Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
ديبا بابنغتون (الخرطوم) حمّى الذهب تداعب أحلام السودانيين  
حزيران (يونيو) 2011 / عدد 159
 

أغرته حكايات عن جمع ثروة بين ليلة وضحاها، فهجر حياة الراحة في الخرطوم ليعيش أسابيع في معمعة الحرّ والثعابين وقطاع الطرق، باحثاً عن الذهب في صحراء السودان. خيَّم الصائغ عامر تبيدي في القفر النائي في ظروف صعبة جداً، لكنه نجح هو ومجموعته في العثور على نحو كيلوغرامين من الذهب قيمتهما نحو 94 ألف دولار، خلال أسبوعين فقط من التنقيب بأجهزة كشف المعادن. كان هذا كافياً لإقناعه بالقيام بالرحلة الشاقة مرتين أخريين، لينضم الى آخرين كثيرين يحدوهم ذاك الأمل.

قال تبيدي (34 عاماً) الذي يعمل في متجر للمصوغات الذهبية تملكه عائلته في الخرطوم: «كنا أحياناً نصل ليلاً الى مكان ما حيث لا نجد أحداً. لكن بحلول الخامسة فجراً تبدأ بسماع أجراس التنبيه «بيب بيب» المنبعثة من أجهزة كشف المعادن. وما أن يحل الصباح حتى تعج المنطقة بأناس يتجولون بهذه الأجهزة. وتقول لنفسك: «من أين جاء كل هؤلاء؟ انه أمر مذهل».

تبيدي واحد من عشرات آلاف السودانيين الباحثين عن الذهب، الذين يقومون برحلات استكشافية خطرة في أنحاء المناطق القاحلة، تدفعهم روايات عن الاكتشافات الكبيرة وأسعار تجاوزت الأرقام القياسية فبلغت أكثر من 1476 دولاراً للأونصة.

يقول منقّب آخر يدعى مختار يوسف: «كنت تاجراً، لكني تركت كل شيء قبل أربعة أشهر من أجل الذهب». ويتابع الرجل المحاط بأقرباء تبعوه في رحلة البحث عن المعدن الأصفر الثمين: «تمكنت خلال هذه الفترة القصيرة من دفع ثمن هاتين السيارتين المستعملتين».

بسبب ارتفاع أسعار الذهب خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وورود أجهزة التنقيب بكثرة الى البلاد، اندفع آلاف السودانيين نحو صحراء النوبة في الشمال التي يعتقد أنها تحوي في باطنها ثروة من الذهب. ويبيع المنقبون غرام الذهب بنحو 90 جنيهاً سودانياً (35 دولاراً) أي ما يعادل أجر أسبوع في الأعمال الصغيرة. لكن هذا المبلغ لا يمثل شيئاً لهؤلاء المستثمرين الجدد الذين لا يبخلون على أدوات عملهم، إذ يدفعون 6000 دولار على الأقل لشراء جهاز التنقيب المعدني الحديث. ويقوم منقبون آخرون باستئجار جرافات ميكانيكية لحفر الأرض، أو يشاركون مالكي جرارات زراعية من أجل حرث الصحراء.

وأفاد وزير التعدين السوداني عبدالباقي الجيلاني: «عندنا الآن ما يسمى حمى الذهب، لأن الجميع يبحثون عنه، مثلما كانت الحال في أميركا في القرن التاسع عشر». وقدّر أن هناك 200 ألف باحث عن الذهب على نطاق صغير، ينقبون عنه في مناطق متفرقة من السودان، مما اضطر الحكومة الى التفكير في حوافز لثنيهم عن بيع الذهب في الخارج وإنشاء تعاونيات لدعمهم. وأشار الى تهريب أكثر من 50 في المئة من هذا الذهب عبر حدود السودان غير المحكمة ليباع في دبي أو بيروت.

وقد تم إنشاء تعاونيات في بعض الولايات لضمان ألا يستخدم المنقبون عمالة من الأطفال، وللتوعية بالمخاطر الصحية والبيئية المصاحبة لهذا النشاط. ورأى الجيلاني أن الحكومة يجب أن تضع أعينها عليهم وأن تنظمهم في مجموعات وتوفر لهم بعض الخدمات الصحية، لأنهم يستخدمون مواد سامة جداً مثل الزئبق لاستخراج الذهب الخالص.

