ترويها مياه البحر التي تحلّيها الطاقة الشمسية فتنتج المحاصيل في المناطق الصحراوية
ماذا لو تم التصدي لمشاكل الغذاء والمياه والطاقة في العالم مجتمعة، بطريقة تخفض التكاليف وتجعل الكل أكبر من مجموع الأجزاء؟
هناك مشروع يتبلور في أوستراليا ويعد بسلوك هذا النهج. إنه صغير جداً حالياً، ويقتصر على إنتاج خضر طازجة، لكنه يُظهر إمكانات كبيرة بفضل الصلات التي يقيمها بين المياه والطاقة والغذاء.
في أعلى خليج سبنسر، قرب مدينة بورت أوغوستا في جنوب أوستراليا، مزرعة ثورية تحوّل ضوء الشمس ومياه البحر إلى مياه عذبة ومحاصيل غذائية داخل بيوت محمية.
فيليب سومويبر خبير مصرفي حائز على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفرد الأميركية. أعجبته فكرة أن الغذاء يجب إنتاجه بطريقة مختلفة كثيراً عن طريقة إنتاجه اليوم. فغالبية الزراعات تعتمد حالياً بشكل كبير على استعمال النفط واستهلاك المياه العذبة، وهما من أكثر الموارد حساسية على الأرض، فضلاً عن الاستعمال المفرط للأسمدة الكيميائية ومبيدات الحشرات والأعشاب، التي تلحق ضرراً واسعاً بالبيئة.
ويتجسد تصديه لهذه المشكلة في SundropFarms أي «مزارع قطرات الشمس». والفكرة هي تحويل ضوء الشمس ومياه البحر إلى غذاء ومياه وطاقة نظيفة. في هذه المزرعة تسخر طاقة الشمس لإنتاج حرارة تستعمل لتحلية مياه البحر وإمداد بيت محمي بالمياه العذبة، وتزويده بالكهرباء عن طريق محطة للطاقة الشمسية المركزة، وإنتاج الحرارة اللازمة لتدفئته وتبريده. ومن خلال ربط هذه المكونات المختلفة يمكن التغلب على تكاليفها الإفرادية.
المحاصيل الغذائية التي يتم إنتاجها بهذه الطريقة نظيفة وجيدة النوعية ولا تتعرض إلا لحد أدنى من المبيدات، لأن تدفق الهواء المعقم يخفض غزو الآفات، كما أن موقع المشروع في منطقة قاحلة بعيدة عن النشاطات الزراعية الأخرى يقلل خطر الغزو.
تضم مزرعة «صن دروب» بيوتاً محمية مساحتها 0.2 هكتار، تنتج 150 طناً من البندورة (الطماطم) والخيار والفليفلة سنوياً. وفي حين أن المشروع ما زال صغيراً بالمقاييس التجارية، إذ يزود قلة من المتاجر في جنوب أوستراليا، فهو يعتبر بداية واعدة، إذ إن إنتاجيته عالية وتعادل 750 طناً في الهكتار سنوياً.
يتم حالياً توسيع المشروع 100 ضعف ليضم مجمعاً للبيوت المحمية مساحته 20 هكتاراً، مع ما يلزمه من نظم التحلية والطاقة الشمسية المركزة لإنتاج 15 ألف طن من المحاصيل الطازجة سنوياً.
وقد تم تقديم طلب إلى مجلس مدينة بورت أوغوستا لتطوير المشروع الذي تبلغ كلفته 100 مليون دولار أوسترالي (90 مليون دولار أميركي). وتقدم مؤسسة تمويل الطاقة النظيفة (CEFC) قرضاً بقيمة 40 مليون دولار أوسترالي كجزء من الاستثمار.
مثل هذا المشروع لن يكون بالطبع بديلاً من مزارع القمح أو البطاطا الواسعة، أو مزارع تربية المواشي. لكن من المرجح أن يحقق نجاحاً كبيراً في زراعة الخضر الطازجة، ومن ثم الزهور، وربما على المدى البعيد مزارع الأسماك. ما يثبته هو أن ثمة حلولاً أذكى وأنسب لمشاكل صعبة، مثل ندرة المياه والزراعة في المناطق القاحلة.
يمكن إقامة مزارع مماثلة أينما وجد خط ساحلي قاحل: في أفريقيا أو الشرق الأوسط أو أميركا الوسطى والجنوبية أو آسيا. وقد تقام قرب مدن متنامية حيث تتوافر مياه البحر وأشعة الشمس.
لكن ما زالت هناك بعض التحديات الكبرى، منها تكاليف المحاصيل وتكاليف نقلها الى السوق. ولكي يكون المشروع قابلاً للاستمرار، يجب أن تتوافر مراكز رئيسية قريبة للبيع بالتجزئة، مثل محلات السوبرماركت.
لا يوجد جواب واحد لتلبية الاحتياجات الغذائية العالمية. وما زالت هناك تحديات هائلة وأبحاث متنوعة لإعادة «اختراع» إنتاج الغذاء في عالم مكتظ بالسكان. لكن هناك أيضاً فرصاً استثمارية ضخمة. ومن منظور أوسترالي، تجدر مراقبة النجاح الذي يحققه نموذج مزارع «صن دروب».
جون ماثيوز أستاذ الإدارة الاستراتيجية في كلية الدراسات الإدارية بجامعة ماكاري في أوستراليا.