شهدت دولة الإمارات خلال العقود القليلة الماضية تطوراً ملحوظاً في مختلف المجالات، وتوسعاً حضرياً كبيراً، إلى جانب نمو كبير في عدد السكان. لذا أدخلت «الأجندة الخضراء» في اعتباراتها التنموية، لتساعدها على إدارة مواردها بكفاءة عالية تعود بالنفع على الاقتصاد والبيئة معاً. وأدى ذلك إلى تطوير سياسات وخطط تنموية بدأ العمل بمعظمها وبعضها في طور التنفيذ.
في مواجهة التحديات البيئية، تم إطلاق وتنفيذ العديد من المبادرات لترشيد الاستهلاك وإيجاد حلول عملية لتنويع مصادر الطاقة. وتهدف الإمارت، بحلول سنة 2021، إلى الحد من استهلاك الطاقة عبر استخدام الموارد المتجددة، وتنفيذ قوانين بناء مستدامة من خلال برنامج «استدامة».
وقطعت إمارة أبوظبي شوطاً كبيراً في مجال إدارة الموارد الطبيعية واستخدامها بشكل مستدام من خلال إشراك الجهات كافة. وتُوجت هذه الجهود باختيار منظمة المدن والعواصم الإسلامية ومركز التعاون الأوروبي العربي مدينة أبوظبي عاصمة للبيئة العربية لسنة 2015.
كفاءة التبريد والإضاءة
من المبادرات التي تعمل أبوظبي عليها حالياً مشروع خفض انبعاثات الكربون في عمليات التبريد والتكييف. ويطوِّر جهازالشؤون التنفيذية في الإمارة خطة شاملة لأنظمة التبريد يتوقع أن تساعد على خفض استهلاك الطاقة في المباني بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة. وإذا ما تم تبني المشروع بشكل كامل وبالسيناريو المأمول، فإن الإمكانات التقنية للتوفير ستمثل 14 في المئة من إجمالي استهلاك أبوظبي من الطاقة. وخلال عشر سنوات (2016- 2025) يمكن أن يصل إجمالي الوفر من خفض الدعم في مجال التبريد إلى 8,7 بليون دولار، منها 6,5 بليون دولار وفر على الحكومة و2,2 بليون دولار على المستهلكين. علاوة على ذلك، ستؤدي هذه المبادرة إلى خفض أكثر من 10 ملايين طن من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تساهم في تغير المناخ العالمي، كما ستقلل من الملوثات الأخرى في الهواء.
هناك أيضاً مشروع النظام الاماراتي لمنتجات الإضاءة والرقابة عليها. وقد أظهرت الدراسة التي أجريت في هذا الخصوص أن استخدام معدات الإضاءة الموفرة للطاقة في دولة الإمارات من شأنه أن يحقق المرتبة الثانية في توفير الطاقة بعد عمليات التبريد والتكييف. وتتم حالياً معالجة موضوع التبريد من خلال مشاريع أخرى في أبوظبي وعلى المستوى الاتحادي. لذا تقرر التركيز على معيار الإضاءة في مبادرة البصمة البيئية.
لقد تبين أن استبدال المصابيح الكهربائية الداخلية غير الكفوءة وتطبيق النظام الإماراتي لمنتجات الإضاءة سيقللان من استهلاك الدولة للطاقة بما يراوح بين 340 و500 ميغاواط سنوياً. ويعادل هذا الوفر غلق محطة متوسطة لتوليد الكهرباء تدار بالغاز لمدة ستة أشهر في السنة. كما سيؤدي إلى خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون والملوثات الهوائية مثل الجسيمات الدقيقة وثاني أوكسيد الكبريت وثاني أوكسيد النيتروجين، التي تسبب العديد من المشاكل الصحية وخصوصاً أمراض الجهاز التنفسي.
مبادرة البصمة البيئية
ساهمت مبادرة البصمة البيئية التي أطلقت عام 2007 في خفض معدل البصمة البيئية للفرد في الإمارات بنحو الثلث بين عامي 2006 و2014. وتسعى الحكومة حالياً لتحويلها إلى استراتيجية وطنية طويلة الأمد.
