تهز دانيتا ديفي سرير طفلتها في منزلها في واد بعيد وسط جبال هملايا الهندية، وتقول إنها عازمة على الكفاح من أجل بقاء أسرتها. فقد مات زوجها مع آلاف آخرين عندما اكتسحت فيضانات وانزلاقات ترابية جارفة سفوح الجبال في ولاية أوتاراخند الشمالية في حزيران (يونيو) 2013.
أصبحت هذه الأم الشابة وحيدة، بلا دخل، وليس لديها سوى مدخرات زهيدة لا تكفي لإعالة أطفالها الثلاثة وحماتها العجوز. لكنها تقول إنها ستبذل كل ما في وسعها للحؤول دون انزلاق أسرتها نحو البؤس. وتضيف: «لم أعمل من قبل، زوجي هو الذي كان يعمل. لكنه لم يعد هنا ليعتني بنا، وعلي أن أكون أنا رب الأسرة».
دُمرت قرى بكاملها عندما اجتاحت فيضانات الأنهار والانزلاقات الترابية، التي أحدثها أمطار موسمية مبكرة، هذه المنطقة المعروفة بالسياحة الدينية، فقتلت نحو 6000 شخص في ذروة الموسم السياحي. تركز الاهتمام الإعلامي حينذاك على آلاف الحجاج الهندوس الذين ذهبوا ضحايا الكارثة. لكن كثيراً من السكان المحليين قضوا أيضاً، إذ جرفتهم المياه أو سُحقوا تحت الأبنية والصخور المنهارة.
كانت ديفي بين 34 امرأة من قرية واحدة لم يعد أزواجهن وأبناؤهن من بلدة كيدارناث السياحية المجاورة، حيث كانوا يعملون وحيث تركزت الكارثة. لم تخسر هؤلاء النسوة أحباءهن فقط، بل خسرن أيضاً مصدر دخلهن الوحيد، وباتت قريتهن ديولي بهانيغرام تدعى «قرية الأرامل».
قرار ديفي عدم الاستسلام وجد دعماً من منظمة خيرية محلية بدأت تعليم النساء الخياطة وصنع الشموع ومبادئ الكومبيوتر ومهارات أخرى، فضلاً عن تعليمهن القراءة والكتابة لمساعدتهن في كسب الرزق. قالت ديفي: «سأتعلم الخياطة، سأتعلم كل ما يساعدني في أعالة أسرتي. مستقبل أطفالي بين يدّي الآن».
يقول مؤسس المنظمة الخيرية بيندشوار باثاك إنه تحرك للعمل بعدما قرأ عن محنة القرية. ولمنظمته «سولابه إنترناشونال» تاريخ في مدّ يد العون الى الأرامل الهنديات، وهي «تبنَّت» القرية في آب (أغسطس) 2013 وبدأت تقدم إعانة شهرية مقدارها 2000 روبية (32 دولاراً) لكل امرأة وألف روبية (16 دولاراً) لكل طفل.
لقيت الإعانة ترحيباً، لكنها تقل كثيراً عن المداخيل الشهرية التي راوحت بين 650 دولاراً و2400 دولار، كان يكسبها رجال القرية لقاء تشغيل مطاعم على الطريق أو كأدلاء لهداية الحجاج الى المعابد النائية في محيط كيدارناث.
يقول باثاك إن المساعدة المالية كانت خطوة أولى، تبعها البرنامج التدريبي للنساء «لكي يعتمدن في النهاية على أنفسهن».
تتجمع نساء القرية، الواقعة بين الجبال المكسوة بالثلوج، حول 22 ماكينة خياطة و12 جهاز كومبيوتر تبرعت بها المنظمة. وقد أبدين عزماً على تعلم وسائل تمكنهن من إعالة أسرهن، لكن صدمة فقدان الأحباء ما زالت طاغية.
قالت بينيتا شوكلا (33 عاماً) وهي تصارع دواسة ماكينات الخياطة: «كيف يمكنني أن أتعلم شيئاً جديداً في هذه السن وأن أكسب مالاً كافياً لإعالة ولديّ؟»
النساء قلقات أيضاً على مستقبل بناتهن، إذ يخشين العجز عن تأمين مهر لهن للزواج، وهذا تقليد قديم تم حظره لكنه ما زال يمارس على نطاق واسع. وتساءلت إحداهن مشيرة الى ابنتها المراهقة الجالسة بجانبها: « كم سأكسب من الخياطة أو صنع الشموع؟ ومن سيتزوجها بالنقود القليلة التي سأحصل عليها؟»
يخطط باثاك لتوظيف خبير يتولى تسويق المنتجات التي تصنعها نساء القرية وإقناع التجار ببيعها في المدن الهندية. لكنه يعترف بأن أرباح النساء، حتى لو نجح المشروع، لن تكون كافية.
حالياً، تجري إعادة إعمار المنطقة ببطء. فقد انهارت الأبنية وجرفت الفيضانات الجسور. وقدمت الحكومة مساعدات مالية لأسر الضحايا وللناجين الذين باتوا بلا عمل، لكن الكهرباء والمياه ومرافق أخرى لم تعد إلى وضعها السابق حتى الآن.
السكان قلقون حول مستقبل المنطقة ويتساءلون عما إذا كان السياح سيعودون بعد الكارثة الكبيرة التي حلت بها.