يواجه العالم العربي تحديات حرجة في ضمان أمنه الغذائي. فهو المستورد الصافي الأكبر في العالم للمنتجات الأساسية مثل الحبوب والسكر، وانخفاض موارد المياه في المنطقة يعني أن التوسّع في الإنتاج الزراعي صعب، كما أن النموّ السكاني يعني وجوب إطعام المزيد من السكان كل عام.
وتشكل دولة الإمارات العربية المتحدة حالة مثالية لهذا التحدّي من عدّة وجوه. فإمكانات الإنتاج الزراعي منخفضة فيها، وتوفر الأمطار التي يمكنها الاعتماد عليها أقل من واحد في المئة من احتياجاتها المائية. وذلك يعني أن أمنها الغذائي يعتمد على الأسواق العالمية، وهو يعتبر قضيّة سياسة خارجية.
وضعت الإمارات في السنوات الأخيرة مجموعة واسعة من السياسات والتدابير لضمان استقرار الامدادات الغذائية بأسعار محتملة على المدى الطويل، تتراوح بين زيادة الإنتاج الزراعي المحلي وحيازة أراضٍ زراعية أجنبية. لكن تغيّر المناخ يؤثر على الإنتاج الزراعي العالمي، ويتوقّع أن يزداد سوءاً في العقود القادمة. لذا على دولة الإمارات أن تتصدّى لهذه التحدّيات من خلال اتباع نهج استراتيجي متوازن، والمشاركة الفعّالة في المفاوضات الدولية ذات الصلة.
تستورد الإمارات حالياً نحو 90 في المئة من احتياجاتها الغذائية. ويرجع ذلك أساساً إلى وجود الدولة في بيئة شديدة الجفاف لا تلائم الإنتاج الزراعي. فالافتقار إلى موارد المياه العذبة السطحية (يقل متوسّط تساقط الأمطار عن 100 مليمتر سنوياً)، وارتفاع درجات الحرارة في أشهر الصيف، وقلّة توافر الأراضي الملائمة للزراعة، عوامل تحدّ الإنتاج الزراعي المحلي بأقل من 1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. ويتوقّع أن تُستنزف المياه الجوفية، وهي المصدر الرئيسي المستخدم للزراعة، في أواسط القرن الحادي والعشرين إذا استمرّ معدّل الاستخراج الحالي. ولا يعتبر إدخال زيادة كبيرة في استخدام مصادر المياه الأخرى في الزراعة مثل المياه المحلاة، خياراً عملياً قابلاً للتطبيق من الناحيتين الاقتصادية والبيئية.
لقد اتخذت دولة الإمارت العديد من الخطوات المهمة لتحسين الإنتاج الزراعي المحلي، من خلال الانتقاء الأفضل للمحاصيل (كالإنهاء التدريجي لزراعة عشب الرودس الكثيف الاستهلاك للمياه باعتباره علفاً للحيوانات)، وزيادة كفاءة المياه (كتعزيز الري بالتنقيط)، وإدخال تقنيات جديدة (كالزراعة المائية). وتقوم جهات مثل «مصدر»، شركة أبوظبي لطاقة المستقبل، باستكشاف خيارات جديدة كالطاقة المتجدّدة لتحلية المياه من أجل تحسين الجدوى الاقتصادية والبصمة البيئية المرتبطة بعمليات تحلية المياه. وعلى الرغم من فائدة هذه الجهود، فإن الإنتاج الزراعي المحلي لا يمكن أن يرتفع إلى مستوى الاكتفاء الذاتي. وستستمر الإمارات في الاعتماد الشديد على واردات الغذاء في المستقبل المنظور، وعليها اتخاذ تدابير استراتيجية للتخفيف من المخاطر المصاحبة.
الموارد الغذائية العالمية
لدولة الإمارات قاعدة توريد واسعة ومتوازنة نوعاً ما في جميع المناطق الجغرافية. وتستأثر البلدان المورّدة الخمسة الكبرى بأقل من نصف الواردات الغذائية الإجمالية. الهند على سبيل المثال هي من المورّدين الغذائيين الرئيسيين لدولة الإمارات، وتتراوح حصتها تقريباً بين 15 و20 في المئة من الإجمالي، متفاوتة بين سنة وأخرى. وقد تم الاستحواذ على أراضٍ أو استئجارها في بلدان مثل السودان والمغرب وباكستان، لتوفير مورد غذائي مضمون لدولة الإمارات.
