|
|
|
|
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA |
Leading Arabic Environment Magazine |
|
|
|
|
|
المجلة البيئية العربية الاولى |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
مقالات |
|
هادي طبارة |
السلام الأزرق؟ حزيران (يونيو) 2011 / عدد 159 |
|
|
|
«السلام الأزرق: إعادة النظر في مياه الشرق الأوسط» تقرير حديث أصدرته في شباط (فبراير) 2011 مجموعة فورسايت الاستراتيجية Strategic Foresight Group وهي مؤسسة أبحاث مقرها في الهند، بدعم من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون ووزارة الشؤون الخارجية في سويسرا. يغطي نطاق التقرير تركيا وسورية والعراق ولبنان والأردن وإسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، مع مساهمات من نحو مئة من القادة والوزراء الحاليين والسابقين وكبار المسؤولين وخبراء المياه في هذه البلدان. وفيه عرض شامل ومهم للإمدادت المائية الحالية والطلب عليها في كل بلد، فضلاً عن توقعات للسنين العشرين المقبلة.
بني التقرير على افتراض أن أزمة المياه في الشرق الأوسط قد تتحول الى فرصة لشكل جديد من السلام، «السلام الأزرق»، حيث لا يشعر أي بلدين يمكنهما الوصول الى موارد مائية كافية ونظيفة ومستدامة بدافع للدخول في صراع عسكري. واذ يعترف التقرير بأن هناك علاقة سببية بين المياه والسلام ـ فالسلام مطلوب للتعاون في ادارة المياه، كما أن نهجاً تعاونياً لإدارة المياه يمكن أن يبني سلاماً ـ يقترح تحديد صيغة جديدة للمياه في الشرق الأوسط. وتنص هذه الصيغة على أنه يمكن إدارة المياه بطريقة مستدامة تلبي الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للناس، ما يساعد في بناء سلام دائم.
يضيء التقرير على التحديات التي تواجه موارد المياه السطحية في المنطقة. فقد تم استنزاف التدفقات النهرية في تركيا وسورية والعراق ولبنان والأردن بنسبة تراوح بين 50 و90 في المئة من 1960 الى 2010. مثالاً على ذلك، انخفض تدفق نهر اليرموك من 600 مليون متر مكعب الى نحو 250-300 مليون متر مكعب سنوياً، في حين انخفض تدفق نهر الأردن من 1300 مليون متر مكعب الى 100 مليون متر مكعب. وسوف يتحول البحر الميت، الذي يغذيه حوض نهر الأردن، الى بحيرة في غضون 50 عاماً. وانخفض مستوى المياه في حوض نهر بردى في سورية من 50 متراً تحت سطح الأرض عام 1990 الى 200 متر في الوقت الحاضر. وانخفض تدفق نهر الفرات في العراق من معدله البالغ 27 بليون متر مكعب سنوياً على المدى البعيد الى 9 بلايين متر مكعب عام 2009، وقد ينخفض بنسبة 30 في المئة بحلول سنة 2100 بسبب تغير المناخ وحده. ويعاني نهر دجلة تلوثاً حاداً من مصادر زراعية وصناعية وبلدية، مع مستويات ملوحة تفوق 2500 جزء في المليون، ما يفاقم وضع شط العرب الهش أصلاً حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات.
بالنسبة الى موارد المياه الجوفية المشتركة، يظهر التقرير أيضاً صورة قاتمة. فطبقة المياه الجوفية التي تتقاسمها إسرائيل والسلطة الفلسطينية انخفضت بنسبة 7 في المئة خلال العقد الأخير أو نحوه، فيما انخفض منسوب الطبقة الجوفية في الجليل الغربي بنسبة 15 الى 20 في المئة. وسوف يُستنزف حوض الديسي، وهو طبقة مياه جوفية «متحجرة» غير متجددة يتقاسمها الأردن والسعودية، خلال أقل من 100 سنة (عمره المتوقع) اذا استمر سوء الإدارة الحالي. وتواجه طبقات المياه الجوفية الساحلية في قطاع غزة ولبنان تحديات خطيرة من حيث نوعية المياه، نتيجة الضخ المفرط من آبار غير شرعية وما يسببه من تسرب مياه البحر إليها. وسوف يفاقم تغير المناخ مشاكل نوعية المياه، حيث الارتفاع المتوقع في مستوى البحر (18 سنتيمتراً بحلول سنة 2030) سوف يزيد مشكلة تسرب مياه البحر ويجعل المياه الجوفية في أنحاء بيروت غير صالحة للشرب.
من أجل التصدي لهذه التحديات، تقترح «مجموعة فورسايت الاستراتيجية» حلولاً على المدى القريب والمتوسط والبعيد. هناك حل رئيسي قصير الأجل هو إقامة «دوائر بلدان» كوحدات تعاون يحكمها مجلس تعاون، وهذه فكرة اقترحها للمرة الأولى الأمير الحسن بن طلال في أيار (مايو) 2010. وتعرَّف دائرة التعاون بأنها مجموعة بلدان «إما أظهرت اهتماماً بمستقبلها المشترك وإما تربطها عضوياً موارد مائية مشتركة». ويحدد التقرير دائرتي تعاون. الأولى، وهي الدائرة الشمالية، تشمل تركيا وسورية والعراق ولبنان والأردن، والثانية تشمل اسرائيل والسلطة الفلسطينية امتداداً الى الأردن. وسوف يكون مجلس التعاون مفوضاً المساعدة في وضع معايير لقياس تدفقات المياه ونوعيتها، وتطوير نماذج إقليمية لمكافحة تغير المناخ، ونشر تكنولوجيات جديدة، وتسهيل إدارة مائية متكاملة على مستوى الحوض.
على المدى المتوسط، يقترح التقرير إدارة متكاملة للموارد المائية للأنهار الصغيرة العابرة للحدود في الدائرة الشمالية. وهذه تشمل النهر الكبير بين لبنان وسورية، ونهر اليرموك بين سورية والأردن، ونهر العاصي المشترك بين لبنان وسورية وتركيا. وعلى المدى البعيد، يدعو الى إقامة محطات مشتركة لتحلية مياه البحر، وتصدير المياه من «الأنهار الوطنية التركية» وربما من نهر الليطاني الى وادي الأردن، وتثبيت بحيرة طبريا «مشاعاً إقليمياً» تحكمه إسرائيل وسورية معاً.
ويتفحص التقرير أخيراً إدارة الطلب على المياه في كل من البلدان الخاضعة للدراسة. ويقترح تدابير معينة، تشمل الري المقتصد مثل التنقيط، والتحول عن المحاصيل المسرفة في استهلاك المياه، وإعادة استعمال المياه المبتذلة ومياه الصرف الصحي، والاقتصاد بالمياه في القطاعات المنزلية والصناعية والزراعية، وإدخال تعريفات ملائمة للمياه، وإعادة تأهيل البنى التحتية المائية القديمة.
ملاحظات على التقرير
يشدد مؤلفو التقرير منذ البداية على ضرورة التمييز بين نهج يرتكز على دوائر البلدان ونهج مبني على ادارة حوض أو طبقة مائية جوفية. لكن، استناداً الى الاستراتيجيات المقترحة، فإن الخطوة التالية التي تعقب تكوين «دائرة تعاون» هي «الحاجة الى برامج مشتركة لتطوير مستجمعات المياه على نطاق الحوض»، والحاجة الى «نظم متكاملة لادارة البيانات الخاصة بالحوض»، وفي مرحلة لاحقة «تعيين لجنة مشتركة لحوض النهر». وهكذا، ليس من الواضح كيف يختلف هذا النهج عن إدارة حوض نهري أو طبقة مائية جوفية.
ثم ان تقرير «السلام الأزرق» يهدف الى رسم خريطة طريق لكل بلد لادارة موارده المائية المستقلة، والتعاون مع بلدان أخرى واقعة على ضفاف الأنهار لادارة موارده المائية المشتركة. ولكن في حين يقيِّم التقرير بشكل جيد الاحتياجات الحالية والمستقبلية لكل بلد، من حيث تعزيز إمداداته المائية وإدارة ارتفاع الطلب، فهو لا يدخل في تفاصيل مماثلة لدى بحث خطوات ملموسة أو حلول ممكنة للبلدان الواقعة على ضفاف الأنهار لحل نزاعاتها الدائمة حول المياه المشتركة. باشرت مجموعة فورسايت الاستراتيجية مشروع «السلام الأزرق» عام 2008. وفي الوقت ذاته، أصدر البرنامج الهيدرولوجي الدولي التابع لليونسكو دراسة عن النزاعات المائية في الشرق الأوسط. هذه الدراسة، التي أعدها الدكتور جون مارتن تروندايل، تتضمن مقترحات تفصيلية لحل النزاعات المائية في أربع مناطق في الشرق الأوسط ـ مرتفعات الجولان (سورية وإسرائيل)، وأعالي مجرى نهر الأردن وينابيع الوزاني (لبنان وإسرائيل)، وغور الأردن (السلطة الفلسطينية وإسرائيل)، ونهرا الفرات ودجلة (سورية والعراق وتركيا). كما تتضمن الخرائط الهيدرولوجية والجيوسياسية الضرورية لفهم الطبيعة المعقدة للنزاعات المائية في الشرق الأوسط. وهكذا فإن إصدار اليونسكو هو بمثابة مرجع مصاحب ممتاز لمتابعة المناقشات في تقرير «السلام الأزرق»، خصوصاً أن التقرير لا يحوي الخرائط والصور المناسبة التي تساعد القارئ على فهم الوضع.
التقرير يتجاهل، مثل تقارير مماثلة سبقته، أن أساس المشكلة مع إسرائيل هو سرقة الأرض والموارد معاً، ولا يمكن تبرير الاستمرار في السرقة عن طريق الترويج لضرورة تقاسم المياه التي لم تسرقها إسرائيل بعد.
من جهة أخرى، يفترض التقرير أن بلدين يتمتعان بمياه كافية ونظيفة وفي متناول الجميع لن يدخلا في حرب خلال القرن الحادي والعشرين، وهذا افتراض لم يتم اختباره، وثمة مثال في التاريخ الحديث على أنه ليس صحيحاً بالضرورة: الحرب الايرانية العراقية دارت بين بلدين يتمتعان بموارد مائية وافرة نسبياً. لذلك، فان الاستراتيجيات والمبادرات الواردة في التقرير يجب أن تكون مبنية على حقيقة سياسية على الأرض. والخريطة السياسية هي التي ترسم شكل خريطة المياه في الشرق الأوسط، وليس العكس. وما لم تكن الخطة الطموحة المقترحة في تقرير «السلام الأزرق» مقرونة بالحقيقة الاجتماعية والسياسية، فان مصيرها لن يكون مختلفاً عن خطة جونستون ومبادرات أخرى ماتت عطشاً وأصبحت وقوداً للنار.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
اضف تعليق |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
|
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.
|