تراجعت أعداد الحيوانات البرية بنسبة 52 في المئة خلال 40 سنة بين العامين 1970 و2010، وفق تقرير «الكوكب الحي» الذي أصدره الصندوق العالمي لصون الطبيعة في أيلول (سبتمبر) 2014. وباتت حاجات البشر الآن تفوق قدرة الطبيعة بأكثر من 50 في المئة، مع قطع الأشجار وضخ المياه الجوفية وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بمعدل أسرع مما تستطيع الأرض تعويضه. لكن الأمل ما زال قائماً إذا اتخذ السياسيون وأصحاب الأعمال والناس عموماً الإجراءات الصحيحة لحماية الطبيعة.
يصدر التقرير كل سنتين، بناء على متابعة 10380 مجموعة من الحيوانات الفقارية تمثل 3038 نوعاً من الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات والأسماك في أنحاء العالم. واستخدمت البيانات للمرة الأولى لاستحداث «مؤشر الكوكب الحي» الذي يعكس حالة جميع الفقاريات المعروفة وعددها نحو 45 ألف نوع.
اعتبر متوسط الانخفاض في أعداد الحيوانات، البالغ 52 في المئة، أكبر بكثير مما ورد في التقارير السابقة، التي اعتمدت بشكل رئيسي على معلومات متوافرة من أميركا الشمالية وأوروبا، حيث تمتعت الحيوانات البرية بالاستقرار الى حد ما خلال العقود الماضية. وكان التقرير الأخير قبل سنتين أفاد عن تراجع بنسبة 28 في المئة فقط بين 1970 و2008.
بصمة ثقيلة
قاس التقرير، الذي تم إعداده هذه السنة بالتعاون مع شبكة البصمة العالمية (GFN) وجمعية لندن لعلوم الحيوان، مدى قرب كوكب الأرض من تسعة «حدود كوكبية»، أي عتبات التغيرات الكارثية المحتملة في الحياة كما نعرفها. لقد تم بالفعل تجاوز ثلاث من هذه العتبات، هي التنوع البيولوجي ومستويات انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون والتلوث النيتروجيني الناتج عن الأسمدة. وهناك عتبتان أخريان على طريق التجاوز، هما تحمض المحيطات ومستويات الفوسفور في المياه العذبة. وحذر التقرير من أنه «في ضوء سرعة التغيير ومداه، لم يعد بإمكاننا استبعاد بلوغ حدود الخطر الحرجة التي قد تغير بشكل مفاجئ أحوال المعيشة على الأرض».
يحتسب التقرير البصمة البيئية للبشرية، أي مدى استهلاكها للموارد الطبيعية. حالياً، يقطع سكان العالم الأشجار أسرع من قدرتها على النمو مجدداً، ويصطادون الأسماك أسرع من قدرة المحيطات على تجديد المخزونات، ويضخون المياه من الأنهار وطبقات المياه الجوفية أسرع من قدرة الأمطار على تعويض النقص، ويطلقون غاز ثاني أوكسيد الكربون أكثر من قدرة المحيطات والغابات على امتصاصه.
ويرى التقرير أن معدل الاستهلاك العالمي حالياً يحتاج الى كوكب ونصف كوكب لاستدامته، «لكن إذا كانت لجميع سكان الكوكب البصمة البيئية للمقيم العادي في قطر لاحتجنا إلى 4.8 كواكب. وإذا عشنا بنمط حياة المقيم العادي في الولايات المتحدة لاحتجنا الى 3.6 كواكب».
دفعت الكائنات الحية التي تعيش في المياه العذبة الثمن الأغلى، إذ تراجعت أعدادها بنسبة 76 في المئة خلال العقود الأربعة الماضية، «فكل ما يحدث على اليابسة قد ينتهي في الأنهار» كما جاء في التقرير. وبالإضافة إلى التلوث، تلحق السدود والاستخراج المتزايد للمياه الضرر بنظم المياه العذبة. فهناك حول العالم أكثر من 45 ألف سد كبير بارتفاع 15 متراً أو أكثر، وهي تجزئ الأنهار مانعة التدفق الصحي للمياه. وفي حين ازداد عدد سكان العالم أربعة أضعاف في القرن الماضي، ارتفع استهلاك المياه سبعة أضعاف. لكن فيما انهارت أنواع تعيش في المياه العذبة، مثل الإنقليس الأوروبي وسمندل هلبندر في الولايات المتحدة، شوهدت أيضاً حالات انتعاش وتجدد. فثعلب الماء (القضاعة) الذي شارف الانقراض في بريطانيا يتزايد حالياً في أنحاء البلاد بفضل جهود الحماية.
أما الحيوانات التي تعيش على اليابسة فانخفضت أعدادها عموماً بنسبة 39 في المئة منذ العام 1970. فمن فيلة الغابات في أفريقيا الوسطى حيث معدلات الصيد غير الشرعي تفوق حالياً معدلات الولادة، إلى قردة الهولوك في بنغلادش وأفاعي المروج في أوروبا، أدى دمار الموائل الى تراجع الأعداد. لكن يمكن لجهود الحماية المكثفة أن تعكس حالات الانخفاض، كما حدث للنمور في نيبال.
وانخفضت أعداد الحيوانات البحرية بمعدل 39 في المئة أيضاً، خصوصاً الأسماك التي يتم صيدها تجارياً بشكل مفرط يتجاوز قدرتها على التجدد والنمو. وتعاني السلاحف بشكل خاص، إذ أدى صيدها ودمار أماكن تعشيشها ونفوقها في شباك الصيد الى هبوط أعدادها بنسبة 80 في المئة. وتأثرت كثيراً بعض أنواع الطيور، فقد انخفض عدد الحجل الرمادي في بريطانيا بنسبة 50 في المئة منذ 1970 بسبب تكثيف الأعمال الزراعية، في حين خسرت طيور الطيطوى في أوستراليا 80 في المئة من أعدادها خلال 20 عاماً حتى 2005.
ومن خلال استيراد مواد غذائية وسلع أخرى يتم إنتاجها بتدمير الموائل في البلدان النامية، تتسبب البلدان الغنية بالقضاء على الحياة البرية في تلك البلدان. فعلى سبيل المثال، تم تصدير ثلث المنتجات المتسببة في زوال الغابات، مثل الخشب واللحم البقري وفول الصويا، الى الاتحاد الأوروبي بين العامين 1990 و2008.
تظهر البلدان المرتفعة الدخل زيادة في التنوع البيولوجي بنسبة 10 في المئة، لكن أعداد الحيوانات فيها كانت شهدت انخفاضات كبيرة قبل وقت طويل من صدور أول تقرير عام 1970، حيث اصطيد آخر ذئب في بريطانيا مثلاً عام 1680. وتظهر البلدان المتوسطة الدخل انخفاضات بنسبة 18 في المئة، والبلدان المنخفضة الدخل انخفاضات بنسبة 58 في المئة. وتظهر أميركا الجنوبية أكبر انخفاض في التنوع البيولوجي، إذ هبطت أعداد الأنواع الحية فيها بنسبة 83 في المئة.
قال البروفسور كين نوريس، مدير الأبحاث في جمعية لندن لعلوم الحيوان: «إذا نفق نصف الحيوانات في حديقة الحيوان في لندن الأسبوع المقبل، فسوف يتصدر الخبر عناوين الصحف. لكن هذا ما يحدث فعلاً في الطبيعة الكبرى. الضرر ليس محتوماً، بل هو نتيجة للطريقة التي نختار أن نعيش بها حياتنا».