Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
حافظ غانم الأمن الغذائي العربي كيف يمكن تحقيقه رغم تقلب أسعار الغذاء؟  
تموز-آب/ يوليو-أغسطس 2015 / عدد 208
شهدت الفترة منذ العام 2006 أحد أعلى تقلبات أسعار الغذاء العالمية. ويتوقع معظم المراقبين استمرار اتجاه ارتفاع الأسعار وتقلبها على المدى المتوسط.
 
يتأثر العالم العربي على وجه الخصوص بهذه التطورات، فهو أكبر مستوردي الحبوب في العالم، ويعتمد على الأسواق العالمية لتلبية 50 في المئة من حاجته للسعرات الحرارية، ويعاني من عجز هائل في البقوليات والسكر والدهون والزيوت. وبسبب ازدياد عدد السكان وندرة المياه والأراضي الصالحة التي تواجهها الزراعة العربية، يُتوقع أن يزداد هذا الاعتماد على الواردات بحيث يتم استيراد نحو ثلثي الغذاء المستهلك في البلدان العربية بحلول سنة 2030.
 
جميع البلدان العربية تقريباً تعتمد إلى حد كبير على الواردات من أجل أمنها الغذائي والتغذية. وهذا يطرح تحديات معينة خلال فترات التقلب الكبير في الأسواق العالمية. وتواجه البلدان المستوردة نوعين من المخاطر: خطر الارتفاعات الحادة في الأسعار وخطر حدوث اضطراب في الإمداد. والطلب في البلدان العربية على واردات الأغذية، خصوصاً الحبوب، ليس مرناً، أي أنها غير قادرة على تخفيض الواردات رداً على زيادة الأسعار، ولذلك يتعين عليها أن تتحمل الأثر الكامل لارتفاع الأسعار. وفي أوقات النواقص تفرض البلدان المنتجة أحياناً حظراً على الصادرات. لذلك قد تكون البلدان العربية غير قادرة على الوصول إلى واردات الأغذية بأي سعر. كما أن واردات الأغذية قد تتوقف بسبب الحرب أو النزاع المدني أو الكوارث الطبيعية.
 
وبالنسبة الى التأثر بتقلب أسعار الغذاء، يمكن تقسيم البلدان العربية الى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى هي الأكثر تأثراً بصدمات الأسعار والإمدادات، وهي البلدان الشديدة الاعتماد على الواردات وتواجه في الوقت ذاته قيوداً ملزمة على الموارد المالية والعملة الأجنبية، وتشمل بلداناً مثل مصر والأردن ولبنان وتونس. والمجموعة الثانية أقل تأثراً بصدمات الأسعار لأن لديها موارد مالية واحتياطيات دولية كافية، لكنها عرضة لصدمات الإمدادات لأنها تعتمد الى حد كبير على الغذاء المستورد، وهي تشمل بلداناً مثل الكويت والسعودية والإمارات. والمجموعة الثالثة هي الأقل تأثراً لأنها أقل اعتماداً على السوق الدولية من أجل الأمن الغذائي، ويمكن أن تشمل المغرب وسورية (في أزمنة السلم المدني).
 
الاحتياطيات الغذائية وأدوات الأسواق المالية
يجب أن تطور البلدان العربية استراتيجيات لحماية أمنها الغذائي في عالم يعاني من ارتفاع الأسعار وتقلبها. والاحتفاظ باحتياطيات غذائية أكبر هو خيار ممكن. وعلى البلدان أن تحافظ على احتياطيات طوارئ لمساعدة الفئات الأكثر تعرضاً، من دون إعاقة النمو العادي لسوق القطاع الخاص المطلوب من أجل الأمن الغذائي على المدى الطويل. ويعتمد حجم احتياطيات الطوارئ على الظروف الخاصة بكل بلد.
 
