مصادرة الأراضي، ممارسات العنف على المزارعين، الخناق المفروض على وصولهم إلى الأسواق الخارجية، إغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الإسرائيلية المدعومة، تركيز مشاريع المساعدات الأجنبية على الزراعة المعدة للتصدير، عوامل أدت مجتمعة إلى تقهقر الزراعة والإنتاج الموجه لتغطية الاحتياجات المحلية في الأراضي المحتلة
هاجر العايدي مسؤولـة المناصرة والتأثير في جمعية «العربية لحماية الطبيعة».
زعزع الاحتلال الإسرائيلي والحصار الذي يفرضه أسس النظام الغذائي والزراعي في فلسطين. فبات 33 في المئة من سكان الأراضي المحتلة غير آمنين غذائياً، ينفقون نحو 35 في المئة من دخلهم على الغذاء، ما يشكل أكبر حصة من إنفاقهم النقدي.
تعتمد الأراضي المحتلة حالياً بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية الأساسية. وقد تقلص إنتاج الغذاء بشكل حاد. فبعدما كانت الزراعة تساهم بنحو 19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 1987، هبطت النسبة إلى 5.6 في المئة عام 2012. ويرجع ذلك أساساً إلى مصادرة إسرائيل للأراضي، وأعمال العنف التي يمارسها المستوطنون ضد المزارعين الفلسطينيين، وتقييد إمكانات الوصول إلى الموارد والأسواق.
يعيق الاحتلال قدرة صغار المزارعين الفلسطينيين على الوصول إلى الأسواق التي يشترون منها المدخلات الزراعية ويبيعون فيها منتجاتهم. في الضفة الغربية، ثبتت سلطـات الاحتلال سلسلة من نقاط التفتيش والأماكن المحظورة التي تعيق التحرك ونقل المنتجات، ما يؤدي إلى تأخير الوصول ويزيد كلفـة النقل والتخزين وخسائر الغذاء.
ويُفرض على الفلسطينيين الذين ينقلون المنتجات الزراعية ضمن الضفة الغربية الحصول على تصاريح من الجيش الإسرائيلي.
منافسة غير متكافئة
رسخ بروتوكول باريس للعام 1994 بشأن العلاقات الاقتصادية سيطرة إسرائيل على جميع الحدود الخارجية للضفة الغربية. ومنذ دخوله حيز التنفيذ، تراجع القطاع الزراعي الفلسطيني وازداد الاعتماد على المنتجات الغذائية الإسرائيلية والأجنبية.
واستغلت سلطـات الاحتلال علاقـة القوة غير المتكافئـة هـذه لتعظيم كمية المنتجات التي تصدرها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وتقليل الكمية التي تستوردهـا منها. ومنذ توقيع اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس، نما العجز التجـاري الفلسطيني مع الجانب الإسرائيلي بشكل حاد، من 922 ملـيون دولار في العـام 1995 إلى 2.84 بليون دولار في 2010.
القطاع الزراعي الإسرائيلي مدعوم بشكل كبير، ما يحافظ على الأسعار متدنية نسبياً ويضمن عجز الغذاء الذي ينتجه الفلسطينيون عن منافسة الواردات الإسرائيلية. وكثير من المنتجات الغذائيـة الإسرائيلية التي تباع في أسواق الضفة الغربية تزرع بشكل غير قانوني في مزارع صناعية كبيرة على أراض مسروقة في وادي الأردن، يستغلها مستوطنون يحصلون على دعم كبير من حكومتهم.
في المقابل، تخلى الفلسطينيون عن كثير من مزارعهم الصغيرة التي لا تحصل على دعم مماثل، لعدم قدرتهم على المنافسة.
وقد وجهت انتقادات كثيرة إلى هيئات دولية مانحة بسبب توجيهها الفلسطينيين لكي «يستهلكوا ما لا ينتجون ويأكلـوا فقط ما ومتى يسمح به المحتل». وكجزء من مشاريع المساعدات للمنظمات الدولية، تم تشجيع الكثير من المزارعين الفلسطينيين على إنتاج محاصيل كثيفة الاعتماد على المواد الكيميائية وموجهة للتصنيع والتصدير. وساهم ذلك بشكل ملحوظ في تراجع الإنتاج الذي يلبي الاحتياجات الغذائية المحلية. كما تتغاضى هذه المشاريع عن واقـع الاحتلال الذي يفرض سيطـرة إسرائيليـة على أفضل الأراضي الزراعية مع دعم حكومي وتقييد لقدرة الفلسطينيين على التصدير، ما يجعل المستوطنين في وضـع أقـوى كــثيراً للمنافسة على أسواق التصدير.
مناطق اقتصادية تحتل المزارع
بدأ تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة للصناعة في الضفة الغربية خلال تسعينات القرن العشرين، كجزء من الحركة الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو. وتروج لهذه المناطق دول مانحة كبرى مثل ألمانيا وفرنسا واليابان، إضافة إلى البنك الدولي.
وتقوم السلطة الفلسطينية على نحو متزايد بمصادرة أراضي مزارعين فلسطينيين لبناء هذه المناطق، مدعية حق تملكها من أجل المصلحة العامة، ما يتيح لها شراء الأرض بأسعار أدنى من قيمتها السوقية. وبتجريد منتجي الغذاء من أراضيهم، يخشى السكان أن يتم تحويلهم من مزارعين منتجين إلى أجراء. ولهذه المناطق الخاصة أيضاً علاقة تكافلية مع المستوطنات الإسرائيلية القائمة، وهي تتيح للشركات الإسرائيلية وسيلة سهلة للعمل ضمن الاقتصاد الفلسطيني.
في حالات النزاع الطويل الأمد، يتعين على الأطراف الثالثة، بما فيها الحكومات والمؤسسات الدولية والمجتمع المدني، التزام مبدأين أساسيين: التقيد بالقانون الدولي والامتناع عن التواطؤ في انتهاكه من قبل أطراف أخرى، واحترام حقوق الإنسان والامتناع عن التواطؤ في تجاهلها من قبل أطراف أخرى.
ولكن كثيراً ما تتميز حالات النزاع باختلال توازن القوة وتجاهل حقوق الإنسـان والقـانون الدولي. وهـذا واضح في تسيير النظـام الغـذائي في الأراضي الفلسطينية. لذلك فإن الحلول من أجل الوصول إلى الأسواق يجب ألا تركز فقط على القدرة على العمل بشكل أفضل ضمن نظام غير متساو، بل يجب أيضاً أن تتحدى بشكل مباشر مكامن الظلم في ذلك النظام. وفي جميع حالات النزاع والأزمات الطويلة الأمد، يجب أن يأتي علاج أعراض المشاكل بالتوازي مع علاج المشاكل نفسها.