لا يلبي أي بلد في حوض البحر المتوسط الحد الأدنى من شرطين أساسيين للتنمية المستدامة: العيش ضمن ميزانية الموارد الطبيعية، والحياة الكريمة لسكانه. هذا ما استنتجته دراسة جديدة لشبكة البصمة البيئية العالمية (GFN) تم إطلاقها في مؤتمر ConnectSwitchMed الذي عقد في برشلونة يومي 29 و30 تشرين الأول (أكتوبر).
تراقب الشبكة الشرط الأول من خلال تتبع طلب البشرية على الموارد المتجددة والخدمات الإيكولوجية (البصمة البيئية) في مقابل قدرة الأرض على توفير هذا الطلب (القدرة البيولوجية). ويتتبع مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية نوعية الحياة في كل دولة.
حملت دراسة GFN عنوان «كيف يمكن لمجتمعات منطقة البحر المتوسط أن تزدهر في عصر يشهد تناقص الموارد؟» وهي تبين أن المنطقة عموماً تستخدم موارد متجددة تفوق ما تستطيع نظمها الإيكولوجية توفيره بنحو ضعفين ونصف ضعف. وفي الوقت نفسه، تفيد قياسات مؤشر التنمية البشرية بأن غالبية البلدان المتوسطية حسنت نوعية حياة مواطنيها خلال السنوات الأخيرة.
تم إعداد الدراسة بدعم من مؤسسة MAVA والمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد). وهي تبرز ازدياد شيوع النظم الغذائية الكثيفة البروتين لدى الفئات المساهمة في تنامي البصمة البيئية في المنطقة. وبناء على تحليل للبصمة البيئية في 12 مدينة، تحدد أيضاً قطاعي الإسكان والنقل في المدن كمجالين رئيسيين للتحول إلى منطقة متوسطية أكثر استدامة.
يقول أليساندرو غالي، مدير شبكة البصمة البيئية العالمية في منطقة البحر المتوسط: «من خلال استهداف الغذاء والنقل والإسكان، تملك المنطقة فرصاً كبيرة لتدير مواردها بطريقة أكثر استدامة ولتصبح أكثر مرونة وصموداً من الناحية الاقتصادية».
ورأى نجيب صعب، أمين عام «أفد»، أن نتائج البلدان المتوسطية تعكس النتائج التي توصل إليها «أطلس البصمة البيئية في البلدان العربية» الذي أنتجه «أفد» وشبكة البصمة البيئية العالمية. وقد وجد الأطلس أن الطلب على منتجات وخدمات الطبيعة في البلدان العربية يبلغ أكثر من ضعفي ما تستطيع النظم الإيكولوجية في هذه البلدان إنتاجه. واعتبر أن تغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج هو مفتاح إدارة الموارد، لافتاً إلى تقرير «أفد» لسنة 2015 الذي يتناول الاستهلاك المستدام في البلدان العربية، مع التركيز على الطاقة والمياه والغذاء وعلاقتها التلازمية مع تغير المناخ.
التنمية البشرية والبصمة البيئية
يقيس مؤشر التنمية البشرية مستوى التنمية في بلد ما على أساس متوسط العمر المتوقع لمواطنيه وتعليمهم ودخلهم. وعلى مقياس من صفر إلى واحد، يحدد المستوى 0,7 على أنه العتبة لمستوى عال من التنمية (0,8 لتنمية عالية جداً). ومنذ العام 2000 تجاوزت غالبية البلدان المتوسطية تلك العتبة. وحدهما المغرب ومصر تسجلان حالياً مستوى يقل عن 0,7، لكن مستواهما يتحسن أيضاً.
أما البصمة البيئية فتقيس مفهوم «ضمن قدرات الطبيعة»، من خلال جمع الطلبات المتنافسة على القدرات الإنتاجية، بما فيها الغذاء والألياف والأخشاب واحتجاز ثاني أوكسيد الكربون وقواعد البنى التحتية.
