير لهذا الجبل قبل 11 ألف سنة، تدفق اللاهار، وهو فيضان طيني محمّل بالطفح البركاني وفتات الصخور والتربة والماء، وشكّل طبقة متصلبة زادت سماكتها على مئة متر في منطقة كاندوفان. ونتيجة تساقط الثلوج وتحت تأثير دورات التجمد والذوبان، أخذت طبقات اللاهار بالتشقق، وبفعل عوامل الحت والتعرية تشكلت المخاريط الصخرية.
يبلغ عدد السكان الحاليين في كاندوفان قرابة 800 شخص. ويقال إنهم من سلالة المستوطنين الذين التجأوا إلى المنطقة في القرن الثالث عشر للاختباء عن أعين الغزاة المغول، ثم بدأوا بحفر الصخور واتخاذها مساكن لهم. وهناك العديد من المؤشرات التاريخية التي ترجح أن تكون بداية استيطان كاندوفان حصلت قبل 1600 إلى 3000 عام.
تتمتع كاندوفان بشهرة عالمية، ليس فقط بمساكنها الكهفية التي لا تزال مأهولة حتى الآن، ولكن أيضاً بفضل طبيعتها الساحرة حيث تزدهر النباتات البرية وتكثر الينابيع والعيون، مما يجعلها قبلة للسياح.
ومع ذلك، تبقى كهوف كاندوفان أقل شهرة بالمقارنة مع كهوف كبادوكيا.
كبادوكيا مدينة تحت الأرض
تقع كهوف كبادوكيا ضمن ولايتي قيصرية ونوشهر في وسط تركيا. وقد تشكلت البنى الصخرية فيها بفعل ظروف طبيعية مشابهة لتلك التي ساهمت في تشكيل صخور كاندوفان. ويعود ذلك إلى النشاط البركاني القديم ضمن هضبة الأناضول الوسطى، الذي نتجت عنه سلسلة جبال أعلاها جبل أرجياس الذي يرتفع 3916 متراً عن سطح البحر.
تتميز كبادوكيا بتاريخ مغرق في القدم. فقد كانت موطناً للحثيين قبل نحو 4500 سنة، ثم شهدت تعاقب العديد من القوى للسيطرة عليها، كالفرس والرومان والأرمن والبيزنطيين والسلاجقة، وأخيراً العثمانيين الأتراك. وعلى مر الأزمنة كانت كهوف كبادوكيا ملجأ حصيناً للاحتماء من الغزاة. ومن أبرز معالمها مدينة تحت الأرض نحتت غالبيتها كأماكن للاختباء في عهود المسيحية المبكرة قبل تحولها إلى ديانة مقبولة من أباطرة روما.
إضافة إلى الكنائس الكهفية التي تتميز بفنها البيزنطي، تتفرد كبادوكيا بقلاعها المحفورة في الطفّ البركاني، كقلعة أورتا (القلعة الوسطى) وقلعة أوتش (القلعة الثلاثية). وكانت المساكن الكهفية في قلعة أوتش ما زالت مأهولة بكثافة قبل خمسين سنة، إلا أن المخاطر المتزايدة لعوامل الحت والتعرية أجبرت جميع السكان على الرحيل.
تعتبر كبادوكيا من أهم أماكن الجذب السياحي في تركيا، خاصة وأن تشكيلاتها الصخرية مع متنزه غوريم الذي يقع فيها مدرجة لدى اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي. وهناك الكثير من المعالم التي تستحق المشاهدة في هذه المنطقة، مثل صخور غوريم وكنائسها ومتحفها، ومخاريط الصخور النحيفة التي تدعى «مداخن الجنيات» وتنتشر في أكثر من موقع.
ويستطيع الزائر استكشاف المنطقة من العلى بركوب مناطيد الهواء الساخن التي لا تتوقف رحلاتها معظم أيام السنة.