|
|
|
|
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA |
Leading Arabic Environment Magazine |
|
|
|
|
|
المجلة البيئية العربية الاولى |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
مقالات |
|
كاظم المقدادي |
المخلفات العسكرية خربت بيئة العراق حزيران (يونيو) 2011 / عدد 159 |
|
|
|
مع اقتراب مغادرة القوات الأميركية للأراضي العراقية في نهاية 2011، وفقاً للاتفاقات المعلنة، بدأت تتكشف أسرار وأحداث خفية. ومنها مخلفات 500 قاعدة عسكرية، يعمل فيها أكثر من 175 ألف جندي أميركي مخلفين آلاف الأطنان من النفايات الخطرة، باعتراف الجنرال كيندال كوكس قائد الوحدة الهندسية والبنى التحتية للجيش الأميركي في العراق.
وكانت صحيفة «التايمز» البريطانية كشفت النقاب عن أن القوات الأميركية ستخرج من العراق تاركة خلفها إرثًا من المواد الخطرة والسامة. وكشف تحقيق أجرته وشمل خمس مناطق عراقية عن مواد خطرة مدفونة من مخلفات القواعد العسكرية الأميركية، ما يشكل انتهاكاً لأنظمة البنتاغون المتمثلة بضرورة إعادة تلك المخلفات الخطرة إلى الولايات المتحدة. أورد التحقيق تسرب الزيوت من براميل فوق الرمال في مناطق شمال وغرب بغداد، فيما تتناثر في أماكن مختلفة علب صغيرة مفتوحة تحوي أحماضاً خطرة في متناول أيدي الأطفال، وبطاريات هالكة تحوي مواد سامة قرب مزارع تعتمد على الري.
واطلعت الصحيفة، من خلال مقاول خاص يعمل مع الجيش الأميركي في العراق، على وثيقة صادرة عن البنتاغون عام 2009 تفيد أن حجم المخلفات الخطرة للقوات الأميركية هناك بلغ قرابة 5000 طن. ويبدو أن بيانات وزارة الدفاع بشأن حجم المخلفات السامة هي تقديرات جزئية، إذ أقر الجنرال كوكس بأنه أشرف على دفن 14,5 ألف طن من الزيوت المستعملة و التراب الملوث بها والتي تجمعت على مدار سبع سنوات (The Times، 14/6/2010).
تؤكد تقارير حديثة أن سموم مخلفات جيوش الاحتلال تسبب للذين يقتربون منها أو يلمسونها أوراماً خبيثة وأمراضاً تنفسية وجلدية ومعدية ـ معوية وغيرها. واكتشفت «التايمز» رسالة إلكترونية تعود الى العام 2008 موجهة من شركة كيميائيات أميركية في نيوجرزي إلى مسؤولين في البنتاغون، تحذرهم من الآثار الخطرة لتلك المواد المدفونة. وتؤكد ملصقات على بعض تلك المواد أنها تحوي حمض الكبريت وسوائل أخرى حارقة ومواد تستخدم في معالجة مياه المجاري، وأن المتعرض لها يتطلب رعاية طبية مستعجلة، وتدعو الى ضرورة استخدام أقنعة واقية قبل التعامل مع هذه المواد (The Times، 14/6/2010).
حيال هذا الأمر، حذر الخبير البيئي العراقي معتز حيدر من أن ترك الجيش الأميركي لمخلفاته السامة سيؤدي الى كارثة بيئية كبيرة وسيؤثر على المواطنين. ورأى أن وزارة البيئة العراقية غير قادرة على معالجة مثل هذه النفايات الخطيرة، لكونها وزارة فتية وكفاءاتها قليلة، مشدداً على ضرورة أن يقوم الجانب الأميركي بنقلها الى خارج العراق. ودعا الوزارة الى «إرسال خبراء للاطلاع على هذه النفايات بشكل دقيق للتأكد من عدم خلطها مع أي مواد أخرى» («السومرية نيوز»، 19/6/2010).
وتشير تقارير الى أن العراق تحول الى أحد أكثر بلدان العـالم تلـوثـاً (CNN، 15/6/2010). وقد ارتفـع عـدد المصابين بالأمراض السرطانية فيه إلى 640 ألف مصاب، والعدد يزداد بحسب الدكتورة لقاء الياسين رئيسة لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب («المواطن»، 7/5/2011). كذلك يتواصل تزايد الولادات ذات التشوه الخلقي («المدى»، 26/8/2010).
