مركز مراقبة، وشبكة حافلات سريعة، وتلفريك لمجتمعات منعزلة على التلال، ومسارات دراجات هوائية، مع عمل محلي وإقليمي لترويج أفضل الممارسات
تشهد مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية فورة في النقل الجوي أثناء موسم الكرنفال السنوي الشهير في شباط (فبراير)، لكن حركة النقل اليومية فيها هي التي تجتذب اهتمام أنصار الاستدامة حول العالم. وتعرف هذه المدينة بجمال مناظرها الطبيعية وتمثال السيد المسيح على جبلها وشاطئ كوبا كابانا المطل على المحيط الأطلسي. لكن قدرة المواطنين محدودة على الوصول إلى هذه الأماكن، وإلى مقاصد أخرى لتأمين سبل عيشهم، بسبب عدم كفاءة النقل العام وازدياد الاعتماد على السيارات الفردية التي تحدث ازدحاماً مرورياً.
وتفتقر الشرائح الفقيرة إلى نقل عام موثوق ويمكنها احتمال كلفته. ويواجه الركاب نقليات طويلة مضنية بسبب الازدحام الشديد الذي تفاقمه جغرافية المدينة، والذي أظهرت دراسة أنه كلف مدينتي ريو دي جانيرو وساو باولو 43 بليون دولار خلال العام 2013 وحده.
لكن نظام المواصلات في ريو يتحول إلى الأفضل. فخلال السنوات القليلة الماضية، بدأت سلطات المدينة مساعي لاعتماد حلول منخفضة الكربون للنقل الحضري.
احتفالاً بالذكرى الـ450 لتأسيسها عام 1565، وبصفتها المدينة التي استضافت دورة كأس العالم 2014 وسوف تستضيف الألعاب الأولمبية صيف 2016، تتخذ ريو إجراءات ملموسة لتحويل صورتها إلى مدينة رائدة عالمياً في النقل المستدام. والحلول الحضرية التي تعتمدها المدينة وعمدتها إدواردو باييس، الذي يرئس أيضاً تحالف C40 المناخي الدولي الذي يضم حالياً أكثر من 75 مدينة كبرى ويسعى إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية، يمكن أن تلهم مدن العالم.
مركز مراقبة
بنت ريو مركزاً متكاملاً للعمليات عام 2010، يتيح لأكثر من 30 وكالة وهيئة مراقبة ما يحدث في المدينة في الوقت الحقيقي. وخلال السنوات الأربع الماضية، استطاع مركز العمليات تقصير وقت الاستجابة للحالات الطارئة بنسبة 30 في المئة. وهو يستمد قدراته من عنصرين رئيسيين: الأول هو التكنولوجيا، حيث تربط شبكة من الألياف البصرية 650 كاميرا في أنحاء المدينة، ويعمل 100 جهاز لقياس الأمطار على مدار الساعة. والعنصر الثاني هو اعتماد نظام المركزية. وإضافة إلى ذلك، تتم مراقبة نحو 8800 حافلة وسيارة تابعة للبلدية بواسطة نظام تحديد المواقع (GPS) لتتبع حركة السير والاستجابة السريعة للحوادث.
ويتيح مركز المراقبة كفاءة التحرك والاستجابة للأخطار الطبيعية والأحداث الأخرى حفاظاً على سلامة المواطنين. وقال باييس في مقابلة مع شبكة CNN: «أكبر فوائد المركز هي الكوارث التي يمنع حدوثها».
حافلات سريعة
وضعت سلطات ريو في تصرف السكان والسياح شبكة للنقل السريع بالحافلات تخدم تسعة ملايين شخص وتوفر 7,7 مليون ساعة نقل شهرياً. وكل حافلة على الخطين الحاليين تغني عن 126 سيارة في المتوسط، ما يخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 38 في المئة على هذين الخطين.
وتطمح المدينة إلى جعل شبكة النقل السريع بالحافلات الأفضل في البرازيل بحلول سنة 2018، وسوف تفتتح خطاً ثالثاً سنة 2016 لخدمة مواقع الألعاب الأولمبية ووصلها بالخطين الحاليين.
تلفريك لمجتمعات منعزلة
لم يكن الوصول إلى الضواحي الفقيرة على تلال ريو متاحاً إلا على الأقدام أو بوسائل نقل غير منتظمة. وفي مسعى لتسريع وتيسير وصول سكان هذه المناطق إلى وسط المدينة، تم إنشاء «تلفريك أليماو» عام 2011، وهو أول تلفريك للنقل العام في البرازيل، ويحق لكل مقيم الحصول على تذكرة مجانية لاستخدامه ذهاباً واياباً مرة في اليوم.
يمتد التلفريك فوق مسافة كيلومتر ونصف كيلومتر، ويشمل 152 عربة هوائية تتسع كل منها لعشرة أشخاص، في رحلة تستغرق 16 دقيقة لإيصالهم الى محطة القطارات في المدينة. فبات المقيمون أيسر وصولاً إلى فرص العمل وإلى مراكز الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.
شبكة دراجات هوائية
ضمن استراتيجيتها لتخفيض الانبعاثات الكربونية، أعلنت ريو برنامجها «ريو عاصمة الدراجات» لتطوير 300 كيلومتر من البنى التحتية للدراجات الهوائية بحلول سنة 2016. ويشمل الاستثمار طرقاً ومسارات خاصة بالدراجات، وخطوطاً على شوارع مشتركة مع السيارات والمشاة، ومواقف للدراجات. وبين 2009 و2012، أنشأت المدينة 150 كيلومتراً من طرق الدراجات الجديدة في موازاة شاطئ البحر ووصلت بحيرة المدينة بحي بوتافوغو الذي يضجّ بالحياة.
وتشمل المراحل المقبلة وصل مسارات الدراجات بشبكتي المترو والنقل السريع بالحافلات في عدة أحياء، وليس فقط على الشاطئ حيث الاعتماد على الدراجات للسياحة.
وخلال سنة 2015، تعتزم المدينة توسيع برنامج «الدراجات المشتركة» من 60 إلى 260 محطة، مع إضافة 2600 دراجة جديدة للمشتركين. وفي حين يبقى هذا النظام أصغر مما في مدن رائدة في هذا المضمار مثل باريس ولندن ونيويورك، فهو يحتل المرتبة الثانية في أميركا الجنوبية.
سوف تواجه ريو تحديات كبرى على الدوام، لكنها في بداية الطريق نحو مستقبل مستدام. والخطوات التي اتخذتها جديرة بالاقتداء في مدن أخرى في البرازيل وأميركا الجنوبية وأبعد. ويتولى عمدة المدينة إدواردو باييس نشر هذه الأفكار بصفته رئيس تحالف C40، وسوف ينضم إلى قادة وخبراء من أنحاء العالم ضمن مبادرة المعهد العالمي للموارد (WRI) للنقل المستدام، للمشاركة في قمة عمداء المدن في 9 أيلول (سبتمبر) 2015 وفي المؤتمر الدولي للمدن والنقل من 10 إلى 11 أيلول (سبتمبر)، ترويجاً للممارسات التي يمكن أن تلهم العمل البلدي في أنحاء العالم.