على رغم أن البلدان العربية هي أكبر مستوردي القمح في العالم، فقد كانت مصر الوحيدة بين الدول العشر الأوائل في امتلاك احتياطيات قمح عام 2010 (وهي بالترتيب: الصين، الولايات المتحدة، الهند، روسيا، الاتحاد الأوروبي، كندا، مصر، إيران، أوستراليا، أوكرانيا). وهذا يتغير، لأن بلداناً عربية عدة تستثمر في أهراءات من أجل الاحتفاظ بكميات أكبر من مخزونات الطوارئ. لكن ذلك يمكن أن يكون مكلفاً. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) والبنك الدولي أن تخزين طن واحد من القمح يكلف 2.15 دولار في الشهر. لذلك هناك حاجة لتقييم تكاليف وفوائد الاحتفاظ باحتياطيات طوارئ أكبر.
 
ثمة مجال آخر يستحق عناية خاصة من مستوردي الغذاء العرب هو استعمال الأسواق المالية من أجل خفض المخاطر. وتستعمل بلدان حول العالم بشكل متزايد أدوات إعاقة المخاطر المالية للتأمين ضد التقلبات. فقد استعملت المكسيك مثلاً هذه الأدوات لتثبيت سعر وارداتها من الذرة وتجنب «أزمة تورتيا» أخرى. والعقود الآجلة هي إحدى وسائل إدارة مخاطر أسعار السلع، وهي تفرض على المشتري شراء كمية ثابتة بسعر محدد في تاريخ آجل مقرر سلفاً، وعليه الحصول على إئتمانات أو ضمانات لتغطية قيمة العقد.
 
وهناك بديل آخر جذاب بشكل خاص للبلدان التي لا تحصل بسهولة على ائتمان، هو استعمال العقود الاختيارية، التي تعطي المشتري الحق، لكن لا تلزمه، في شراء كمية ثابتة من السلع بسعر محدد في تاريخ آجل معين. وهي تعمل كتأمين ضد ارتفاع الأسعار إذ يمكن للمشتري أن يقرر عدم استعمال الخيار وبذلك يخسر فقط قسط التأمين الذي يدفع مقدماً نقداً. وثمة مثال شهير على استعمال الخيارات يأتي من دولة مالاوي التي أبرمت عقوداً اختيارية لشراء الذرة عام 2005، فقد ارتفع سعر الذرة ومارست مالاوي حق الاختيار ووفرت نحو خمسة ملايين دولار.
 
زيادة الإنتاج المحلي بدعم صغار المزارعين
 
يمكن أيضاً التقليل من التعرض لتقلب الأسواق الدولية بزيادة الإنتاج المحلي. لكن إنتاج الغذاء في البلدان العربية محدود بندرة الأراضي والموارد المائية. ويزداد الضغط على الأراضي مع استمرار النمو السكاني، بحيث يتوقع أن تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة سنة 2050 نحو 0.12 هكتار فقط لكل فرد، وهذا يشكل هبوطاً بنسبة 60 في المئة عن مستوياتها في نهاية القرن العشرين. وللمقارنة، تبلغ حصة الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة اليوم في أوروبا (حيث لا يشهد عدد السكان نمواً) 0.4 هكتار. ومنذ العام 1950، هبطت حصة الفرد من الموارد المائية المتجددة في العالم العربي بنحو 75 في المئة، ومن المتوقع أن تنخفض 40 في المئة بحلول سنة 2050 حتى من دون تحليل عوامل الأثر المحتمل لتغير المناخ. والآن تبلغ حصة الفرد من المياه في العالم العربي أقل من 850 متراً مكعباً، بالمقارنة مع معدل عالمي مقداره 6300 متر مكعب.
 