وقد استضافت أبوظبي في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، من خلال هيئة البيئة ـ أبوظبي، أعضاء الشبكة العالمية للبصمة البيئية لمناقشة الآراء حول إيجاد حلول عملية وملموسة للحد من آثار تغير المناخ وتقليص البصمة البيئية. وعرض فريق الهيئة المبادرات والمشاريع التي تعمل عليها دولة الامارات لتحقيق هذا الهدف.
وفي إطار اهتمام أبوظبي بالتحوّل إلى مدن مستدامة، استضافت من 11 إلى 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 قمة مدن البيئة العالمية التي أقيمت للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط. وساهم هذا الحدث العالمي الذي يعقد كل عامين بجذب أكثر من ألف مندوب ناقشوا القضايا المتعلقة بتشييد مدن صديقة للبيئة وسط التحديات البيئية المحيطة. كما قدمت هيئة البيئة الدعم لقمة «عين على الأرض» التي أقيمت في أبوظبي من 6 إلى 8 تشرين الأول (أكتوبر)، في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة على النطاق العالمي، وعلى المستوى المحلي من خلال الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 وأجندة السياسة البيئية العامة لإمارة أبوظبي.
رؤية بيئية وميزانية مائية
أطلقت حكومة أبوظبي عدة مبادرات لتحسين الأداء البيئي في الإمارة، مثل مبادرة «مصدر» للطاقة المتجددة، واستراتيجية تنويع مصادر الطاقة. وقامت هيئة البيئة بوضع إطار «الرؤية البيئية لإمارة أبوظبي 2030»، التي حددت خمس أولويات يُعمل عليها من خلال سياسة بيئية واضحة المعالم واستراتيجيات بيئية خمسية شملت إدارة النفايات والمياه وجودة الهواء والتنوع البيولوجي وتغير المناخ. وتفصّل هذه الخطط العلاقة بين القطاعات المختلفة وتأثيرها على البيئة.
وتعمل هيئة البيئة في أبوظبي على تعزيز العلاقة الوثيقة بين المياه والطاقة ومعالجة آثار شح المياه على الطاقة والقطاعات الاقتصادية والأمن الغذائي. كذلك تسعى إلى تمديد العمر الافتراضي للمياه الجوفية، والعمل بشكل وثيق مع شركائها في قطاع الزراعة لتحديد أفضل الممارسات في الاستخدام الكفوء لكل قطرة مياه. وذلك بهدف إبطاء عملية استنزاف المياه الجوفية، والمساهمة في ضمان الأمن المائي والغذائي لإمارة أبوظبي على المدى البعيد.
وتستهدف هيئة البيئة التقليل من استهلاك المياه الجوفية بنسبة 80 في المئة بحلول سنة 2030. كما تسعى إلى اعتماد ميزانية مائية شاملة للإمارة، لتلبية الزيادة الكبيرة المتوقعة في الطلب على المياه التي ستنجم عن ازدياد عدد السكان والنمو الاقتصادي مستقبلاً، وذلك بصورة مستدامة.
وكلفت الهيئة جامعة الإمارات وجامعة ليدز في بريطانيا ومنظمة «ووتروايز» التي تعمل في مجال كفاءة استخدام المياه ومقرها في بريطانيا، بتطوير نهج ديناميكي من أجل إعداد الميزانية المائية لإمارة أبوظبي وتعزيز المعرفة حول مصادر المياه والطلب عليها. وغاية هذه الدراسة، التي يتطلب إجراؤها سنة كاملة، إعطاء صورة مفصلة عن توفر المياه واستهلاكها في مختلف القطاعات حالياً وفي المستقبل.
وسوف يساهم اعتماد الميزانية المائية في تطوير نهج متكامل وفعال لإدارة المياه في إمارة أبوظبي، مما يشجع على التقليل من معدل استهلاكها وتحسين استخدام المياه المعاد تدويرها وتطبيق إدارة مستدامة لموارد المياه الجوفية.
