رياض شعباني (الجزائر)
ثلاث سنوات من التجاذبات السياسية في الجزائر لم تضع حداً للجدل القائم بخصوص مشروع استغلال الغاز الصخري، بين معارض بحجة التأثيرات البيئية المتوقعة ومؤيد يدعو إلى مواصلة الاستكشاف لضمان الأمن الطاقوي الجزائري.
وتتواصل الاحتجاجات الشعبية لسكان الصحراء في جنوب البلاد، حيث توجد معظم آبار النفط والغاز، منذ إعلان وزير الطاقة يوسف يوسفي في 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014 حفر أول بئر تجريبية للغاز الصخري في عين صالح. ولم يسبق لهذه المناطق الصحراوية أن شهدت احتجاجات من هذا النوع. وعلقت صحيفة «ليبرتي» الجزائرية على ذلك: «إن وعي المواطنين فاجأ الرأي العام كما الحكومة التي لا تعرف كيف تهدئهم من دون التراجع عن مشروعها».
وأعلن المدير التنفيذي لشركة النفط والغاز الحكومية «سوناطراك» سعيد سحنون عن استثمار 70 بليون دولار خلال السنوات العشرين المقبلة لإنتاج الغاز الصخري، مشيراً إلى ان ذلك سيوفر 50 ألف فرصة عمل. وهو طمأن المواطنين قائلاً: «لن نستغل هذا المورد قبل أن نتأكد من توفير كل الظروف لحماية البيئة والناس»، مضيفاً أن البئر التجريبية في عين صالح «بدأت تنتج غازاً نظيفاً ويتم التحكم بالفضلات بشكل فوري».
سجلت الجزائر في الأشهر الأخيرة تراجعاً طفيفاً في معدلات الإنتاج النفطي التي وصلت الى حدود 1,13 مليون برميل يومياً في شباط (فبراير) الماضي، ليبلغ متوسط الإنتاج في السنوات الأخيرة 1,2 مليون برميل يومياً. وأمام هذا التراجع، عملت على تكثيف جهود التنقيب عن الغاز في الأملاك المنجمية الوطنية الممتدة على مساحة مليون ونصف مليون كيلومتر مربع. والهدف تحقيق معدل إنتاج يفوق 80 مليون طن سنوياً بحلول سنة 2030 من أجل مواكبة التغيرات العالمية والتوازنات الجديدة التي برزت بين الدول الكبرى. وباشرت عملية استكشاف احتياطي الغاز الصخري، مع التطلع إلى استغلاله تجارياً سنة 2022 بطاقة إنتاجية تصل الى 20 بليون متر مكعب سنوياً، على أن ترتفع إلى حدود 30 بليون متر مكعب سنوياً بين 2025 و2027.
جدل سياسي واحتجاجات شعبية
الغاز الصخري (shale gas) هو غاز طبيعي محبوس في الطبقات الصخرية داخل الأحواض الرسوبية. ووفق وكالة الطاقة الدولية، تحتل الجزائر المرتبة الثالثة عالمياً بعد الصين والأرجنتين من حيث حجم احتياطاتها من الغاز الصخري القابلة للاستخراج تقنياً والمقدرة بنحو 20 ألف بليون متر مكعب، تليها الولايات المتحدة. وتتوزع هذه الاحتياطات أساساً على خمسة أحواض صحراوية في الجزائر، هي أحنات وتيميمون ومويدير وأليزي وبركين، بحسب دراسة أجرتها «سوناطراك» مع شركات نفطية دولية.
عملت شركة «سوناطراك» عام 2009 على توثيق قاعدة البيانات الخاصة بالغاز الصخري، لتنطلق بعد سنتين في عملية تقييم مخزونه في الأحواض الصحراوية بغية تحديد المناطق المناسبة لإقامة مشاريع تجريبية وحفر آبار نموذجية. ولمعرفة قدرات الإنتاج وإعداد تقييم اقتصادي للمشروع، أجرت في العام 2013 ثلاث عمليات حفر أفقية في حوض أحنات كان من المقرر أن تنتهي سنة 2015، على أن تنطلق عملية حفر بئرين نموذجيتين خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020 في حوضي بركين وشمال تيميمون.
في هذه الأثناء، شهدت الساحة السياسية نقاشاً حاداً حول مشروع تعديل قانون المحروقات الذي يحدد الخطوط العريضة للتنقيب عن مصادر الطاقة غير التقليدية واستغلالها، والذي صادق عليه نواب المجلس الشعبي الوطني في شباط (فبراير) 2013. فانتقل الجدل الى الشارع الذي شهد العديد من التظاهرات والاحتجاجات المناهضة لاستغلال الغاز الصخري والمطالبة بوقف أعمال الحفر حفاظاً على البيئة من التلوث.