ومع ذلك، ما زال في الإمكان إدخال تحسينات على الأمن الغذائي من خلال دعم الإنتاج المحلي للغذاء، خصوصاً من قبل صغار المزارعين والعائلات المزارعة. الزراعة عامل مهم في العالم العربي: ففيها يعمل نحو 25 في المئة من القوة العاملة. ويعيش نحو 40 في المئة من السكان في مناطق ريفية، ولذلك تتأثر مصادر رزقهم بالزراعة. وتوفر الزراعة مصدر رزق للفقراء والأشخاص غير الآمنين غذائياً. وتزيد معدلات الفقر في أرياف مصر والمغرب ثلاثة أضعاف عن معدلات الفقر في المدن، وأكثر من 57 في المئة من السودانيين الذين يعيشون في مناطق ريفية هم فقراء، وكذلك أكثر من 40 في المئة من اليمنيين الريفيين.
 
تعتمد غالبية الزراعة العربية على صغار المزارعين. ومع أن المزارع العائلية الصغيرة (أقل من خمسة هكتارات) تشكل نحو 84 في المئة من الحيازات، فهي لا تشكل إلا 25 في المئة من المساحة المزروعة. هذا يعني أن نحو ثلاثة أرباع الأراضي تخضع لكبار المزارعين أو لشركات كبرى. هذا يعكس الطبيعة المزدوجة للزراعة في العالم العربي، حيث تعمل أعداد كبيرة من المزارع العائلية إلى جانب هيئات كبيرة وأكثر حداثة. وفي حين ينتج المزارعون العائليون لاستهلاكهم الخاص في ما يمكن تسميته «زراعة الكفاف»، وللبيع الى الأسواق المحلية، تنتج المزارع العصرية الكبيرة للأسواق الوطنية والدولية، وتكون عادة أعلى إنتاجية وأكثر ربحية من المزارع العائلية الصغيرة.
 
المقلق أن الحكومات العربية أهملت الزراعة العائلية وركزت على تطوير الزراعة العصرية الواسعة النطاق. فعلى سبيل المثال، استثمرت الحكومة المصرية مبالغ ضخمة  في مشروع الوادي الجديد (توشكى) الذي يهدف إلى ري نحو ربع مليون هكتار من الأراضي الصحراوية من خلال بناء قناة بطول 150 كيلومتراً تمدها بالمياه من بحيرة ناصر جنوب أسوان. وغالباً ما يكون لهذه المشاريع الكبرى تأثيرات اقتصادية واجتماعية وبيئية ملتبسة. صحيح أن تطوير الزراعة العصرية هدف وطني مشروع، لكن يجب ألا يكون على حساب المزارعين الصغار والمزارعين العائليين الذين هم عنصر أساسي في الأمن الغذائي وتخفيض وطأة الفقر.
 
من الضروري أن يكون دعم المزارعـين الصغار والعـائليين عنصراً رئيسياً في أي حزمة سياسات تهدف الى تحقيق أمن غذائي وخفض وطأة الفقر. ويوافق معظم المـراقبين على أن هنـاك حاجـة لوضع سياسات وبرامج من شأنها: تسهيل حصول هؤلاء المزارعين على موارد ائتمانيـة واستثمارية، تأمينهم ضد أحوال الطقس القاسية والكوارث الأخرى، تمكينهم من الاستخدام الآمن للأرض خصوصاً من خلال سندات ملكية، زيادة حصة المزارعين من القيمة المضافة لإنتاجهم، تحسين نوعية خدمات الأبحاث والإرشاد الزراعي وتكييفها مع الأوضاع الخاصة للمزارعين الصغار والعائليين.
 
الاستثمار الدولي
الاستثمار الزراعي في بلدان أخرى يمكن أن يشكل عنصراً مهماً في استراتيجية الأمن الغذائي العربي. وسيساهم ذلك في زيادة إنتاج الغذاء العالمي وكمية الغذاء المتوافر في السوق الدولية، ما يساعد في تثبيت الأسعار وضمان إمدادات مستمرة. وإضافة إلى ذلك، من الضروري للأمن الغذائي العربي تنويع مصادر الواردات، بحيث لا يكون لإحدى الصدمات (مثل الجفاف) في جزء من العالم أثر سلبي على وصول الواردات الى السوق وعلى أسعارها. ويمكن أن يوفر الاستثمار بالزراعة في البلدان النامية وصولاً ذا امتيازات الى الواردات من هذه البلدان.
 
