تخترق الطائرة قلب السحابة المرصودة، ويبدأ الطيار إطلاق الشعلات المركزة على جناحيها، فتبذر مركّبات الملح التي «تلقح» السحب. وتبدأ قطيرات الماء الموجودة في السحابة بالتجمع حول جسيمات الأملاح، حتى تصبح قطرات كبيرة الحجم ويصبح الهواء غير قادر على حملها، فتسقط مطراً.
وعلى الأرض، يقوم خبراء المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل في أبوظبي بتعقب الطائرة. لقد بدأوا عمليات تلقيح السحب لاستمطارها منذ 15 عاماً، في أحد مساعي مواكبة تزايد عدد السكان في الإمارات، إحدى أكثر الدول استهلاكاً للمياه في العالم على الصعيد الفردي.
نفذت طائرات المركز 186 طلعة جوية لتلقيح السحب والاستمطار الاصطناعي خلال العام 2015. وتستغرق كل طلعة بين ساعتين وثلاث ساعات، وتكلف نحو 5000 دولار. لكن خبراء المركز يؤكدون أن تكاليفها أرخص وأكثر صداقة للبيئة من محطات تحلية مياه البحر، مصدر المياه العذبة الرئيسي في الإمارات.
ويقول المدير التنفيذي للمركز عبدالـله المندوس إن المادة المستخدمة هي نوع من الأملاح التي تبذر بكمية صغيرة جداً ولا تؤثر على البيئة ولا تلوث الأمطار والهواء.
ويوضح خبير الاستمطار في المركز سفيان فراح أن المنطقة الأكثر هطولاً للأمطار والأكثر فعالية لتلقيح السحب في الإمارات هي المنطقة الشرقية، لوجود السلاسل الجبلية التي تعمل على دفع الهواء إلى الأعلى فتتشكل السحب الركامية، خصوصاً في أشهر الصيف. أما في فصل الشتاء فتتم عمليات الاستمطار من دون التركيز على مناطق معينة، على أن يكون التلقيح على ارتفاع نحو 2400 متر عن سطح الأرض. ويستغرق تفاعل السحب مع عملية التلقيح عادة ما بين 15 و20 دقيقة، تهبط بعدها الأمطار، بشرط أن تكون السحب الملقحة ركامية مع رياح نشطة.
ولدى المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل 74 محطة لرصد وقياس عناصر الطقس، بما فيها الحرارة والرطوبة والإشعاع الشمسي والضغط الجوي وسرعة الرياح، بالإضافة إلى خمسة رادارات ثابتة ورادار متحرك لرصد الأمطار، كما يستقبل معلومات الأرصاد من خمسة أقمار اصطناعية. ولديه ستة طيارين وست طائرات مجهزة بأحدث التقنيات والأجهزة الحديثة لإجراء عمليات تلقيح السحب واستمطارها.
يرصد خبراء المركز السحب بواسطة الأقمار الاصطناعية. وعند ظهور تشكل سحابة في منطقة ما داخل الإمارات، مع توافر مجموعة من المعايير المناسبة تشير إلى قابلية إجراء عملية التلقيح، يتم وضع الطائرة والطيار في حالة الاستعداد. ويوجه خبراء الأرصاد الطيار ويتابعونه أثناء عملية التلقيح.
يبدأ الطيار بحرق الشعلات (flares) الموجودة على جناحي الطائرة، فتطلق مواد التلقيح وهي مركّبات الملح، التي تتجمع حولها قطيرات الماء الموجودة في السحب حتى تكبر وتثقل وتسقط على الأرض.
لكن الشعلات لا تكون فعالة إلا إذا انطلقت من داخل السحب. لذلك، عندما تكون «طيار استمطار»، فإنك لا تتجنب العواصف، بل تتوجه إلى داخلها. يقول الطيار النيوزيلندي مايك أنستيز الذي يقوم بطلعات الاستمطار في أبوظبي: «هناك مخاطرة محسوبة، فيجب أن تعرف متى يحين الوقت للخروج».
تنفذ عمليات الاستمطار في الإمارات منذ العام 2000 بالتعاون مع منظمات عالمية. وقد بيَّنت أنه يمكن زيادة هطول الأمطار بين 15 و35 في المئة. وفي 2015، الذي أعلن عام الإبتكار والإبداع في الدولة، أُطلق برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، لدعم البحث والابتكار في هذا المجال محلياً وعلى المستوى الدولي. وذلك من خلال هدفين هما تطوير علوم الاستمطار وتقنياته وتطبيقاته، وزيادة كمية الأمطار لتعزيز أمن المياه في الإمارات وغيرها من المناطق الجافة وشبه الجافة في العالم.
ويقدم البرنامج منحة سنوية بقيمة خمسة ملايين دولار لأفضل الأبحاث في علوم الاستمطار. وأكدت مديرته علياء المزروعي الحرص على تحفيز الباحثين والعلماء والطلاب في الإمارات على المشاركة بأفكارهم وأبحاثهم وابتكاراتهم في هذا المجال.
كادر
أول استمطار في الأردن
أجرت دائرة الأرصاد الجوية الأردنية أول عملية استمطار اصطناعي في البلاد في آذار (مارس) 2016، في منطقة سد الملك طلال شمال عمان، بعد أيام من توقيع الحكومة الأردنية مذكرة تفاهم مع الحكومة التايلندية لتطبيق تكنولوجيا الاستمطار في الأردن. والهدف اختبار واعتماد وسيلة غير تقليدية لمواجهة أزمة شح المياه المتفاقمة والتوسع في تطبيق نظام الزراعة الجافة في الصحراء والمناطق الهامشية.
ويعد الأردن ثالث أفقـر دولة في العالم من حيث حصة الفرد من المياه. وأوضح المدير العام لدائرة الأرصاد الجوية محمد سماوي أن العملية نفذت بالتعاون مع سلاح الجو الملكي الأردني. وشـرح أنـه «تم نثـر مـواد رفيقـة بالبيئـة لتلقيـح الغيوم، وهي كلوريد الكالسيوم والجليد الجاف وملح الطعام واليوريا»، مشيراً إلى أن عمليات الاستمطار ستتوالى بناء على نتائج العملية الأولى.
كادر
5 ملايين دولار لثلاثة فائزين بجائزة برنامج الإمارات لبحوث الاستمطار
فازت فرق بحثية من اليابان والإمارات وألمانيا بمنحة الدورة الأولى من برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار. وتسلمت ما مجموعه خمسة ملايين دولار في حفل خاص أقيم خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة في كانون الثاني (يناير) 2016. وتنافست البحوث الثلاثة الفائزة ضمن قائمة ضمت 78 بحثاً. وهي:
● فريق جامعة ناغويا في اليابان، عن تحسين هطول الأمطار في المناطق الجافة وشبه الجافة بالتركيز على الخوارزميات (logarithms) المبتكرة وأنظمة الرصد الخاصة بالتعرف على السحب المناسبة لعمليات التلقيح. وقد ساهم باحثون من جامعة طوكيو والوكالة اليابانية للأرصاد الجوية في هذا البحث.
● فريق معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا في الإمارات، عن استخدام وتطوير تكنولوجيا النانو لتسريع عملية تكثيف الماء وتكون قطرات المطر وصناعة مواد جديدة لتلقيح السحب. وشارك في البحث باحثون من جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة بلغراد.
● فريق معهد الفيزياء والأرصاد الجوية في جامعة هوهنهايم الألمانية، عن دراسة تلاقي الرياح وتحسين الغطاء الأرضي من أجل زيادة هطول الأمطار.وسيعمل طاقم متخصص من المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل في الإمارات مع الفرق الفائزة خلال السنوات الثلاث المقبلة لتنفيذ مشاريعها البحثية في الإمارات.