لكن بصرف النظر عن مصادر المنتجات الغذائية، فإن جميع المناطق ستتأثّر بتبعات تغيّر المناخ، بما في ذلك انخفاض المحاصيل بسبب تزايد الجفاف والفيضانات، بالإضافة إلى تلف المحاصيل الناجم عن تفشّي الحشرات. على سبيل المثال، توقّع تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ أن يتعرّض الإنتاج الزراعي في العديد من البلدان الأفريقية «لخطر شديد», وأن تنخفض المحاصيل الزراعية المروية بمياه الأمطار إلى النصف في بعض البلدان بحلول سنة 2020، وأن تنخفض المحاصيل في آسيا الوسطى وجنوب آسيا بنحو 30 في المئة بحلول سنة 2050. وقد تأثّرت بعض المناطق بالفعل، كما تبيّن من تكرّر الفيضانات في الهند وباكستان خلال السنوات الأخيرة. وتشير بعض التقديرات إلى أن تغيّر المناخ سيتسبّب بنحو نصف الارتفاعات المقدّرة في أسعار منتجات غذائية أساسية بحلول سنة 2050 مثل الذرة والرز والقمح. وبالنظر إلى ارتفاع الطلب على الغذاء محلياً وعالمياً بسبب النمـوّ السكـاني، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب العالمي على المنتجات الغذائية الكثيفة الموارد كاللحم، فسترتفع تحدّيات الأمن الغذائي التي تواجهها الإمارات.
التصدّي للأمن الغذائي وتغيّر المناخ
هناك عدد من العوامل الرئيسية لضمان الأمن الغذائي في مواجهة تغيّر المناخ. أولاً، على جميع البلدان بذل الجهود للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة والتكيّف مع تأثيرات تغيّر المناخ، لا سيما حيث يتوقّع أن يتأثر الإنتاج الزراعي. ويجب أن تكون الاتفاقية الدولية للمناخ التي يؤمل التوصل إليها هذه السنة في قمة باريس فعّالة وطموحة. ثانياً، على دولة الإمارات أن تستثمر استراتيجياً لتنويع الموارد الغذائية وتحصينها، آخذة في الحسبان التأثيرات المحتملة لتغيّر المناخ والعوامل الأخرى. ثالثاً، مواصلة الإمارات دعم نظام تجاري منفتح متعدّد الأطراف وقائم على القوانين، ودعم البلدان النامية المصدّرة للمنتجات الزراعية في حرية الوصول المتساوية إلى الأسواق والحصول على المساعدة التقنية اللازمة. رابعاً، تحديد الأهداف العالمية مهم في إنشاء أرضية مشتركة.
وعندما يتم الاتفاق على مجموعة «أهداف التنمية المستدامة» الشاملة التي تضعها الأمم المتحدة، فإنها ستساعد البلدان في التصدّي الجماعي لقضايا مهمة مثل الأمن الغذائي وتغيّر المناخ في العقود القادمة.
لقد فعلت الإمارات الكثير في ما يتعلّق بالنقاط الواردة أعلاه. وهي ناشطة في إطار الأمم المتحدة في الدعوة إلى اتفاقية للمناخ والاتفاق على أهداف التنمية المستدامة. وهي تؤدّي دوراً رئيسياً في تطوير التكنولوجيا النظيفة واستخدامها من خلال جهات فاعلة رائدة مثل «مصدر». كما أنها اعتمدت مجموعة واسعة من المسارات في الاستثمارات الزراعية الخارجية، ودعمت المباحثات التجارية الثنائية والمتعدّدة الأطراف.
لكن يجب بذل المزيد كي تحصّن دولة الإمارات أمنها الغذائي. ولا بدّ من وضع استراتيجية وطنية للأمن الغذائي قائمة على الاتفاقيات والاستثمارات الدولية. ووزارة الخارجية، بالتعاون الوثيق مع الشركاء المحليّين والدوليين، مستعدّة لأداء دور متنام في تعزيز الأمن الغذائي للدولة في السنوات المقبلة.
الدكتور ثاني الزيودي مدير إدارة شؤون الطاقة وتغيّر المناخ في وزارة الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة.