Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
راغدة حداد أخر غابة في بيروت  
كانون الأول (ديسمبر) 2005 / عدد 93
 متحف نباتي حي ومنتزه طبيعي لا مثيل له، نمت أشجاره من غرسات وبذور جيء بها من أقطار العالم منذ تأسيس الجامعة الأميركية في بيروت عام 1866. هذه الواحة الخضراء، التي تمتد من البحر المتوسط الى هضبات رأس بيروت، تكاد تخنقها، بعد 140 سنة، الأبنية المتلاصقة كغابات من الاسمنت.

حدثتني صديقتي، وعيناها على ابنها الذي كان يتسلق شجرة البانيان العملاقة قرب مبنى الأسِّمبلي في الجامعة الأميركية في بيروت، قالت: "كم تسلقت هذه الشجرة حين كنت أدرس هنا. وتسلقها أبي الذي درس ادارة الأعمال في الخمسينات. وتسلقها جدي الذي تخرج من هذه الجامعة طبيباً في ثلاثينات القرن الماضي".

تلك الشجرة العتيقة، التي يحاول جميع طلاب الجامعة تسلق جذورها الهوائية، أو يتمنون ذلك، زرعت حوالى عام 1880، وهي مــن تيــن البنغال (Ficus bengalensis) الذي لا يشبه تيــن لبنان ولا يحمل ثمره. وتنتصب قربها تينة المعابد الهندية (F. religiosa) ومـن التينيات الغريبة الأخـرى شجرة ضخمة هوائية الجذور (F. retusa) خارج المدخل الطبي، وتينة اوستراليا (F. rubiginosa)  قرب مبنى وست هول، وشجرة مطاط (F. elastica) قرب غابات مبنى كلية ادارة الأعمال جيء بها من مالايا حيث تعيش في غابات كثيفة.

الجامعة الأميركية غابة محمية لا مثيل لها في الشرق الأوسط، بل في العالم. وكما يصفها الدكتور شارل أبو شعر، الذي تخرج في كلية الصيدلة عام 1936 وعلَّم فيها وما زال أستاذاً فخرياً، "انها حديقة نباتية من الأعشاب والشجيرات والأشجار، نباتاتها اجتمعت من مختلف أرجاء العالم، تماماً مثل الناس فيها".

حديقة الشباب
تحت عنوان ''حرم الجامعة الأميركية: حديقة شبابنا الدائمة الأخضرار''، كتب الدكتور شارل أبو شعر مقالاً في نشرة ''الكلية'' الصادرة في الجامعة صيف 1988 ذكر فيه بعض أشجار الحرم الجامعي ونباتاته المتنوعة. وبعد ثلاث سنوات صدر له كتاب The Woody Plants of AUB Campus وثَّق فيه أشجار الجامعة وضمت لائحته 172 نوعاً تنتمي الى 56 عائلة. وكثيراً ما كنا نصادفه يجول على الأشجار يتفحصها، حين كنا طلاباً هناك في السبعينات. وهو ما زال حتى اليوم يتفقد تلك ''الرفيقات'' كلما سنحت له الفرصة.
 
ماذا يمكن أن تلقى في جولة داخل الجامعة؟ تنتشر أشجار دائمة الخضرة تضفي على الحرم رونقاً دائماً. فهناك أرزة لبنان، وهناك الصنوبر المحلي الذي تؤكل نواته، وصنوبر حلب أو حَبّ قريش ذو الأكواز الرفيعة، وصنوبر الكناري البحري الذي يتميز بكبر شجرته وأكوازه. السَّرو العملاق، و''شجرة الحياة''، والغار الشمال أفريقي، أنواع صنوبرية أخرى نادراً ما تشاهد في أي مكان خارج بلدانها الأصلية.
 
وتزهر أشجار حاملة تباشير الربيع، ومنها ''شجرةيوضاس'' (redbud) بأزاهيرها البنفسجية الفاتحة، والدفلى المتوسطية وهي شجرة سامة يستخرج منها عقار للقلب وتحمل أزهاراً بيضاء أو حمراء أو زهرية. ويزهو عنب الثعلب ذو الأزهار الذكرية الزاهية الألوان، والياسمين الناصع البياض، والوستيريا الصينية المتسلقة التي تزهر قبل أن تورق. وفي الماضي القريب كانت نبتة مخلب القط الأرجنتينية تلتفّ على الأشجار والأبنية، خصوصاً كولدج هول، وتتفتح زهرات صفراء براقة كبيرة.
 
وفي موسم الميلاد تلفت الأنظار وريقات حمراء في زهرات شجرة البوانسيتيا قرب الكنيسة (مبنى الأسمبلي)، وكذلك شجرة توت الميلاد. وتتفتح في الخريف والربيع أزهار الصبر البرتقالية، وتنضح الأوراق السميكة لهذه الشجرة عندما تقطع عصارة مرة تستعمل في الطب كمسهِّل وشاف للحروق.
 
يبقى حرم الجامعة مزهراً على مدار السنة بتفتح زهرات شجرة هنا وشجرة هناك. ومن الأشجار الكبيرة المزهرة الجكرندةالبرازيلية بأزهارها الزرقاء الكبيرة التي زرعها دانيال بلس في أواخر القرن التاسع عشر. وقـد أحضرت التيبوانا مـن بوليفيا، وشجرة المرجان (Erythrina caffra)  من جنوب أفريقيا، والليبيك (البيزيا) من آسيا الاستوائية وشمال أوستراليا. ومن أوستراليا أيضاً الاوكاليبتوس أو الكينا، وشجرة ذيل الحصان الصنوبرية، و''شجرة القارورة'' أو البراكيكيتون العملاقة ذات الجذع الأخضر الأملس والتي تكون إما ذكراً وإما أنثى، خلف مبنى الكيمياء في الحرم السفلي، وسنديانة الحرير العتيَّة من نيوساوث ويلز التي بقيت واحدة منها بين مبنى فاندايك ومبنى العلوم الطبية.
 
ومن المزهرات أيضاً الأكاسيا (السنط) ذات الأزهار الصفراء أو البرتقالية البراقة، والدومبيا والبوانسيانا الملكية (زهرة الطاووس) من مدغشقر، والبومباكس والكاسيا والبوهينيا (شجرة الاوركيديا) ذات الأزهار البيضاء والارجوانية من الهند، والجرسيّةالصفراء من أميركا الاستوائية، وصبّار سوفورا الأميركي.
 
ولعل أقدم الأشجار التي تحمل بزوراً هي السيكاس، المتوسطة شكلاً بين السرخس والنخل، مقابل مبنى الأسمبلي ومبنى بوست. وشجرة الخروب قرب متحف الجامعة انبثقت من جذع كبير خلفته عاصفة قصمت الشجرة العتيقة. وثمة خروبتان قديمتان أيضاً، واحدة عند أعلى السلم جنوب مكتبة يافث، وأخرى في أسفل السلم المؤدية الى كلية الزراعة. وتستقبلك خارج المدخل الطبي شجرة ''الصندوق الفيكتوري'' الاوسترالية (Pittosporum undulatum) التي تتفتح أزهارها العطرة في الربيع. أما قريبتها اليابانية فباتت منتشرة على أسيجة الحرم الجامعي.
 
تتجول في الجامعة كأنك في حديقة عطور. ومن الحرم الأعلى المحاذي لشارع بلسّ في رأس بيروت، نزولاً الى الحرم الأسفل عند شاطئ البحر، تتسلق البوغنفيلية البرازيلية الجدران والأسيجة بوريقاتها القرمزية أو الحمراء أو الزهرية التيتختبئ داخلها أزهار ملونة. وتتألق صريمة الجدي (honey suckle) الرحيقية القرمزية الأزهار من رأس الرجاء الصالح، ومواطنتها العشبة الرصاصية ذات الأزهار الزرقاء اللازوردية قرب الملعب الأخضر. ولا يفارقك الشذا صعوداً الى المدخل الرئيسي حيث أشجار الفتنة المكسيكية تعطر الأجواء بأزهارها الصفراء، وصولاً الى الآس العنبي الليلكي الأوراق قرب مبنى نايسلي.
 
ومن الأشجار المميزة الزيتون، واللبلاب الانكليزي، وعريشة فيرجينيا القوية، والميسة الكبيرة قرب مبنى الأسمبلي التي تسقط أوراقها في الشتاء، وشجرة فلفل كاليفورنيا، والفستق الحلبي، والايلنطس الهندية أو ''شجرة السماء''، وشوك النار بثماره البرتقالية الجميلة، ونبتة الخروع التي تنمو الى حجم شجرة في مناخ لبنان.
 
وعلى جذوع بعض الأشجار لوحات نحاسية تحمل اسم الشجرة بالانكليزية، واسمها العلمي باللاتينية، واسم بلدها الأصلي الذي أحضرت منه.
 
تاريخ أشجار عتيقة
قال لي الدكتور شارل أبوشعر حين زرته في تشرين الأول (اكتوبر) 2005: "أرأيتِ هذه العصا؟ وليم وست أعطاني إياها. نزعها من شجرة قيقب في الثلاثينات ليستعملها كعكاز. كان يجول في الأرياف باحثاً عن نباتات لبنان. وقد عاد مرة من فلسطين حاملاً قصفة من الصبر المرّ (Aloe vera) غرسها في قبعته، اذ لم يكن معه وعاء. تجدينها الآن شجرة قوية في الوادي تحت ماركواند هاوس".
 
دوّن الدكتور وليم وست، الذي كان أستاذاً للكيمياء، أن شجرة السنديان الكبيرة قرب المرصد القديم كانت هناك قبل تأسيس الجامعة، وهي أعتق الأشجار الموجودة في حرم الجامعة. وكانت هناك أيضاً بعض أشجار الخروب. وقد كرس وست سنوات طويلة لهندسة المنظر الطبيعي للجامعة. وغرس بيده نخلات واشنطن المروحية في صف على المرج البيضوي قبالة مبنى فيسك، مستشرفاً أنها ''ستعلو بجذوعها الشبيهة بالأعمدة لتوحي بساحة رومانية''. كما زرع سروات من أريزونا عام 1923، وما زالت إحدى شجراته خلف مبنى المرصد. ومن مجموعاته الخاصة أشجار الدفلى في المدرَّج شمال ماركواند هاوس (بيت رئيس الجامعة). وقد أحضر ثمار بلوط من نوع Ilex زرعها غرب مكتبة يافث وجنوب غرب مبنى بلس. كما زرع في أنحاء متفرقة بلوطات من السنديانة العتيقة قرب المرصد، ''وهذه ربما تخدم أهل القرن الحادي والعشرين مثلما خدمت أمهاتها أهل القرن العشرين''، كما جاء في مدوَّناته.
 
وكتب وست عام 1965، في رسالة الى رئيس الجامعة آنذاك نورمان برنز: "جميع أشجار السرو في حديقة ماركواند هاوس تعود الى أيام آل دودج (رئيس الجامعة خلال الفترة 1923 ـ 1948). أما السروات العشر في المثلث شرق المنزل فقد زرعها دانيال بلس، وماتت إحداها في الأربعينات فغرست أخرى مكانها. لا بد أن تلك الأشجار زرعت حوالى عام 1880. وشجرة البانيان قرب الكنيسة تعود الى الفترة ذاتها، كانت كبيرة حين كنت صبياً صغيراً، ولطالما تسلقتها".
 
أضاف وست في رسالته: "الصنوبرات المقابلة لمبنى بوست، وتلك الأبعد قليلاً على المنحدر، زرعها دانيال بلس أيضاً. وأذكر جيداً، وأنا صبي، أنه كان ممنوعاً علي أن أركض في تلك البقعة خوفاً من أن أدوس تلك الشجرات وأكسرها! أما شجرة الاوكاليبتوس العملاقة شرق الكنيسة، فقد زرعها هنري غلوكلر الذي أحضرها معه من القدس في علبة بسكويت معدنية عام 1911، وفي وقت ما قبل الحرب العالمية الاولى أحضر جورج ستيوارت، أمين صندوق الكلية السورية الانجيلية (اسم الجامعة آنذاك) بزور أشجار متوطنة في كاليفورنيا وأوستراليا، ولعل سروات مونتراي تعود الى تلك الحقبة... وكذلك أشجار الغريفيلية".
 
وكان وست يأمر باقتلاع أشجار بعدد تلك التي يزرعها تقريباً، لينمو غيرها براحة، ''ولو لم أفعل لاستحالت رؤية البحر من أنحاء كثيرة في حرم الجامعة''. وقد ذكر أن الشجرة الكبيرة (Ficus retusa) قريبة البانيان خارج المدخل الطبي تعود الى 1931 – 1932، و"لكن لم أزرعها أنا، ولم أكن لأسمح بأن تنمو بجذع منقسم، فهذا ضعف كفيل بهلاكها في عاصفة عاتية".
 
المخطط التوجيهي الجديد لتطوير حرم الجامعة يتضمن خطة لتعزيز بيئة شرق ـ متوسطية في الحرم الأوسط، وهو الجزء الأكثر انحداراً في الجامعة وبمثابة حزام أخضر فريد يفصل بين الحرمين الأعلى والأسفل. وتلحظ الخطة إبدال بعض النباتات الموجودة بأخرى أكثر ملاءمة للبيئة المحلية. لكن هناك دعاة كثيرين لابقاء الحياة النباتية ''العالمية'' على حالها في هذا الحرم الذي يربطه الناس بصرياً بالجامعة.
 
لقد اختفت أشجار كثيرة كانت هناك، ومنها شجرة صينية تدعى ''شعر الفتاة''، وشجرة البن الأفريقي، وشجرة التمر الهندي، وغيرها. بعض الأشجار العتيقة، والتي ضربتها صواعق أو شظايا خلال أحداث لبنان، تحتاج الى عمليات ''جراحية'' خاصة أو الى تهوئة للجذور ومعالجة لتملح التربة. ولكن الجامعة ما زالت تجمع نحو 150 نوعاً من الأشجار يقدر تعدادها حالياً بـ11,000 شجرة، بما فيها أشجار صغيرة وشجيرات كبيرة. السنديانة العتيقة قرب المرصد القديم باقية هناك. وما زالت أشجار البانيان العملاقة متعة للنظر، وأقدمها واحدة كأنها معبد للصلاة هي الآن في الحرم السفلي لمدرسة الانترناشونال كولدج (IC) المجاورة. وثمة شجرة غار تنمو في فجوة شجرة أخرى تحت مبنى نايسلي مقابل المستوصف. في صحراء الاسمنت التي أطبقت على العاصمة اللبنانية، تبقى الجامعة الأميركية متحفاً نباتياً حياً لا مثيل له، وآخر غابة حقيقية في بيروت.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.