الجنود الأميركيون ضحايا المخلفات أيضاً
أوردت تقارير صحافية رفع جنود أميركيين وموظفين في القطاعات الخدمية في العراق وأفغانستان دعاوى أمام المحاكم الأميركية لإصابتهم بأمراض خطيرة، بما فيها سرطان الدم وأورام خبيثة وأمراض الجهاز التنفسي، من جراء تعرضهم لسموم إحراق أطنان من نفايات قواعدهم العسكرية في مناطق الحرب الاميركية («واع»، 16/10/2010).
وكشف تقرير أعدته لجنة تحقيق عسكرية مواصلة الجيش الأميركي استخدام وسائل خطرة للتخلص من مخلفات المهمات العسكرية في قواعده المنتشرة في العراق وأفغانستان، ما يعرض الجنود لمخاطر صحية يجهلون حقيقتها. وذكر التقرير، الذي عمل عليه مكتب التدقيق والمحاسبة الحكومي الأميركي، أنه بعد زيارة أربع قواعد في العراق والاطلاع على بيانات مراكز أخرى في أفغانستان، ثبت قيام الجيش بتصرفات محظورة، مثل حرق البلاستيك الذي تنتج عنه مواد مضرة، ما قد يفسر الأمراض الغامضة التي أصابت بعض العائدين من تلك القواعد.
وتشير وثائق التقرير، الذي يعتمد على ملاحظات جمعت بين أيلول (سبتمبر) 2009 وتشرين الأول (أكتوبر) 2010، إلى أن أكبر القواعد الأميركية في العراق، وهي الموجودة في بلد، كانت تحرق كل مخلفاتها، بما في ذلك المواد الطبية والخطرة والبلاستيك، بعد استخدام وقود الطائرات لتحفيز النيران، ما عرّض آلاف الجنود لخطر استنشاق مواد سامة («مركز العراق للدراسات»، 18/10/2010).
تسويف ومماطلة
مع غياب الطمر الصحي، على رغم مرور ثماني سنوات على احتلال العراق، نسبت «التايمز» إلى مسؤولين عسكريين أميركيين قولهم إنهم «يحاولون تدارك الوضع ومعالجة أمر المخلفات الخطرة». وأشارت إلى وجود مكبات للنفايات الأميركية الخطرة على مقربة من الطرق العامة في بغداد والفلوجة والموصل. وتنتشر مخلفات خطرة وسامة متنوعة في أنحاء العراق.
عملياً، يفتعل الجيش الأميركي البطء في الرد على التساؤلات. فقد صرح الناطق باسم القوات الأميركية: «نحن نضع الآن نظاماً بديلاً للتخلص من النفايات في أماكن محددة، وهناك الكثير مما يلحق بها («النور»، 15/6/2010). وأوضح الجنرال لانزا أن النفايات الناتجة عن عمليات قواته كانت منتشرة في 14 قاعدة أميركية، ولكن في العام 2008 تم حصرها في قاعدتين عسكريتين، حيث تقوم القوات الأميركية بإتلافها وإحراقها بطرق علمية لا تلحق أضراراً بالأطفال أو النساء («إيلاف»، 19/6/2010). وأعلن ثلاثة من الجنرالات الاميركيين في مؤتمر صحافي أنهم يعتزمون إرسال فرق من الخبراء لتمشيط منشآت عراقية وأميركية، أملاً بتحديد كيفية ومكان إلقاء المواد الخطرة («أور نيوز»، 16/6/2010).
الغريب أنه في ذروة هذه التصريحات المتناقضة بادرت وزارة البيئة العراقية الى نفي وجود مواد سامة في المواقع الأميركية («واع»، 9/8/2010)، ولم تفصح عن كيف شخصت ذلك. لكنها أعلنت لاحقاً أن لجنة شكلتها تستعد لتشخيص طبيعة النفايات السامة التي عالجتها القوات الأميركية في معسكراتها بعد الاطلاع على بيانات التحليل النهائية، وأن اللجنة ستعقد اجتماعاً قريباً مع الجانب الأميركي لتتمكن من استكمال عملها والاطلاع على بيانات التحليل الخاصة بالنفايات والتي تمت من وجهة نظرها الأولية وفق طرق علمية حديثة («الحياة»، 28/9/2010). وبعد أسبوع كشفت الوزارة نفسها «تلكؤ ملف مخلفات الجيش الأميركي بسبب قلة التخصيصات المالية»، وأعربت عن أملها بحل هذه المشكلة قريباً («وكالات، «طريق الشعب»، 6/10/2010).
