أعلنت وزارة الأراضي والموارد في الصين مؤخراً أن التلوث بات يحول دون نمو المحاصيل في 8 ملايين فدان.
فالمعادن الثقيلة الناجمة عن الصرف الصناعي تلوث الحقول في الأرياف وترفع نسبة الإصابات السرطانية لدى المزارعين. هنا مثل من قرية صينية منكوبة
حقول الرز الخضراء اللامعة المجاورة لمنازل القرميد في قرية شانغبا الصغيرة، في إقليم غوانغدونغ جنوب شرق الصين، ترسم صورة تقليدية للحياة الريفية الهادئة. لكن ما لا يُرى هو المعادن الثقيلة التي تلوث التربة حيث ينمو الرز وقصب السكر. فقد دخل الكادميوم والنحاس والرصاص والزنك والحديد والزرنيخ تربة هذه الحقول الزراعية مع مياه الري التي لوثتها بركة مخلفات منجم دابوشان.
هذا المنجم المملوك للدولة أنتج الحديد والنحاس طوال أكثر من 40 عاماً في مدينة شاوغوان. وهو يقع في أعلى مجرى نهر على بعد نحو 16 كيلومتراً من القرية.
تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً أخباراً عن ارتفاع مستويات الكادميوم في الرز الذي يباع في مدينة غوانغجو، فسلطت الضوء على مدى التلوث بالمعادن الثقيلة في أنحاء الصين.
خلال موسم الأمطار، يتدفق نحو 80 في المئة من المياه التي بلون الصدأ من بركة مخلفات منجم دابوشان، متجاوزة سداً صغيراً، وتصب في نهر هنغشيشوي المجاور. وقد بنت الحكومة المحلية عام 2006 خزاناً لإمداد مياه الشرب ومياه الري بعد سنوات من شكاوى الأهالي، لكن القرويين الذين يعيشون في أسفل مجرى النهر يضطرون إلى استعمال المياه الملوثة عند نقص إمدادات المياه النظيفة.
نتيجة لذلك، تعرضت الأراضي الزراعية في شانغبا وقرى أخرى لتلوث شديد، ما تسبب بضعف نمو النباتات وانخفاض المحاصيل وتركز المعادن الثقيلة في الأجزاء التي تؤكل من النباتات، بحسب نينغشانغ تشين الباحث في معهد غوانغدونغ للعلوم البيئية والترابية. وبمساعدة من معهد بلاكسميث الأميركي للأبحاث البيئية الرامية إلى معالجة التلوث، اختبر شين تقنيات لاستصلاح الأراضي الزراعية في قرية شانغبا التي يقطنها 3400 نسمة، وهي إحدى «القرى السرطانية» التي ذاع صيتها في الصين.
أظهرت أبحاث تشين أن الخضار التي تنمو في شانغبا تحوي كميات من النحاس والزنك والكادميوم والرصاص والزرنيخ تفوق المقاييس الوطنية. ويشكل الكادميوم الهم الأكبر، نظراً لسهولة امتصاص النباتات له، ويبدو أنه يسبب مشاكل في الكلى لدى سكان شانغبا، ويساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان.
بدأ تشين دراسات في المنطقة عام 2005. وبدعم من معهد بلاكسميث منذ العام 2009 استعمل سلالات خاصة من الرز لإجراء «استصلاح نباتي» (phyto remediation) للتربة. والاستصلاح النباتي هو عملية تحفيز الكائنات الدقيقة الموجودة أصلاً في التربة لتسريع تفكيك السموم وتحويلها الى ثاني أوكسيد الكربون ومركّبات أخرى غير مؤذية. وللقيام بذلك، زرع تشين نوعاً من الرز تم تطويره في اليابان يدعى شوكوكوكو (choukokoku)، وهو قادر على اختزان كمية من الكادميوم تفوق قدرة الرز العادي. ويباع المحصول لاستعماله في إعادة تدوير المعادن وكوقود حيوي لإنتاج الطاقة. كما يستخدم تشين سماد السيليكا على التربة الملوثة نظراً لقدرته على تخفيض كمية الكادميوم الموجودة فيها.
واستفادت من عمل تشين مجتمعات أخرى تعاني من تلوث التربة، مثل منطقة فينغهوانغ في إقليم هونان ومنطقة شينغدو في إقليم سيشوان.
ويختبر معهد بلاكسميث تقنيات أخرى في مدينة غويكسي في إقليم جيانغكسي، حيث يجري اختبارات ريادية باستعمال الكلس لتخفيض سمية المعادن الثقيلة التي تدخل التربة من أحد أكبر مصاهر النحاس في الصين.
يوتيان هيه مزارع في شانغبا عمل لسنوات مع تشين في حقول الرز وقصب السكر التي يملكها. وتعاني زوجته الآن من السرطان، وكذلك أخوه. وتبقى ابنته الصغيرة مهددة بالتربة الملوثة خارج المنزل حيث تلعب.
وينبه معهد بلاكسميث إلى أن تخفيض مستويات الكادميوم يبقى أمراً حاسماً بالنسبة الى صحة وسلامة عائلة هيه، وسكان قرية شانغبا، وجميع سكان الصين الذين يعتمدون على الزراعة المحلية.