استشكاف المعادن في أعماق البحار والمحيطات مهيأ ليصيح قطاعاً عالمياً رئيسياً على رغم القلق من تأثيراته البيئية
يتنامى الطلب العالمي على المعادن مع ازدياد أعداد سكان العالم، ومع ازدياد التصنيع والتوسع الحضري خصوصاً في الصين والهند. ولتلبية هذا الطلب، تضطر صناعة المعادن الدولية للبحث عن موارد إضافية في مناطق جديدة من العالم. ويبدو أن لا مفر من استكشاف المحيطات التي تغطي ثلاثة أرباع كوكبنا، لاستغلال ثرواتها المعدنية. وهذه مسألة وقت ليس إلا.
يقدر خبراء أن الجزر البركانية البارزة والمغمورة في غرب المحيط الهادئ تحوي رسوبيات غنية بخامات النحاس والزنك والذهب والفضة. وتترافق هذه المعادن في قاع المحيط مع ما يدعى «مداخن سوداء»، وهي ينابيع بركانية تلفظ موائع حمضية حارة غنية بالمعادن والكبريت.
تبرد هذه الموائع بسرعة فور ملامستها المياه الباردة، وترسِّب كبريتيدات (sulphides) غنية بالمعادن على قاع البحر أو تحته مباشرة. وغالباً ما يكون محتوى المعادن في رسوبيات القاع هذه أعلى عشرة أضعاف على الأقل مما في رسوبيات مماثلة على البر، خصوصاً بالنسبة الى النحاس والذهب.
تتوقف الجدوى الاقتصادية للتعدين البحري العميق على القيمة العالية لخامات الكبريتيد في القاع، مع أن المحدوديات التكنولوجية الحالية تجعل التعدين مقصوراً على قاع البحر أو تحته مباشرة، في حين أن التعدين على الأرض يمكن أن يحدث على عمق كيلومتر أو أكثر. وينتج كل طن من الخام المستخرج من قاع البحر معادن تزيد كثيراً عما في الرسوبيات الأرضية، ومن دون نفايات تذكر.
إضافة إلى ذلك، وبخلاف التعدين الأرضي، لا حاجة في التعدين البحري لإنشاء بنى تحتية مثل الطرق وخطوط السكك الحديد والموانئ، لذلك يعتبر مناصروه أنه سيترك «بصمة إيكولوجية منخفضة» من حيث الأثر البيئي الشامل، بالمقارنه مع العمليات على البر.
ثروات محتملة
لدى كثير من الدول الجُزُرية في غرب المحيط الهادئ مساحات صغيرة من الأراضي تحوي موارد معدنية شحيحة، ولكن لديها مناطق بحرية ضخمة تحوي إمكانات معدنية غير مستكشفة. وهذا يفسر الجاذب الاقتصادي الذي يدفع هذه البلدان الى خوض صناعة التعدين البحري العميق الناشئة. وتسعى حكومة بابوا نيوغينيا، على سبيل المثال، الى تشجيع معدِّني قاع البحر المحتملين على استكشاف مياهها، آملة أن يجلب النجاح ثروة ويؤمن فرص عمل لمواطنيها.
يقدر باحثون في هذا المجال أن أكثر من مليون كيلومتر مربع من قاع البحر في منطقة آسيا ـ الهادئ خاضعة لرخص الاستكشاف. لكن الاستكشاف لا يؤدي دائماً إلى تعدين. على البر، يسفر مشروع واحد من كل نحو 100 مشروع استكشافي عن إقامة منجم، لكن صناعة التعدين العميق في المحيط حديثة جداً ولا تتوافر عنها إحصاءات من هذا القبيل.
لم تستخرج خامات تذكر حتى الآن، لكن شركة «نوتيلوس مينيرالز» المسجلة في كندا والتي تتخذ من أوستراليا مقراً لها حصلت على موافقة لاستخراج خامات نحاس وذهب عالية الجودة من رسوبيات محيطية في موقع «سولوارا 1» بين جزيرتي نيو بريتن ونيو أيرلاند التابعتين لدولة بابوا نيوغينيا، على عمق 1600 متر تحت سطح المياه. ولدى الشركة أيضاً أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع من قاع البحر في فيجي ونيوزيلندا وبابوا نيوغينيا وتونغا، إما قيد الاستكشاف وإما بانتظار الموافقة على إصدار الرخص.
لم يتأكد تاريخ بدء التعدين في «سولوارا 1»، نظراً إلى أن شركة «نوتيلوس» هي حالياً في نزاع بشأن المدفوعات مع حكومة بابوا نيوغينيا المشاركة في المشروع.
تأثيرات غير معروفة
يشير معارضو التعدين البحري العميق الى مخاوف بيئية واجتماعية، منها الإخلال بالصناعات البحرية القائمة مثل صيد الأسماك، والتلوث المحتمل لمياه المحيط بطين الحفر الغني بالمعادن، والتدمير المباشر للنظم البيولوجية الفريدة التي تعيش حول فتحات «المداخن السوداء» النشطة.
لكن تبيَّن أن أخذ العينات السطحية ونشاطات الحفر حفزت على تجدد تنفيس الحرارة في القاع. واجتذبت الفتحات «الاصطناعية» حياة حيوانية حولها. لذلك يتوقع أن تنتعش الفتحات الهامدة من خلال الاخلال بقاع البحر تحت الرسوبيات، ما يؤدي الى تجدد تكون الخامات الكبريتية والظهور المتجدد للنظم البيولوجية التي تزدهر على الفتحات الناشطة.
إضافة الى ذلك، قد يشير النمو السريع إلى أن الخامات الكبريتية القابلة للتحول الى معادن بشكل مربح يمكن أن تتشكل خلال سنوات أو عقود، ما يفتح الباب أمام إمكانية اعتبار هذه الرسوبيات مورداً متجدداً. وقد تبين أن تكوينات صغيرة يبلغ قطرها سنتيمترين وطولها عشرات السنتيمترات تتشكل خلال دقائق، علماً أن تكوينات أكبر شبيهة بالأشجار تنمو سنوياً عشرات الأمتار وتحوي أطناناً من الكبريتيد. ولكن ما زالت هناك مسائل كثيرة غير محسومة تتعلق بالأثر الاجتماعي والبيئي، فضلاً عن تقبل التعدين البحري العميق. وهي مسائل تحتاج الى أبحاث جيولوجية وبيولوجية واجتماعية بدأ إجراؤها.
الأبحاث الاجتماعية التي تجريها منظمات مثل منظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية (CSIRO) ووكالة العلوم الوطنية في أوستراليا، تظهر قلقاً لدى الجمهور حيال الأثر المحتمل للتعدين في قاع البحر، ورغبة في الاطلاع على مزيد من المعلومات المكتسبة قبل انطلاق الصناعة.
العمل في البحر مكلف، ولعل التمويل وإمكانية الوصول اللذين يوفـرهمـا مستكشفـو المعـادن قد يساعـدان في إجراء أبحاث وافيـة. وفيما تطور «نـوتيلوس» موقع «سولوارا 1»، تراقب صناعة المعادن ما يحدث. وإذا نجحت الشركـة في مسعاها، فقد يكون للتعدين البحري، الذي يشكل حالياً جزءاً يسيراً من قطاع استكشاف المعادن عالمياً، أمل بأن يصبح صناعة عالمية رئيسية، بدءاً بغرب المحيط الهادئ.