اختفى أكثر من نصف أشجار المنغروف (القرم) في العالم خلال القرن الماضي. لكن جميع الأشجار الباقية في سري لانكا ستتم حمايتها بهمّة النساء، في أكبر مشروع من نوعه تم إعلانه في أيار (مايو) 2015.
تقدم قروض صغيرة وتدريبات لنحو 15 ألف امرأة، بما في ذلك آلاف النساء اللواتي ترمَّلن في الحرب الأهلية، لكي يتوقفن عن قطع الأشجار للحصول على حطب الوقود، ويحمين الغابات القريبة من منازلهن، وينشئن مشاتل للمنغروف، ويشاركن في حملات لإعادة تشجير مواقعه المتدهورة. وتحصل كل امرأة على نحو 100 دولار لانشاء مخبز أو مسمكة أو محل خياطة أو لتربية النحل، من أجل إعالة عائلاتهن.
ويتضمن المشروع تدريب النساء على عدم استهلاك خشب المنغروف وقوداً واستعمال مصادر بديلة، مثل تحويل قش الرز الى قوالب بديلة من الخشب أو غرس أشجار سريعة النمو لاستغلال حطبها. كما تحصل كل امرأة في المشروع على موقد للطبخ مصنوع من الطين ومقتصد بالوقود.
سري لانكا أول دولة في العالم تعلن حماية كل ما لديها من غابات المنغروف. والمشروع هو شراكة بين حكومتها التي تعهدت توفير الحماية القانونية والحراسة الساحلية للمنغروف، ومنظمة «سوديسا» المحلية التي ينخرط فيها صغار الصيادين، ومنظمة «سي كولوجي» الأميركية التي أمنت تمويل المشروع.
وتعليقاً على المبادرة قال رئيس سري لانكا ميتريبالا سيريسينا: «من مسؤولية جميع المؤسسات الحكومية والخاصة والمنظمات والباحثين والمثقفين والمجتمع الأهلي أن يتحدوا لحماية المنغروف».
وللمنغروف أهمية حياتية واقتصادية كبرى في بلد مثل سري لانكا. فهو يحمي الخطوط الساحلية من الانجراف ومن هجمات البحر. وقد تبين في كارثة تسونامي 2004 في المحيط الهندي، التي عانت سري لانكا خلالها خسائر بشرية ومادية فادحة، أن القرى المحمية بغابات المنغروف عانت أضراراً أقل كثيراً من القرى التي فقدت غاباتها. وإلى ذلك، يوفر المنغروف موئلاً حيوياً للحيوانات البحرية وخصوصاً الأسماك الصغيرة والسلاطعين والروبيان، وله مساهمة كبيرة في الحد من تغير المناخ إذ يختزن الكربون بكمية أكبر نسبياً من غابات المطر.
تقول ميشيل بريادارشاني، وهي رئيسة مجموعة من صيادات السمك في قرية أمبانتوتام شرق البلاد، إن النساء لم يكنّ يدركن قيمة المنغروف للبيئة البحرية والثروة السمكية حتى استفدن من البرنامج الذي يمنحهن قروضاً صغيرة لحماية الغابات الساحلية. وأضافت: « الآن نعرف، ومن خلالنا يعرف أزواجنا وأهل القرية».
إنقاذ وتحريج
لدى سري لانكا 21 نوعاً من المنغروف، ما يجعلها ذات أهمية عالمية بالنسبة لتنوعه البيولوجي. وكانت غاباته تغطي نحو 40 ألف هكتار من الخط الساحلي. ويحصل السكان على ثلثي البروتين الذي يتناولونه من السمك، الذي يأتي 80 في المئة من محصوله من بحيرات ساحلية يحميها المنغروف. ولكن تمت تعرية غابات المنغروف في سري لانكا على نطاق واسع لاستعمال أشجاره حطباً لصنع الفحم ولإنشاء مزارع للروبيان. غير أن الأمراض فتكت بكثير من هذه المزارع ما أدى إلى التخلي عنها. وبقي الصيادون فقراء، إذ إن اختفاء غابات المنغروف قلص غلة شباكهم إلى أقل من الربع.
تهدف المبادرة التي تبلغ قيمتها 3.4 مليون دولار إلى إنقاذ 9000 هكتار من غابات المنغروف وإعادة زراعة 4000 هكتار أخرى في 48 موقعاً على سواحل سري لانكا. ويقع كثير من البحيرات الساحلية التي سيعاد تحريجها في شمال شرق البلاد، بعدما خربتها حرب أهلية طويلة انتهت عام 2009 وكانت أشجار المنغروف خلالها ملاذات للثوار ودمر الكثير منها أثناء القتال.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة «سي كولوجي» دوان سيلفرستين إن هذا المشروع نموذج رائد يمكن البناء عليه في أنحاء العالم، إذ إن نحو مئة مليون شخص يعيشون بالقرب من غابات المنغروف. وذلك من خلال الجمع بين إنفاذ القوانين وتأمين المداخيل البديلة المستدامة وإنشاء مشاتل المنغروف.