قابلت السلطات الجزائرية الاحتجاجات بخطابات طمأنة للرأي العام بشأن المرحلة الراهنة المتمثلة في الاستكشاف فقط. وهي مرحلة يرى الخبراء أنها ضرورية لتقييم ما تحوز عليه البلاد من هذه الثروة، كما يحصل حالياً في دول عديدة منها الأرجنتين وبريطانيا وإسبانيا والسعودية وغيرها من الدول التي تعمل لتحديد حجم هذه الثروة من أجل ضمان أمنها الطاقوي.
هل الجزائر مهيأة حالياً لاستغلال الغاز الصخري؟
الجدل قائم حول جدوى توجه الحكومة نحو استغلال الغاز الصخري في الوقت الراهن، خصوصاً أن البلاد تملك مخزوناً هائلاً من مصادر الطاقة التقليدية غير المستغلة. وقد بررت الحكومة اللجوء الى استغلاله بالحاجة الملحة الى توفير احتياجات طاقوية جديدة تضمن تنمية اقتصادية واجتماعية للبلاد، الى جانب تطوير صناعي ملموس يتطلب احتياجات طاقوية إضافية.
يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور سعيد شوقي شاكور أن الجزائر غير مهيأة حالياً لإنتاج الغاز الصخري واستغلاله، لما يتطلبه من موارد مائية وقدرات تكنولوجية متطورة جداً لا تملكها حالياً، ما قد يجبرها على عقد شراكة مع شركات أجنبية ذات خبرة طويلة في هذا المجال. وهو يرى أن «على الجزائر التريث والتفكير في استغلال الطاقات الطبيعية المتوفرة حالياً والتي قد تغنينا عن إنتاج الغاز الصخري لمدة 20 سنة على الأقل، خصوصاً قدراتها الهائلة من الطاقة الشمسية في الصحراء والتي تفوق آلاف المرات إنتاجها من المحروقات».
مقابل ذلك، يرى خبراء في دراساتهم الاستشرافية أن الجزائر ستجد نفسها مجبرة على استغلال الغاز الصخري بعد سنة 2030 نتيجة النقص المرتقب في إنتاج واحتياط مصادر الطاقة التقليدية. وسيتطلب ذلك حينئذ إبرام اتفاقات مع شركات عالمية ذات خبرة في استخراج الغاز الصخري وقدرة على التحكم في تقنيات إنتاجه، مع الحرص على التطبيق الصارم للقوانين المتعلقة بالبيئة وحماية المياه من التلوث، إضافة الى إمكانية إنتاج هذا الغاز في بعض المناطق الصحراوية البعيدة عن التجمعات السكانية.
وتشير بيانات إلى أن حفر بئر عمودية بطول 3200 متر وبتفريغ أفقي يبلغ 1200 متر يكلف ما بين 8 و10 ملايين دولار في الولايات المتحدة، بالمقارنة مع 14 الى 16 مليون دولار في بولونيا، في حين أن حفر البئر ذاتها في الجزائر يكلف ما بين 25 و30 مليون دولار. وهذه تكاليف باهظة، تضاف اليها إشكالية الكميات الكبيرة من المياه التي تستعمل أثناء عملية الاستخراج والمعالجة.
ثروة طبيعية مسمومة؟
رغم تطمينات السلطات العليا بأن استغلال هذا الوقود غير التقليدي سيكون مشروطاً بالاحترام الصارم للتنظيمات المتعلقة بحماية المياه الجوفية والبيئية، إلا أن خبراء البيئة يؤكدون دوماً على المخاطر البيئية التي قد تنجم عن عملية الاستخراج.
يوضح الدكتور سعيد هري، الباحث المتخصص بعلوم الطبيعة والأرض، أن التكسير الهيدروليكي القوي يؤدي الى تكسير طبقة صخور الشست أو الأردواز التي يكمن الغاز فيها إلى حدود التفتيت، مما قد يخلّ بتوازن الطبقات الجيولوجية ويتسبب في اهتزازات زلزالية في منطقة الاستغلال. كما أن عملية الاستخراج تتطلب حفر آبار للمياه إلى جانب آبار الغاز الصخري، مما قد يؤدي إلى تلويثها بطريقة مباشرة. ومن شأن ضخ كميات كبيرة من المواد الكيميائية مع الكميات الكبيرة من المياه تحت الضغط المرتفع من أجل التكسير الهيدروليكي أن يدفع إلى تسرب هذه السوائل السامة والمسرطنة عبر الشقوق الى خزان المياه الجوفية.
