زودت مجموعة «فولكسفاغن» نصف مليون سيارة من طرازي VW وAudi ببرنامج كومبيوتر أدى الى خداع الفاحصين في قياس انبعاثات العادم. وتم تسويق هذه السيارات المزودة بمحرك توربوديزل على أنها سيارات «ديزل نظيف». وقد انعكس هذا الارتكاب سلباً على جميع الشركات الأوروبية التي تنتج سيارات بمحركات ديزل، وخفض سعر أسهم «فولكسفاغن»، كما سبب مشاكل للفاحصين والمستهلكين والبيئة.
فضلت أوروبا استخدام محركات الديزل باعتبارها تكنولوجيا «أكثر رفقاً بالبيئة». ونتيجة لذلك، بيع 75 في المئة من جميع محركات سيارات الديزل في أوروبا. صحيح أن محركات الديزل تنفث كربوناً أقل وأنها أكثر اقتصاداً بالطاقة من محركات البنزين، لكنها تطرح مشاكل بيئية أخرى تجعلها غير مرغوب فيها. فهي تولد مستويات أعلى من انبعاثات أكاسيد النيتروجين. لذلك فرضت السلطات الحكومية معايير مشددة على أكاسيد النيتروجين، لأن هذه الملوثات، مترافقة مع مركَّبات عضوية متطايرة وضوء الشمس، تسبب ضباباً دخانياً وأمراضاً تنفسية وتزيد احتمالات الموت بأمراض القلب والرئتين. ويعتبر الأطفال والمصابون بأمراض في الجهاز التنفسي مثل الربو والأشخاص الذين يعملون أو يمارسون الرياضة في الخارج معرضين بشكل خاص للآثار السلبية للضباب الدخاني مثل الأضرار التي تلحق بالرئتين.
الاستدامة مبدأ رئيسي في صلب استراتيجية عمل الشركات. والتلاعب ببيانات أداء الاستدامة لتحقيق حصة أكبر في السوق ليس عملاً غير أخلاقي فحسب، بل له أثر كبير على أداء أي شركة. وبرهان على ذلك قصة «فولكسفاغن» التي قد تطاول نحو 11 مليوناً من سياراتها. وتواجه الشركة اتهامات جنائية في الولايات المتحدة سوف تؤثر في أدائها الاقتصادي. فبعدما تجاوزت «تويوتا» في الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2015 كصانع السيارات الأول في العالم، تقول الآن إنها ستخصص 6.5 بليون يورو، ما يعادل نصف أرباحها السنوية، لجعل سياراتها مطابقة لمعايير التلوث.
لكن تأثير هذه القيادة الفاشلة يتجاوز شركة «فولكسفاغن»، إذ انخفضت أيضاً أسهم شركات أوروبية أخرى لصنع السيارات مثل «دايملر» و«رينو» و«بي إم دبليو». وبدأت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا تحقيقات مع «فولكسفاغن». وطلبت المكسيك، التي تستضيف في مدينة بويبلا ثاني أكبر مصنع للشركة في العالم، فحصاً فورياً لجميع سيارات «جيتا» و«غولف» التي صنعتها الشركة بين 2009 و2014.
وظهر مارتن ونتركورن، الرئيس التنفيذي لفولكسفاغن، في شريط فيديو قال فيه إنه «آسف إلى ما لا نهاية» وإن ما تم ارتكابه ناتج من «أخطاء جسيمة لقلة» من الموظفين. لكن هذه مسألة قيادية، وقد استقال ونتركورن من منصبه في 23 أيلول (سبتمبر). فكيف سمحت الإدارة العليا للشركة بتركيب تكنولوجيا صممت لخداع الفاحصين والمستهلكين وإلحاق ضرر كبير بالبيئة نتيجة مستويات التلوث العالية؟ المستهلكون لا يقبلون وعوداً كاذبة حول الأداء البيئي للشركات، بل يتوقعون الأمانة ويريدون الحقيقة. والواقع أن شركات مثل «بتاغونيا»، تعترف بأنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاستدامة وهي تحاول حلها بجدية، تكسب ثقة المستهلكين والمراقبين وتحقق نتائج اقتصادية أفضل على المدى البعيد.
«يجب عدم السماح لأي شركة بأن تتملص من قوانيننا البيئية أو تعد المستهلكين بمزايا زائفة»، هذا ما قاله المدعي العام في نيويورك إريك شنايدرمن.
الاستدامة هي أكثر من وعود للمستهلكين. إنها تعني الصدق والشفافية. وهذا هو معنى النجاح المستدام في المدى البعيد.
فرنسيسكو زيكلي مدير المركز العالمي لقيادة الاستدامة في المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) في لوزان، سويسرا.
|