Monday 25 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
افتتاحيات
 
نجيب صعب التنمية المستدامة ونظرية المؤامرة  
تموز-آب/ يوليو-أغسطس 2015 / عدد 208
نظرت حولي متأملاً في الوجوه لأتأكد من أني لا أحلم، ثم قرأت التاريخ المطبوع على اللوحة خلف المنبر لأتحقق أن السنة هي 2015، ولم نعد 50 عاماً الى الوراء. فالمتحدث كان يحذّر الدول العربية من القبول بمبدأ «تمويل التنمية المستدامة». وأضاف شارحاً أن هذه مؤامرة على الدول النامية، والعرب من بينها، لأن القبول بالاستدامة يعني تأخير عجلة التنمية بإعطاء وزن للاعتبارات البيئية، وهذا وفق المتحدث يمثل رفاهية لا يمكننا تحملها. فالمطلوب، برأيه، تمويل التنمية بلا شروط، أكانت مستدامة أم لا. المكان كان المنامة عاصمة البحرين، والمناسبة كانت مؤتمراً اقليمياً عقدته الأمم المتحدة لتطوير موقف عربي موحد استعداداً لقمة أهداف التنمية المستدامة، التي تعقد في نيويورك في أيلول (سبتمبر) المقبل. أما الجلسة فكانت مخصصة لإعداد خطة عربية لاجتماع دوري يعقد في أديس أبابا في تموز (يوليو)، موضوعه بالتحديد تمويل التنمية المستدامة. واللافت أن الخطيب المفوّه كان أحد المفاوضين العرب في مقر المنظمة الدولية في نيويورك.
 
خيّل إلي للحظات أن الزمن عاد بي عقوداً طويلة الى الوراء، إذ لم أكن أتوقع أنه ما زال بيننا اليوم من يطالب بالتنمية المتوحشة على حساب هدر الموارد الطبيعية. فالبيئة السليمة، بمواردها المتجددة، تشكل دعامة الاقتصاد ووقود التنمية القابلة للاستمرار. ومن يدعو الى التنمية على حساب البيئة هو كمن يقتل الدجاجة التي تبيض ذهباً طمعاً بالحصول على كل ما في أحشائها دفعة واحدة، فيخسر الدجاجة والذهب معاً.
 
إنها نظرية المؤامرة تتواصل لتمنع التقدم في الاتجاه الصحيح. فهل يكون العرب تابعين للدول الكبرى وخداماً لمصالحها إذا خففوا من هدر المياه والوقود مثلاً؟ ألا يعود هذا أولاً بفائدة مباشرة على المواطنين، بتنقية الهواء من الغازات السامة المنبعثة من المحركات البالية غير الكفوءة، وبالتالي تخفيض فاتورة الاستشفاء؟ وهل نكون عملاء للأجنبي أم نستفيد نحن أولاً حين نعمل على ترشيد استخدام الكهرباء والمياه والموارد عامة، لنحصل على ناتج أكبر باستخدام مواد أقل؟
 
النتيجة الحتمية للاستمرار على هذا المنوال هي خسارة الفرص والانتقال من كارثة الى أخرى. لأن الذهاب الى اجتماع دولي موضوعه «تمويل التنمية المستدامة» بنظريات تعارض التنمية المستدامة نفسها، يعني فقط الانعزال والخروج على المساعي الدولية بالتغريد خارج منطق التاريخ. التنمية المستدامة كانت حصيلة تطوّر تطلب عقوداً من الزمن. فهي وفرت حلاً واقعياً بين الاندفاع نحو التنمية الاقتصادية التي تستنزف الموارد بلا حدود، والنظريات البيئية الرومنطيقية التي تقوم على الاستحمام بعطر الطبيعة والتنشّف بنورها، رافضة كل تكنولوجيا صناعية.
 
التنمية المستدامة هذه، التي تقوم على التوازن بين الاعتبارات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، أصبحت شرعة عالمية، ولم نسمع اعتراضاً عليها منذ عقود. لكنني أعترف أنني قضيت جزءاً كبيراً من السنوات الأخيرة أحاول اقناع أصحاب القرار العرب باعتماد «الاقتصاد الأخضر». فبعضهم ظن أن الالتزام بادخال الاعتبارات البيئية في البرامج الاقتصادية، أكان في المياه أو الطاقة أو الزراعة أو الصناعة أو النقل والمواصلات أو المدن والمباني أو إدارة النفايات أو السياحة، مؤامرة أخرى لعرقلة عجلة التقدم. وكأن «عقدة الاضطهاد» تسكن العقل العربي. ولطالما سمعنا في الاجتماعات الإقليمية أن مفهوم الاقتصاد الأخضر غير واضح ولا تعريف محدداً له. ووصل هذا الى حد وصفه من البعض بالخدعة لفرض التزامات على البلدان النامية بخفض الانبعاثات الكربونية، بعد الفشل بفرضها في مفاوضات تغير المناخ. ولحسن الحظ، أصبح هناك قبول لدى معظم أصحاب القرار العرب اليوم بأن الاقتصاد الأخضر ما هو إلا الآلية التنفيذية للتنمية المستدامة، بحيث تكون تنمية الرأسمال الاقتصادي لخدمة نوعية الحياة وليس للقضاء على الرأسمال الطبيعي.
 
لم أكن أتصور بعد كل هذه السنين من النقاشات أن أسمع في اجتماع عربي برعاية دولية من يرفض التنمية المستدامة ويدعو الى تمويل التنمية من دون اعتبارات بيئية. من الضروري التصدي لمثل هذه المواقف لمنعها من التشويش على الصوت العربي في القمة العالمية لأهداف التنمية المستدامة. وقد سمح السكوت عن مواقف كهذه للصين بأن تختبئ وراء دول العالم الثالث، المعروفة بمجموعة الـ77، ومن بينها جميع الدول العربية، لتحقيق مصالحها الخاصة، أكان في مفاوضات التنمية أو تغير المناخ. فالصين تصرّ أن تكون في مجموعة واحدة مع دول مثل بنغلاديش وأوغندا والسودان، لتتجنب الالتزام بشروط تتناسب مع حجمها الاقتصادي. وقد دعا المنتدى العربي للبيئة والتنمية تكراراً إلى اعتماد ثلاثة مسارات في مفاوضات تغير المناخ، بحيث يتم فرض التزامات فورية على الدول الصناعية المتقدمة، بينما تلتزم الصين وروسيا والبرازيل وكوريا الجنوبية وغيرها من دول الاقتصادات الناشئة بأهداف ثابتة بعد فترة سماح متوسطة لا تتجاوز 5 سنوات، في حين تعطى البلدان النامية، ومن بينها البلدان العربية، فترة سماح تصل الى 15 سنة، مقرونة بدعم ملائم وحوافز.
 
يحمل النصف الثاني لسنة 2015 محطات حاسمة على مستوى التعاون الإنمائي الدولي، من تحديد أهداف التنمية المستدامة إلى الالتزام بخطط عملية لمواجهة تغير المناخ. على العرب الدفاع عن مصالحهم كمجموعة، لاستشراف المستقبل بمعزل عن نظرية المؤامرة وعقدة الاضطهاد.
 
نجيب صعب
nsaab@afedonline.org
www.najibsaab.com
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.