نظام ذكي لرصد الغابات
تعمل هيئة البيئة في أبوظبي على تطبيق نظام ذكي لمراقبة الغابات الخاضعة لإشرافها، والتي تغطي مساحة 228 ألف هكتار. وتقوم بالتوسع في دراسة نموذج الري المعتمد في غابة خب الدهس، القريبة من مدينة زايد في المنطقة الغربية، وإجراء دراسات حول الاحتياجات المائية لأشجار الغاف باستخدام تقنيات حديثة تحدد بدقة كميات المياه التي تحتاج إليها الأشجار حسب نوعها وطبيعة التربة. وتهدف هذه الدراسات، إلى جانب دراسات المركز الدولي للزراعة الملحية، إلى وضع معايير جديدة لإدارة الزراعة والغابات في أبوظبي.
ويتم حالياً ري الغابات باستخدام المياه الجوفية، حيث تستهلك نحو 11 في المئة من الميزانية المائية المخصصة في أبوظبي. وحذرت دراسات الهيئة من استنفاد المياه الجوفية الصالحة للاستخدام في أبوظبي خلال 50 عاماً فقط في حال استمرار استخراجها واستهلاكها من دون مراقبة.
وسوف تتم مراقبة قطاع إدارة الغابات عن كثب في ما يتعلق بحماية البنية التحتية وتعزيز التنوع البيولوجي والمحافظة على الإرث الثقافي. وستعتمد الهيئة على النتائج النهائية لهذه الدراسات المتمحورة حول الاحتياجات المائية، على أن تدخل أنظمة إدارة ري الغابات وعدادات المياه الذكية في قوانين صارمة لإدارة الغابات في أبوظبي.
حماية الثروة السمكية
وضعت هيئة البيئة في أبوظبي، مع شريكها الاستراتيجي الرئيسي وزارة البيئة والمياه، برنامجاً لحماية الثروة السمكية وضمان استخدامها على نحو مستدام في دولة الإمارات.
ويعتبر تناقص المخزون السمكي مشكلة عالمية، إذ تُظهر الأدلّة أن أعداد الأسماك انخفضت إلى مستويات خطيرة في جزء كبير من المحيطات بسبب الصيد المفرط، مع تعرض ثلثي المخزون السمكي للاستغلال بما يناهز حدود مستويات الاستدامة أو يتجاوزها في كثير من الأحيان.
وتشكل مصايد الأسماك في أبوظبي عنصراً هاماً من التراث الثقافي للمجتمعات الساحلية، ومصدراً للرزق والترفيه، وعنصراً رئيسياً في الأمن الغذائي للإمارة. وتظهر الدراسات أن الإفراط في استغلال مصايد الأسماك أدى إلى خفض مخزونات الأنواع التجارية الرئيسية إلى مستويات غير مستدامة وفقاً للمعدلات العالمية، مما يتطلب اتخاذ اجراءات عاجلة لإنقاذه.
على مدى السنوات الـ 14 الماضية، أجرت هيئة البيئة دراسات تفصيلية لتقييم المخزون السمكي في مياه إمارة أبوظبي، التي تمثل الغالبية العظمى من المناطق البحرية لدولة الإمارات. وتبين أن العديد من الأنواع الرئيسية شهد انخفاضاً كبيراً خلال هذه الفترة، على رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة لإدارة مصايد الأسماك وحمايتها. ومن هذه الأسماك الأنواع القاعيّة الرئيسية مثل الهامور والشعري والفرش، والأنواع السطحية مثل الكنعد، التي تتعرض للاستغلال المفرط بشكل يفوق حد الاستدامة.
وأجرت الهيئة ثلاث دراسات مستقلة في مياه أبوظبي. فتبين أن 12 نوعاً على الأقل يتم استغلالها بشكل يفوق مستويات الاستدامة. وهي تمثل أكثر من 85 في المئة من أنواع الأسماك التجارية وإيرادات الأسماك. ويمكن اعتبار هذه البيانات مؤشراً على وضع المخزون السمكي في دولة الإمارات، نظراً إلى أن أبوظبي تمثل 70 في المئة من مياه الدولة في منطقة الخليج.
وتقوم هيئة البيئة في أبوظبي بمراقبة المخزون السمكي وفقاً لمؤشرين من مؤشرات الاستدامة الرئيسية، أولهما نسبة الأسماك الناضجة للهامور والشعري والفرش في المخزون السمكي بالمقارنة مع كتلتها الحيوية البكر، والثاني هو «مؤشر الصيد المستدام» الذي يصف نسبة الأنواع التي يتم استغلالها على نحو مستدام من إجمالي محصول الصيد.