وتشكل الغازات السامة المنبعثة من عملية الاستخراج خطراً كبيراً على نوعية الهواء، حسب الخبراء، كما أن غاز الميثان المنبعث يأتي في المرتبة الثانية بعد غاز ثاني أوكسيد الكربون في التسبب بالاحتباس الحراري العالمي.
في كل الأحوال، الاحتجاجات على مشروع الغاز الصخري لم تتوقف في الجنوب الصحراوي، وإن خفت في الآونة الأخيرة. وقد يكون دافع المواطنين هناك، فضلاً عن المخاوف البيئية، شعورهم بأنهم مهملون ولا ينتفعون من الموارد الغنية التي تستخرج في مناطقهم. فالتنمية يجب أن تكون متوازنة ويستفيد منها الجميع.
كادر
ما هو الغاز الصخري؟
الغاز الصخري (shale gas) هو صنف غير تقليدي من الغاز الطبيعي، ينتشر في الطبقات الصخرية داخل الأحواض الرسوبية، محبوساً بين أحجار الشست أو الأردواز التي ينشأ منها.
بدأت عمليات استكشاف هذا الغاز واستغلاله في الولايات المتحدة عام 1981. وتجربتها رائدة في هذا المجال نظراً للتقنيات المعقدة التي تستخدم في استخراجه. وذلك بسبب وجود الغاز بين الطبقات الصخرية ما يجعل استغلاله مكلفـاً، بخلاف الغاز الطبيعي الذي يكون محبوساً داخل فجوات في باطن الأرض. كما تتطلب عملية استخراجه استهلاك كميات هائلة من المياه التي يتم ضخهـا لتكسير الطبقات الصخرية.
وقد نجحت الولايات المتحدة في إنتاج هذا النوع من مصادر الطاقـة الجديدة، ما ساهم الى حد كبير في استغنائها عن الاستيراد والتحكم في سوق النفط العالمي والتأثير عليه. وقد تمكنت خلال سنة 2015 الجارية من إنتاج نحو 50 في المئة من الغاز الصخري باعتماد تقنيات جديدة في تفجير الصخور واستخراج المياه.
خلال اجتماع اللجنة التنفيذية للاتحاد العالمي للغاز الذي استضافته أبوظبي في أواخر آذار (مارس) 2015، قال نائب رئيس الاتحاد ديفيد كارول إن الغاز الصخري يشكل حالياً أكثر من 39 في المئة من إنتاج الغاز في الولايات المتحدة، مقارنة بثلاثة في المئة فقط عام 2000، مضيفاً أن «أميركا الشمالية تعتبر المختبر الذي يحدد المعايير التقنية والتشغيلية لقطاع الغاز الصخري في العالم».
كادر
هزّت الاحتجاجات الصحراء الجزائرية ضد مشروع تجريبي لاستخراج الغاز الصخري (shale gas)، ووفرت لأحزاب المعارضة منبراً جديداً في وقت حرج للحكومة نظراً لانخفاض أسعار النفط. ونظمت مسيرات في أنحاء البلاد دعماً للمحتجين في مدينة عين صلاح الجنوبية الواقعة في واحة بعيدة.
قد تبدو الجزائر مكاناً غير محتمل لهذا التحرك الشعبي ضد التكسير الهيدروليكي (fracking)، وهو الطريقة المعتمدة في كثير من البلدان الغربية لاستغلال ترسبات الغاز الصخري العميقة. إذ تشكل عائدات النفط والغاز نحو 97 في المئة من قيمة صادرات الجزائر، التي تحافظ على نظام اشتراكي يوفر دعماً لكل شيء تقريباً، من الغذاء إلى السكن.
وتوقع رشيد تلكماني، أستاذ التاريخ في جامعة الجزائر، أن «تهب رياح التغيير من الجنوب، فمطالب الناس في الشمال هي السكن وفرص العمل ونصيب من عائدات النفط، لكنهم في الجنوب يقولون: لا نريد الغاز الصخري، حفاظاً على البيئة. لدى هؤلاء الناس وعي اجتماعي عال جداً».
حقق معارضو مشاريع الغاز الصخري في الجزائر مكاسب هامة من الغضب الشعبي ودوافعه، ولا سيما القلق البيئي حول شح احتياطات المياه في المدن الصحراوية، إذ إن عملية التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز كثيفة الاستهلاك للمياه وقد تلوث المياه الجوفية. يضاف الى ذلك استياء دائم مناهض للاستعمار. فالشركة الأجنبية المنخرطة في التنقيب هي توتال، ومقرها الرئيسي في فرنسا التي استعمرت الجزائر لعقود، وقد مُنعت من استعمال طرق التكسير ذاتها في فرنسا لدواع بيئية.
من مقال في «نيويورك تايمز»، 25/2/2015