 

صناعة مزدهرة

يشتهر السودان بأنه مصدر للذهب منذ أيام الفراعنة والمملكة النوبية القديمة، لكن التنقيب على نطاق صغير لم يزدهر إلا في الأعوام القليلة الماضية. وقد بدأت الخرطوم، التي ركزت لسنوات على احتياطات النفط لتوفير العائدات، تكثيف جهودها لتنمية قطاع الذهب في محاولة لتنويع الاقتصاد وتفادي المخاطر الناجمة عن انفصال الجنوب المنتج للنفط. وقال الوزير الجيلاني إن بلاده وقعت عدداً من اتفاقات التعدين، فهناك 128 شركة سودانية وأجنبية تعمل في قطاع الذهب السوداني، وقد أنشئت هذه السنة شركة توفر خدمات التنقيب والاستخراج والفحوص المخبرية.

وأفادت شركة GFMS  الاستشارية للأبحاث المعدنية أن السودان لم ينتج سوى أربعة أطنان من الذهب عام 2009. لكن الجيلاني توقع أن يصل إنتاج البلاد الى 74 طناً هذه السنة اذا احتسبت الكميات التي يستخرجها الباحثون غير المنظمين. وسيجعل هذا من السودان عاشر أكبر دولة منتجة للذهب في العالم، وثالث أكبر دولة منتجة له في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا. وقدَّر الجيلاني أن يستخرج «الباحثون اليدويون» أكثر من 60 طناً من الذهب هذه السنة.

 

بالنسبة الى البعض، فان قطاع الذهب المزدهر مزدحم جداً. ويقول رجل الأعمال طارق خليل إنه فكر في الحصول على امتياز للتنقيب واستخدام صور الأقمار الاصطناعية لتحديد المناطق التي توجد فيها ترسبات ذهب، لكنه تراجع عن الخطة لاحقاً: «كان هناك الكثير من الناس الذين يعملون في هذا الميدان، لذا نوجه استثماراتنا الآن الى أي شيء غير الذهب».

لكن بالنسبة الى الغالبية، فان احتمال امتلاك ثروة فورية بالملايين، في دولة يعيش نحو نصف سكانها تحت خط الفقر وترتفع فيها أسعار الغذاء وتشح الوظائف، يعد حافزاً كافياً لخوض مجازفة كبيرة بحثاً عن الذهب.

وتنتشر الحكايات عن المنقبين غير المجهزين الذين نفدت منهم المياه في الصحراء أو تعرضوا للسرقة. لكن يتم التغاضي عنها عادة لمصلحة تقارير مثل الذي نشرته جريدة «الصحافة» في كانون الأول (ديسمبر) 2010، عن رجل من قبيلة الرشايدة في شمال شرق السودان عثر على قطعة وزنها 60 كيلوغراماً من الذهب العالي الجودة، باعها في مقابل 1,6 مليون دولار في سوق الذهب في الخرطوم.

 

خوف على الآثار

صحراء النوبة، التي تبعد نحو 500 كيلومتر شمال شرق الخرطوم، تجتذب آلاف الباحثين عن الذهب. لكنها تؤوي أيضاً ثروات أثرية تعود الى زمن المملكة النوبية، إحدى أقدم الحضارات في وادي النيل. ولئن تكن مصر المجاورة استقطبت اهتمام العالم بآثارها، فان السودان يبشر باكتشافات مهمة لأن التنقيب فيه ما زال محدوداً. ويخشى علماء الآثار والمسؤولون أن يُطمس جزء حيوي من تراثه نتيجة نهب المنقبين للمواقع الأثرية أو الإضرار بها.

يقول نائب مدير الآثار صلاح محمد أحمد: «أصبح التنقيب عن الذهب مشكلة خطرة. فالمنقبون يستعملون أجهزة كشف المعادن، وأحياناً يعثرون على قطع أثرية قديمة مصنوعة من الحديد أو البرونز. بعضهم يسلمها الينا، والبعض الآخر يحتفظ بها».

البعثات التي تتولى أعمال التنقيب عن الآثار خلال الأشهر الباردة بين تشرين الأول (أكتوبر) وشباط (فبراير) تخسر عمالها، الذين يتحولون الى التنقيب عن المعدن الأصفر. يقول أحمد إن بعثة في شمال مدينة عطبرة فقدت نصف قوتها العاملة، «فقد غادروها بحثاً عن الذهب».

 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.