ويوفر الاستثمار الزراعي الخارجي فرص ربح جديدة للقطاع الخاص. وقد بلغت قيمة واردات الغذاء إلى العالم العربي نحو 65 بليون دولار عام 2011، وهذا يشمل نحو 23 بليون دولار لواردات الحبوب، و10 بلايين دولار لواردات اللحوم، و8.6 بلايين دولار لواردات الزيوت والبذور الزيتية، و6.6 بلايين دولار لواردات الحليب ومنتجات الألبان، و6 بلايين دولار لواردات السكر، و3.8 بلايين دولار لواردات الفواكه، و1.8 بليون دولار لواردات الخضار. هذا يعني أن البلدان العربية تمثل سوقاً ضخمة للمنتجات الغذائية مع إمكانية ضخمة لتحقيق أرباح. ومن خلال الاستثمار بالزراعة في البلدان النامية والبيع الى أسواقها المحلية، يمكن للقطاع الخاص العربي الاستفادة من الطلب الضخم والامكانية الكبيرة لتحقيق أرباح.
 
ولكي تكون الاستثمارات الزراعية مستدامة يجب أن تُصمم بحيث تحقق منفعة لجميع الأطراف. وبالإضافة الى المستثمرين، يجب أن يستفيد البلد المضيف والمجتمع المحلي من المشروع. وقد بينت التجربة أنه يمكن لأي من هذه الجهات المعنية الثلاث وقف أي مشروع إذا شعرت أن مصالحها لم تؤخذ في الحسبان بالشكل الملائم. ومن جهة أخرى، فإن وجود شعور قوي بملكية المشروع من قبل الحكومة والمجتمع المحلي يضمن نجاحه واستدامته. لذلك، على المستثمرين المحتملين أن يأخذوا في الاعتبار كيف ستُفيد مشاريعهم البلدان المضيفة، وخصوصاً صغار المزارعين الذين يعيشون ويعملون في منطقة المشروع.
 
تم التركيز حتى الآن على زيادة الإمدادت الغذائية، ولكن يمكن أيضاً تحسين الأمن الغذائي ونوعية التغذية بترشيد الاستهلاك وتخفيض الهدر. وفيما يعاني بعض العرب من الجوع وانعدام الأمن الغذائي، يعاني آخرون من الاستهلاك المفرط لأطعمة غير صحية مثل الخبز الأبيض والسكر والدهون والزيوت. البدانة وارتفاع تناول الدهن الحيواني وانخفاض تناول الألياف الغذائية هي عوامل خطر لحدوث أمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري وسرطان الثدي. وتبلغ نسبة البدانة في مصر مثلاً 45 في المئة، وهي أعلى حتى مما في الولايات المتحدة حيث تبلغ 32 في المئة.
 
على الحكومات العربية أن تنفذ أيضاً سياسات لتحسين التغذية تشمل جهوداً للحد من الاستهلاك المفرط والهدر.
 
الدكتور حافظ غانم نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكان المدير العام المساعد في «الفاو». ويتضمن هذا المقال أهم الخيارات العربية لمواجهة تقلبات أسعار الغذاء العالمية التي قدمها لتقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) حول الأمن الغذائي في المنطقة العربية.
 
كادر
أشار تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول الأمن الغذائي إلى أن البلدان العربية تنتج نحو 4.2 مليون طن من الأسماك سنوياً، يمكن زيادتها بما لا يقل عن مليوني طن بحلول سنة 2030. والبلدان العربية، كمجموعة، مكتفية ذاتياً بالأسماك، لكنها تستورد 25٪ من اللحوم الحمراء. ودعا التقرير إلى زيادة إنتاج الأسماك والدواجن، والتحول إلى محاصيل تتطلب مياهاً أقل وتوفر قيمة غذائية أعلى، وهذا يستدعي تبديلاً في أنماط استهلاك الغذاء. 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.