عزة عبد المجيد (عمّان)
شغف كبير يدفع الفنان الأردني سامي نبيل لالتقاط سحر الأمكنة وغموضها حيثما ذهب، وإن اختلفت بقاع الأرض، ففي الاختلاف يكمن الجمال كما يقول. فن التصوير بالنسبة إليه هو الرصد والمعاينة ومعايشة المكان بما يملكه من روحانية وجاذبية، وقد يستغرق ذلك سفراً طويلاً وانتظاراً وترقباً. إنه عشق الفن، لزمه منذ الصغر على رغم اتجاهه لدراسة الهندسة والعمل في مجالها في بريطانيا حيث يقيم منذ أعوام طويلة.
تبدأ كل رحلة من رحلاته في رحاب الطبيعة بدراسة التضاريس الأرضية وملاءمة الضوء وموقع الشمس وتأثير شروقها وغروبها ومد البحر وجزره. قال مرة إنه قلما ينتج أي أعمال خلال زيارته الأولى لمكان ما، بل يفضل السير فيه مطولاً للتفاعل معه روحانياً قبل استخدام الكاميرا، ثم يحاول تخيل الصورة منجزة ومعروضة بشكلها النهائي.
الشفق القطبي والألوان الراقصة
يتدفق حديث سامي نبيل حين يصف لقطاته التصويرية لظاهرة الشفق القطبي (Aurora Borialis) التي يطلق عليها أحياناً تسمية الألوان الراقصة. وهي مزيج من الألوان الخلابة التي تتشكل فوق منطقة القطب الشمالي للكرة الأرضية، وكذلك فوق القطب الجنوبي حيث تدعى (Aurora Australis)، وتطلق عليها أسماء أخرى كالفجر القطبي أو الأضواء القطبية.
تتشكل هذه الظاهرة على ارتفاع نحو 130 كيلومتراً فوق سطح الكرة الأرضية، نتيجة تصادمات بين جزيئات مشحونة كهربائياً من الشمس لدى دخولها الغلاف الجوي للأرض. وتظهر تلك الأضواء فقط في وسط الظلام، خصوصاً في الشتاء القطبي المظلم، وتكتسب اللون الأخضر المصفر عند حدوثها، وفي أحوال نادرة اللون الأحمر.
كان نبيل عازماً على التقاط صورة مكتملة لتلك الأضواء حين توجه إلى منطقة قطبية في شمال فنلندا، بعيداً عن أي نشاط سكاني. كان عليه العمل في برودة تتراوح بين 18 و20 درجة مئوية تحت الصفر، في منطقة خالية من التلوث الضوئي والغيوم. وإذ لم يكن بمقدوره التنبؤ بموعد ظهور الشفق القطبي، كان لا بد من الانتظار مطولاً قبل أن يتمكن في النهاية من التقاط تلك الصور.
شمس منتصف الليل
تضفي شمس منتصف الليل سحراً خاصاً على صور سامي نبيل. قد يبدو هذا التعبير غريباً لسكان الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، لكنه يقول إن الشمس لا تغيب بالفعل في بعض الدول الاسكندينافية خاصة، بل ليس هناك ظلام. فالضوء متواصل خلال شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) من كل عام، ويتداخل «شروق» الشمس و«غروبها» ببطء شديد بين العاشرة مساء ونحو الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل.
ويتابع الفنان الأردني دراسة تلك الظاهرة، ويتوجه باستمرار إلى مناطق في النروج وآيسلندا لالتقاط صوره الفنية في مختلف الأوقات.
مرتفعات اسكوتلندا
لا تستنفد المخيلة كل ما يتبدى في موقع ما، وهذا ما يشعر به نبيل في زياراته الدائمة إلى اسكوتلندا، لما تزخر به من طبيعة ساحرة ومشاهد مثيرة تترامى عبر مساحات شاسعة بين ساحل وأنهار وبحيرات ومرتفعات وغابات. هو دائم السفر إليها، ربما لقربها من مقر إقامته. إنه مكان يفرض نفسه عليه، حيث يسلم نفسه للطبيعة، مستقبلاً إيحاءاتها ومستكشفاً صور الجمال الكامنة بما تشهده العين من أضواء تنبعث مع اختلاف أوقات النهار والليل.
تتصف تلك الأصقاع في بعض أشهر السنة بشتاء قاس وأجواء عاصفة. ولكن عنف الأحوال المناخية لا يحول دون تصوير تأثيراتها على البيئة، وما ينتج من أضواء قد تعكسها أشعة شمس في لحظات سريعة، أو ثلج ناصع البياض يغطي المرتفعات، أو عتمة تتسلل، أو قتامة جو بفعل أمطار منهمرة تلوح من خلالها أشجار غابات تقاوم عصف الرياح.
يتحدث نبيل باستفاضة وشغف في وصفه لطبيعة اسكوتلندا وما يمتد عبرها من أراض بكر تستهويه بصورة خاصة، وقد دفعته ولا تزال لمواصلة زياراته إليها عبر سنوات طويلة. ويقول إنه التقط صوراً في غمرة أحوال جوية اندفعت فيها الرياح بسرعة 150 كيلومتراً في الساعة.
لا يتوقف هذا الفنان الأردني عن استكشاف أسرار الجمال في الطبيعة بمخيلة خالية من التحيز أو التخمين، بل ينتظر أن تباغته بسحرها وفرادتها ليلتقط لها صوراً تحمل تنوع الأمكنة واختلافها.
يمكن الاطلاع أيضاً على صور براري الأردن بعدسة سامي نبيل في عدد آذار ـ نيسان (مارس ـ أبريل) 2016 من «البيئة والتنمية».