بحسب مستويات السكان الحالية، يوفر كوكبنا 1,8 هكتار عالمي للفرد من المساحة المنتجة بيولوجياً. وهكذا، على رغم أن موارد الدول تختلف كثيراً، فإن معدل البصمة البيئية للفرد في العالم يجب أن ينخفض أقل كثيراً من هذه العتبة، لاستيعاب أعداد أكبر من السكان ولتوفير مساحة كافية للحياة البرية. لكن غالبية البلدان المتوسطية، باستثناء فلسطين والمغرب وسورية، لديها بصمة بيئية للفرد أعلى من هذه العتبة.
البصمة الغذائية وبصمة المدن
يبلغ معدل البصمة الغذائية للمقيمين في منطقة البحر المتوسط نحو 0,9 هكتار عالمي للفرد، متراوحة من 0,6 إلى 1,5 هكتار عالمي، أي أنها أعلى مما في بلدان مثل الهند (0,4) والصين (0,5) وحتى ألمانيا (0,8).
من أسباب ارتفاع البصمة الغذائية نسبياً في منطقة البحر المتوسط ندرة المياه، وانخفاض الإنتاجية الزراعية، وتنامي الاعتماد على الغذاء المستورد، والابتعاد عن النظام الغذائي المتوسطي التقليدي الصحي والصديق للبيئة. فبدلاً من استهلاك الحبوب والخضار وزيت الزيتون، التي تعتبر مثالية في النظام الغذائي المتوسطي ولها بصمة بيئية منخفضة، تستهلك بلدان المنطقة مزيداً من اللحوم ومنتجات الألبان ذات البصمة البيئية المرتفعة.
لذلك فإن تحسين الإنتاجية الزراعية وخفض هدر الطعام وترويج النظم الغذائية الصحية والقليلة البروتين تمثل فرصاً جيدة لخفض البصمة البيئية في المنطقة.
وتضمنت الدراسة المتوسطية أيضاً نتائج تحليل البصمات البيئية في 12 مدينة. ووجدت أن مدينة أو مدينتين في كل بلد تساهم بشكل رئيسي في البصمة البيئية الوطنية. وتشمل نتائج المدن ما يأتي:
● القاهرة هي المدينة المتوسطية التي سجلت أعلى بصمة بيئية إجمالية، تليها برشلونة وروما. ويشكل سكان القاهرة نحو 16 في المئة من سكان مصر، ويتطلبون نحو 85 في المئة من مجمل القدرة البيولوجية للبلاد.
● جنوا وأثينا وروما هي المدن المتوسطية ذات البصمة البيئية الأعلى للفرد.
● أنطاليا والقاهرة وإزمير هي المدن المتوسطية ذات البصمة البيئية الأدنى للفرد.
● الطلب على الموارد المتجددة في أثينا يفوق مجموع إمدادات الموارد الطبيعية في اليونان بنسبة 22 في المئة، علماً أن سكان العاصمة يشكلون نحو ثلث سكان اليونان. والنقل هو المحرك الرئيسي للبصمة البيئية في أثينا، إذ يتطلب وحده نحو 36 في المئة من القدرة البيولوجية للبلاد. وبالتالي فإن سياسات النقل في أثينا يمكن أن تؤدي إلى خفض ملحوظ في البصمة البيئية لليونان.
يقول غالي: «المدن مراكز معيشة نابضة بالحياة، تتيح لنا تعزيز كفاءة الموارد من خلال سياسات النقل والإسكان وكفاءة الطاقة. لكن المدن أيضاً بمثابة رافعة اجتماعية، تتيح للمقيمين تحسين نوعية حياتهم وبذلك تزيد الاستهلاك. لذلك يجب فهم الخيارات التفاضلية بين هاتين الديناميتين، وإدارة المدن على هذا الأساس، كي تساهم في التحرك نحو الاستدامة بدلاً من الابتعاد عنها».