أما في المحافظات، فان الواقع يغاير تصريحات الجيش الأميركي المطمئنة. فقد أعلن مدير بيئة ذي قار المهندس راجي نعيمه أن مديريته طالما دعت خلال السنوات الماضية، وبصورة رسمية من خلال مجلس المحافظة، الى السماح لكوادرها بإجراء الفحوص الإشعاعية والكيميائية داخل قاعدة الإمام علي العسكرية التي تتمركز فيها القوات الأميركية، لكن جميع تلك المطالب قوبلت بالرفض («شبكة أخبار الناصرية»، 29/6/2010). وأضاف: «أجرينا مسحاً في بعض المناطق التي شهدت قصفاً في الحروب السابقة، فوجدنا هناك إشعاعات مضرة، وهذا ما يؤكد مطالبتنا بإجراء المسح في القاعدة الأميركية». ولفت الى أن القوات الأجنبية التي تمركزت في ذي قار عام 2005 وعدت برفع «السكراب» (الخردة) من داخل مدينة الناصرية، الا انها لم تفِ بذلك. وبرر ذلك آلن براون، الناطق الإعلامي باسم الجيش الأميركي في المحافظة، «بكون الموافقة على فتح القواعد العسكرية لإجراء المسح على المخلفات فيها يحتاج إلى موافقات من جهات عليا» («شبكة أخبار الناصرية»، 20/7/2010).
لكن السبب الحقيقي هو غير ذلك بالتأكيد. فأثناء انتظار الموافقة المزعومة، تم رصد أكثر من 20 شاحنة محملة بـ«السكراب» من الحديد التالف والمحروق، تم رميها على الطريق السريع خلف القاعدة الأميركية غرب الناصرية، وقد خرجت من القاعدة الأميركية («شبكة أخبار الناصرية»، 12/10/2010). وجرى التنبيه الى أن كارثة ستحصل في محافظة ذي قار من جراء نشر مخلفات للجيش الأميركي بطريقة عشوائية وعدم طمرها. وهناك نفايات تحمل إشعاعات ومواد كيميائية ملوثة أخرجت من مواقع الجيش الأميركي ولم يتم التخلص منها بطريقة علمية وسليمة بيئياً («شبكة أخبار الناصرية»، 29/11/2010).
والأمر نفسه حصل ويحصل في المحافظات العراقية الأخرى حيث توجد قواعد عسكرية أميركية.
تحرك مطلوب وإن جاء متأخراً
عقب المماطلات والتسويفات بشأن تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب والاحتلال، تحركت ضمائر بعض المسؤولين العراقيين، فانطلقت تحذيرات من خطورة بقاء تلك المخلفات. وأعلنت لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب العراقي أنها ستناقش موضوع المخلفات. وأكد أحد أعضائها تلوث الكثير من مواقع الجيش الأميركي، فضلاً عن وجود أماكن أخرى ملوثة بالإشعاع نتيجة الحروب. وحذر من إهمال هذا الملف الخطير («المدى»، 25/4/2011). وأفاد مصدر في وزارة البيئة أن الوزارة تحركت واتصلت بالقوات الأميركية لإجراء الفحوص اللازمة، وشُكلت لجان مشتركة يستلزم عملها وقتاً طويلاً («وارع»، 25/4/2011).
لا يمكن الوثوق بوعود جيش الاحتلال الأميركي، الذي لم يبق لرحيله سوى بضعة أشهر، بأنه سيسلم معسكراته للسلطات العراقية خالية من سموم مخلفاته، وهو الذي لم يقم طوال ثمانية أعوام منذ غزوه العراق بخطوة جدية واحدة لتنظيف البيئة العراقية الطافحة بمئات الأطنان من مخلفات قذائفه المشعة التي استخدمها في حربين مدمرتين. ان الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية صحة وحياة مواطنيها. فهل ستنفذ ما أعلنه المتحدث باسمها أنها «ستقوم بملاحقة كل مَن تثبت إدانته في عملية التخلص من النفايات السامة في العراق، وأنها تمتلك القدرة على ملاحقة الجيش الأميركي والجهات المتعاقدة معه للعمل في العراق بموجب الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن» («أور نيوز»، 16/6/2010)؟
وهل ستفي لجنة الصحة والبيئة البرلمانية بوعدها هذه المرة، وتطرح المشكلة على مجلس النواب لمناقشتها واتخاذ الموقف المطلوب منها حماية لصحة العراقيين وحياتهم؟
الدكتور كاظم المقدادي باحث بيئي عراقي مقيم في السويد.
نأمل ذلك!
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
اضف تعليق |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
|
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.
|